موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا واهب الهدايا، يا رازق البرايا..."
نحن الآن مع المقطع السابع من دعاء الجوشن الكبير، في فقرته القائلة: (يا واهب الهدايا، يا رازق البرايا، يا قاضي المنايا...) إنّ هذه الفقرات تتضمّن صفات الله تعالى أو أسماءه المتنوّعة، حيث يتضّمن الدعاء ألفاً من صفاته او أسمائه، ومنها هذه العبارة او السّمة القائلة: (يا واهب الهدايا) فماذا نستلهم منها؟
الهدايا من الله تعالى تعني: العطاء الذي يمنحه الله تعالى لعباده ونحتمل أن تكون العبارة المذكورة (رمزاً) يتضّمن دلالات متنوّعة، سواء أكان ذلك في حقل ما يشاهده الانسان بوضوح، أو حتى ما يراه مكروهاً في نظره، ولكنّه في الحقيقة هو عطاء الله تعالى. كيف ذلك؟
بالنسبة الى العطاء الواضح، تتمثل هداياه تعالى في نعمه الظاهرة كالصّحة والامن ونحو ذلك، أما بالنسبة الى العطاء المخفيّ فيمكننا عدّ ما يكرهه الانسان: ضمن ذلك حيث ورد في الاحاديث عن المعصومين (عليهم السّلام)، أنّ الله تعالى إذا ابتلى عبده ببعض الشدائد فانها (هداياه) إليه أي: أنّ الشّدّة: كالمرض والبلاء المتنوّع إنما هو في الواقع عطاء منه تعالى يتحقّق من خلاله غفران الذنوب او رفع درجاته حتى ورد حديث بما مؤدّاه: إنّ العبد يتمنّى يوم القيامة أن يكون قد قرض بالمقاريض في الدنيا حتى يحصد عطاء ذلك في الآخرة.
إذن: هداياه تعالى هي: عطاءاته سواء أكانت ما يحبّه العبد او يكرهه كما قال سبحانه وتعالى بما مؤدّاه: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا رازق البرايا) وهذه العبارة مع وضوحها تحتاج الى توضيح فماذا نستلهم منها؟
من الحقائق الواضحة في ميدان الرزّق أنّ الله تعالى يوصل الارزاق الى مختلف مخلوقاته حتى في قاع البحار او الصّحاري او الزوايا المخفية من الاماكن.
ولعلّ الحديث الوارد بما مؤدّاه: أنّ الله تعالى يعرّف عبده برزقه مثلما يعرّفه بموته، أي: كما أنّ الموت يصل الى الانسان شاء أو أبى، كذلك رزقه: يصل اليه شاء او أبى، كلّ ما في الامر أنّ الرّزق رزقان: أحدهما هو الطالب والآخر هو المطلوب وبكلمة أكثر وضوحاً أنّ الرزق رزقان: رزق يطلبك ورزق تطلبه، كما أنّ درجة الوعي او التوكّل تتدخّل في الرّزق الذي يطلب صاحبه وفي الحالات جميعاً فإنّ النّكتة الكامنة وراء ذلك هي: بما أنّ الرزق تتوقف عليه حياة الانسان بحيث لا مفرّ من الحياة الاستمرارية لكي تتمّ تجربة خلافة الانسان، وهذا يعني أنّ الرّزق يستمرّ بدوره حتى تستمرّ تجربة خلافة الانسان.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا قاضي المنايا)، أي: الموت. هنا لابدّ وأن نعود الى العبارة السابقة وهي أنّ الله تعالى رازق البرايا، ونعود الى ما ذكرناه من أنّ الله تعالى يعرّف عبده برزقه كما يعرّفه بموته، حينئذ ندرك دلالة العبارة المتقدّمة وهي (يا قاضي المنايا)، حيث جاءت بعد عبارة: (يا رازق البرايا) لتجسّد لنا كيفية الإرتباط بين حتمّية الرّزق وحتمية الموت كما هو واضح.