البث المباشر

شرح فقرة: "يا علام الغيوب يا غفار الذنوب..."

الأربعاء 24 إبريل 2019 - 12:11 بتوقيت طهران

( الحلقة 39 )

موضوع البرنامج:

شرح فقرة: "يا علام الغيوب يا غفار الذنوب..."

لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع ورد فيه ما يأتي: (يا علام الغيوب، يا غفّار الذنوب، يا ستّار العيوب، يا كاشف الكروب، ...).
ولنتحدث عن كل واحد من الاسماء او المظاهر المتقدمة وبندأ ذلك بعبارة: (يا علام الغيوب)، فماذا نستخلص منها؟
لعلك تتساءل قائلاً: لا نحسب بأنّ العبارة المذكورة ذات غموض حتى تحتاج الى التوضيح، ولكّننا نجيب قائلين: العبارة المذكورة: (يا علام الغيوب) مع كونها واضحة تحتاج الى شيء من انارة دلالتها، فنقول:
اولاً: لماذا وردت كلمة (علام) بصيغة المبالغة؟
ثانياً: هناك بدورها ثمة صيغة للمبالغة هي (عليم).
ثالثاً: هناك كلمة هي (عالم)، اذن ما هو الفارق بين عالم وعليم وعلام؟ أليس الموضوع بحاجة الى التعقيب؟
لقد وردت هذه العبارات الثلاث في القرآن الكريم عبر الاشارة الى علم الله تعالى، وهو علم مطلق لا حدود له، ولكن جاءت الاشارة بصياغة (عالم) وثانياً بصياغة (عليم) وثالثة بصياغة (علام) وهذا مثل: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» ومثل «سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ومثل«عَلاَّمُ الْغُيُوبِ».
الجواب هو: لقد حدثناك عن الفوارق المذكورة بين (عَالِمُ) و (عَلِيمٌ) و (عَلاَّمُ) ولكن نحدثك الآن فحسب عن عبارة (عَلاَّمُ) لأنها وردت في الدعاء بهذا النحو فنقول: بما ان (الْغَيْبِ) لا يتسنّى لأحد ان يعلمه مطلقاً غير الله تعالى حينئذ فلابد من صيغة مبالغة في اعلى حدودها وهذا هو المسوّغ في الظاهر لمجيئها - اي العبارة - بهذه الصياغة.
هنا قد تسأل فتقول: لقد وردت عبارة: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» في مكان آخر من القرآن الكريم، ومع انها وردت في عالم الغيب ايضاً، ولكنها وردت بصياغة (عَالِمُ) فلماذا؟
الجواب هو: ان عبارة «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» جاءت في سياق انه تعالى يعلم كليهما اي: العلم بالغيب والعلم بالشهادة فلذلك لم تجيء صيغة المبالغة لان الموضوع هو علّمه تعالى في سياق ما هو مشاهد عند البشر وما هو غير مشاهد، امّا «عَلاَّمُ الْغُيُوبِ»فقد حصر (الْغَيْبِ) به تعالى، طبيعياً ان الله تعالى قد يطلع عباده على جانب من الْغَيْبِ: كالمعصومين (عليهم السّلام)، وكالانبياء وكالسالكين وسواهم بنسب متنّوعة، إلا انه تعالى يحتفظ بعلم ينفرد به ولا يطلعه على احداً أبداً.
اذن ادركنا السرّ الكامن وراء عبارة: (يا علام الغيوب) من حيث صيغة المبالغة.
بعد ذلك نتّجه الى عبارة: (يا غفار الذنوب) فماذا نستخلص منها؟
وهل نتساءل ايضاً: ان دلالة هذه العبارة اشدّ وضوحاً من سابقتها، فلماذا نتحدث عنها ايضاً؟
نقول ان عبارة (غفّار) بدورها تدلّ على المبالغة في صياغتها، ونقدّم المسوّغ نفسه من حيث انه تعالى من الرحمة وسعتها الى درجة لا حدود لها، بمعنى ان العبد مهما اذنب ومهما كبرت ذنوبه ومهما عاد اليها فان الله تعالى يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، كما هو صريح القرآن الكريم. ومع هذه الظاهرة فان السرّ الكامن وراءهما هو إن العبد اذا اقنط من غفران الذنب فانه تراخى عن العبادة ويواجه الاحباط طيلة عمره، ولكنه اذا وثق بأن الله تعالى يغفر ذنوبه حينئذ سيحفّزه هذا الامل على ممارسة الطاعة وتصعيدها وهو المطلوب اساساً من الشخصية.
اذن ادركنا ايضاً السبب الكامن وراء صياغة العبارة: (يا غفار الذنوب)، وهو امر يحملنا على ان نشكره تعالى وان نستثمر هذه الرحمة غير المحدّدة حتى نعمل المزيد من الطاعة شكراً لله تعالى على رحمته واستمراراً لممارسة العمل بمبادئ الله تعالى وعدم التراخي فيها والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة