موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا سامع الشكايا، يا باعث البرايا، يا مطلق الأسارى"
لا نزال نحدثك عن الدعاء الموسوم (بالجوشن الكبير) حيث يتضمن الدعاء مائة مقطع، كل مقطع عشرة مظاهر او أسماء، او عشر صفات الله تعالى، وقد انتهينا في لقاءنا السابق الى المقطع السابع من الدعاء في فقراته القائلة: (يا سامع الشكايا، يا باعث البرايا، يا مطلق الاسارى)، وبهذا يختم المقطع المشار اليه والسؤال الآن هو: ما هي المضمونات التي انتظمت هذه الفقرات الثلاث او الصلاة المستوحاة من بينها... انها تتحدث عن استماعه تعالى للشكوى، وبعثه تعالى للناس، واطلاقه للأسرى.
ترى: ما هي الاستخلاصات التي يمكننا ان ننتهي اليها من الفقرات والعبارات الثلاث؟
العبارة الأولى تقول: (يا سامع الشكايا) هنا لا نحسبك بحاجة الى ان تتبيّن معاني هذه العبارة: نظراً لوضوحها السافر؟ ولكن الامر - مع ذلك - يحتاج الى شيء من الانارة على الموضوع فنقول: ان ايراد السمة الذاهبة الى انه تعالى (سامع للشكوى) تدلّ بصراحة على ان الله تعالى يعنى بعباده، بحيث يسمع شكاواهم ويفرّج عن شدائدهم، ان هذه العبارة تأتي بعد عبارة تقول: (يا قاضي المنايا)، ومعناها: انه تعالى يقضي على عباده بظاهرة الموت التي تعني: انطفاء الحياة ولكن الدعاء يقرن ذلك بموضوع الحياة المقابلة للموت، اي: انّ انهاء حياة الانسان بالموت انما هي لصالحه، تماماً كما انّ رفع ما يشكي العباد منه في حياتهم: انما هو لصالحهم: حيث يعنى الله تعالى بحياتهم.
اذن: يتحدّد في ان القضاء بين الموت والحياة تنسحب معصياته على العبد، حيث لا فرق بينهما ما داما يصبّان في تجربة خلافة الانسان وانعكاساتها في الحياة الآخرة.
بعد ذلك نتجه الى عبارة (يا باعث البرايا) هنا نثير السؤال السابق من جديد فنقول: ان الانبعاث للبرايا يتم في الحياة الآخرة وكأنّ النص يتحدث عن استماعه تعالى للشكاوى في حياة عباده، فماذا نستخلص منها؟
الجواب: ان الله تعالى طالما يقرن حياة العبد بموته، وموته بحياته، لانهما امتداد واحد لوجود الانسان، كل ما في الامر ان الحياة هي (جسر) للآخرة.
من هنا ما ان ينتهي الدعاء من الاشارة الى ان الله تعالى يستمع لشكاوى عباده: حتى يذكّرهم بأن الحياة هي ظل عابر يأتي الموت بعدها، ممّا يعني: ان الاهتمام او الشكوى من شدائد الحياة لا قيمة لها.
اذن تبّين لنا بوضوح مدى الصلة بين العبارة الناقلة لشكوى العبد واستماع الله تعالى اليها، وبين كون الشدائد التي يشتكى منها هي قصيرة الامد، حيث تعقبها الراحة وهي: الموت.
أخيراً يبقى التساؤل الجديد، ألا وهو: ماذا تعني العبارة الاخيرة من المقطع وهي: (يا مطلق الاسارى)؟
الجواب: لقد ذكر الدعاء في العبارة السابقة التي حدّثناك عنها بأن الله تعالى (باعث البرايا) أي: يبعثهم بعد الموت لإستقبال الآخر وهذا يعني ان الآخرة هي تحرير للعبد من شدائد الحياة ولذلك وردت العبارة لتقول: (يا مطلق الاسارى) اي ان الأسراء او الأسرى في الحياة المحفوفة بالشدائد: سوف يطلقون من (الأسر) لتحدّد امكنتهم في المواقع الاخروية بحسب درجاتهم من الممارسة العبادية او الخلافية من الارض، وبذلك تتمّ النعمة عليهم بمجاورتهم الله تعالى في الدار الآخرة.
اذن: امكننا ان نتبين - ولو سريعاً - صلة كل صفة من الصفات المتقدمة او صلة كل من المظاهرة المرتبطة بالشكوى من الشدائد وبانبعاث الناس وبأطلاقهم من أسر الحياة.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة العبادة او الخلافة في الارض، انه وليّ التوفيق.