موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا غياثي عند كربتي..."
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها: الدعاء الموسوم بـ (الجوشن الكبير) وقد حدّثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن احد مقاطعه التي ورد فيها ما يأتي: (يا غياثي عند كربتي يا دليلي عند حيرتي...) ونبدأ لنحدثك عن العبارة الاولى وهي:(يا غياثي عند كربتي).
اذا كنت متابعاً لأحاديثنا فلا بدّ وان تتذكر بأن المقطع الذي نتحدث عنه قد ورد فيه ما يماثل العبارات المتوسطة او المتّجهة الى الله تعالى بأن يرفع الشدائد عن العبد مثل: يا رجائي عند مصيبتي و (يا صاحبي عند غربتي) وهذا يعني ان الشدائد او المعاناة التي تصيب العبد متنوعة وان لكل منها ما يناسبه من النجاة منها وفي هذه الفقرة التي نحدثك عنها ثمة شدّة تتمثّل في مصطلح هو (الكربة) ويتمثّل في ما يناسب ازاحتها مصطلح هو (يا غياثي) وما يعنينا الآن ان نتّبين معنى (الكربة) ومعنى (الغياث) فماذا نستلهم منهما؟
الكربة هي نمط من الشدّة تتحسّس الشخصية من خلالها بانقباض الصدر او بما هو ثقيل من الهموم، وهذا من نحو ما ورد في القرآن الكريم من الاشارة الى النبي ايوب (عليه السّلام) وسواه من الانبياء الذين عانوا شدائد متنوعة تضيق الصدور بمكابدتها: كمرض ايوب (عليه السّلام) مثلاً حيث لم تشبه كربة أو كمعاناة نوح (عليه السّلام) خلال المئات من سنيّه وهكذا.
والمهم هو: أن هذا النمط من الشدّة يناسبه حلّ هو (الاغاثة) اي: الصرخة التي يطلقها العبد نتيجة ما يعانيه من الشدائد مستغيثاً بالله تعالى ومن الواضح ان (الصرخة) لا تتحقق إلا بعد المكابدة الحادّة جداً بمعنى ان العبد قد يصبر صامتاً او متكلماً بكلام يمكن اذا وصل الى الاستغاثة بصوت عالٍ: حينئذ فان الكربة تكون على أشدّها.
وأمّا فيما يتصل بعبارة: (يا دليلي عند حيرتي) فان الشدّة هنا تختلف عن سابقتها، انها من نمط آخر هو: ان يصاب العبد بموقف يظل متحيّراً فيه حيث لا يملك حلاً للمشكلة التي يعاني منها انه يتردّد بين الاقدام والاحجام، ويتأرجح بين المواقف لا يدري كيف يحسم الامور.
في امثلة هذه الحالة فان الحلّ المناسب للحيرة هو: (الدليل) الذي يدلّه على الدرب، الدرب الذي يسلكه في تجاوز الحيرة والدليلقد يكون ضوءاً يهتدي به الحائر في طريقه او كائناً يرشده الى هذا الطريق أو ذاك ولذلك فان خير دليل للعبد عندما يصاب بالحيرة هو (الله) تعالى، انه نعم المولى والهادي والنصير.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا غياثي عند افتقاري) وهي عبارة تفصح عن نمط آخر من الشدائد وهو: (الفقر) ولا نحسب بأنّ احداً منّا يجهل هذه الظاهرة ومدى شدّتها وافتراقها عن الشدائد التي حدّثناك عنها، فماذا نستخلص جديداً من هذه الظاهرة او الشدّة؟
ان الفقر مع كونه في سياق خاصّ هو الافضل لعباد الله المتّقين، ولكنه في سياق آخر هو شدّة لا طاقة للعبد بحملها لأنها - بوضوح - ترتبط باستمرارية حياته وكرامتها، من هنا فان الادعية المتنوعة طالما تشير الى هذه الشدّة وتتوسل بالله تعالى بأن ينقذ العبد منها.
لكن قبل ان نغادر الى فقرة اخرى من مقطع الدعاء لا مناص لنا من التذكير ان الفقر درجات وأن العبد اذا استطاع ان يتحمّل هذه الشدّة في حدود خاصة فانه من الافضل لشخصيته، حيث ان الحقوق المترتبة على العبد في حالة غناه تعرّضه لمسئولية هو في غنىً عنها في حالة فقرة او محدودية رزقه.
يضاف الى ذلك ان البعض قد لا يتحمّل الفقر حتى ليقوده الى الكفر (والعياذ بالله) والبعض الآخر على الضدّ منه، حيث يأنس بالفقر، والبعض الثالث يتأرحج بينهما وان الله تعالى يتعامل مع كلّ من هذه الانماط بما يناسبه من الوعي: بطبيعة الحال.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة في الحالات جميعاً والتصاعد بها الى النحو المطلوب.