البث المباشر

شرح فقرة: "يا مقلب القلوب يا طبيب القلوب..."

الأربعاء 24 إبريل 2019 - 12:19 بتوقيت طهران

( الحلقة 42 )

موضوع البرنامج:

شرح فقرة: "يا مقلب القلوب يا طبيب القلوب..."

لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع هذا التجانس الرباعي من أسمائه تعالى وهي: (يا مقلّب القلوب، يا طبيب القلوب، يا منوّر القلوب، يا أنيس القلوب)، وقد حدثناك في لقاء سابق عن السمة الأولى وهي: (يا مقلّب القلوب) ونحدثك الان عن السمات الاخرى ونبدأ ذلك بالحديث عن عبارة: (يا طبيب القلوب)، فماذا نستلهم منها؟
طبيعياً، أنّ عبارة: (يا طبيب القلوب) عبارة استعارية من حيث معرفتنا بأنّ الطبيب أو الطبّ يرتبط بالجسد، ولكن إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الامراض النفسية بدورها تحتاج الى طبيب حينئذ فإنّ عبارة (يا طبيب القلوب) تظلّ عبارة حقيقية ولست مجازية كما هو واضح.
والسؤال الآن هو: مالمقصود بـ (القلوب) أولاً؟
القلوب: هي مصدر النفس اي هي الظواهر النفسية بمعنى أنّ (النفس) و (القلب) يشيران الى ما هو وجداني مقابل ما هو ذهني، ولذلك أطلق على الامراض النفسية بالامراض القلبية ايضاً بالنسبة الى مصطلحات النصوص الشرعية، ألم يقل النصّ القرآنيّ الكريم «فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ»؟ 
ويقول أيضاً: «فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»، (سورة الاحزاب). اذن مرض القلب هنا هو مرض النفس، وأحد أشكاله (النفاق)، كما أنّ أحد أشكاله (المرض الجنسيّ) أو الانحراف الجنسي.
والمهم الآن هو أن نلقي الانارة على عبارة: (يا طبيب القلوب)، فماذا نستلهم منها؟
أنّ مرض النفس او القلب - كما قلنا - تتّسع دائرته لتشمل كلّ ما يرتبط بالوجدان أو الانفعالات ونحوها، وهو نمطان: مرضٌ ثقافيٌ، ومرضٌ سلوكيّ.
أمّا المرض السلوكيّ فهو ما يعبّر عنه علماء النفس بـ(العصاب) اي: مجموعة الامراض النفسية المرتبطة بالقلق وبالكآبة وبالخوف، ويدخل ضمنه المرض السلوكي الشائع، كالعدو ان والغيبة والكذب والسرقة وأمّا النمط الآخر فهو المرض الثقافي - اذا صحّ التعبير - او المرض الايدلوجي وتعني به الانحراف العقائدي عند الانسان، كالكفر والشرك او الانتماء التوحيدي، بمعنى أنّ الكفر بكلّ انماطه يشكّل مرضاً عقائدياً، والفسق بكلّ أشكاله يجّسد بدوره مرضاً وسائر انماط السلوك الشاذ كالكذب والخداع والمكر.
اذن الامراض بأنماطها المشار اليها تظلّ في التصور الاسلامي محكومة بالطابع الانحرافي.
والسؤال من جديد، ماذا تعني عبارة: (يا طبيب القلوب) في ضوء ما أوضحناه الآن؟
في تصورنا، أنّ الله تعالى مادام العباد جميعاً هو خالقهم من جانب، وهو المركّب لبنائهم النفسّي والعقلّي من جانب ثانٍ، وهو الراسم لهم طرائق السلوك السويّ من جانب ثالث، حينئذ فإنّ الجميع يحتاجون اليه في مشكلاتهم المتنوعة، سواء اكانت مشكلات عقائدية او سلوكية او حتى عبادية، كيف ذلك؟
إنّ العابد والمتقّي والعارف يحتاج الى الله تعالى، لأنه (طبيب) لهم في التصعيد الروحي لسلوكهم.
كما أنّ المضطرب في فكره او نفسه يحتاج الى الله تعالى لإزاحة اضطرابه، لأنه تعالى يقول: «أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».
وأمّا المرضى عصابياً في مختلف أنماطهم، فإنهم يحتاجون اليه، لبداهة أنّ الالتزام بمبادئ الله تعالى، اي الالتزام بما هو مقرّر في ميدان الوجوب والندب والابتعاد عمّا هو محرّم ومكروه، يجعل الشخصية مطمئنّة آمنة لا قلق ولا كآبة ولا اضطراب لديها ألبتّة كما هو واضح.
اذن أمكننا أن نتبيّن دلالة ما تعنيه عبارة: (يا طبيب القلوب)، سائلين الله تعالى أن يمنح قلوبنا اطمئناناً وأمناً وأن يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة