موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا من تواضع كل شيء لعظمته..."
نحن الآن مع المقطع السادس من دعاء (الجوشن الكبير)، وهو المقطع البادئ بما يأتي: (يا من تواضع كل شيء لعظمته، يا من استسلم كل شيء لقدرته، يا من ذل كل شيء لهيبته...).
هذه الاسماء او الصفات او الظواهر المرتبطة بالله تعالى، تتظمن المتجانس من الخطاب، ونعني به: الانقياد لله تعالى من مختلف قوى الوجود ويعنينا الآن ملاحظة كل منها.
الخطاب الاول هو: (يا من تواضع كل شيء لعظمته)، هنا (قبل ان نحدثك عن التواضع لعظمة الله تعالى من قبل كل شيء) لا مناص من التذكير بأن الوجود اساسا هو من ارادة الله تعالى، وحينئذ فأن الهيمنة عليه، والانقياد له: يظل من الوضوح بمكان، ولذلك نتساءل: لماذا يطرح الداء امثلة هذه المسائل مع وضوحها والتسليم بذلك؟
الجواب: صحيح ان الكون وما فيه هو من خلق الله تعالى، وهيمنته تعالى عليه، الا ان الدعاء يستهدف تذكيرنا بهذا الجانب: تعميقا لايماننا بالله تعالى، وممارسة الطاعة حياله.
وهنا قد يُثار السؤال الآتي: هل ان الموضوع هو: مجرد التذكير بمبدع الكون والايمان به فحسب، اما ان الامر يتجاوز ذلك الى نكات متنوعة اخرى؟
الجواب: ان الامر يتجاوز ذلك بطبيعة الحال.
مما لا شك فيه، ان وعي الانسان لعظمة الله تعالى، او لنقل: ان درجات الوعي او عدمه تتفاوت من شخص الى آخر فالتوكل، والتسليم، والتفويض، تظل سمات بشرية تتفاوت درجاتها عند هذا الشخص او ذاك، فمثلاً ورد في النصوص الشرعية ان (الشرك) لا يقتصر على المشركين الكفار بل ينسحب على المسلمين في حالة ما اذا نقص لديهم الوعي العبادي، لقد ورد على سبيل المثال نص شرعي يقول بما مؤداه: لو ان شخص عمل من اجل الله تعالى عملاً صالحاً وأدخل رضا غير الله تعالى عُدَّ (مشركا)، اي: اشرك رضا غير الله تعالى مع رضا العبد (كالمرائي او الباحث عن الجاه...)، بل حتى من خُيلَّ اليه بأن الامور او المواقف او الاحداث التي يسعى الانسان الى تحقيقها او التخلص منها هو بيد الانسان وليس بيد الله تعالى: يُعد (مشركا) لانه تجاهل بأن الانسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولذلك ورد ايضاً من النصوص الشرعية ما يُشير الى ان (الشرك نمطان: شرك ظاهر وشرك خفيّ، بمعنى ان النمط الآخر لا يحس به الانسان، وانما يمارسه لا شعورياً: بسبب ضعف ايمانه. وفي ضوء هذه الحقائق: يظل ّ التذكير بفاعلية الله تعالى له اهمية في تصعيد الوعي لدى قارئ الدعاء: كما هو واضح.
تاسيساً على ما اوضحناه نتقدم الآن لملاحضة خطاب الدعاء في مقطعه السادس، واستخلاص نكاته، متمثلاً اولاً في العبارة القائلة: (يا من تواضع كل شيء لعظمته)، فماذا نستخلص منها؟
الجواب: ان (العظمة) معناها: كبر الشيء مقابل صغره، اي: كل ما هو تفخيم وتجليل وتبجيل و...، حيث ان الله تعالى يختص به: نظراً لعدم محدودية قواه تعالى، ولذلك فان (العظمة) له وحده وحينئذ: عندما يقول الدعاء بان كل شيء يتواضع لعظمه الله تعالى، فمعناه: ان كل الاشياء المخلوقة التي نواجهها في الوجود: انما هي تنسب الى عظمته المتفرد بها، وتجيء صفة (تواضع كل شيء) لعظمة الله تعالى (استعارة فنية) تخلع صفة (التواضع) على ما هو دون الله تعالى من جميع مخلوقاته لتشير الى معنى هو: ان كل شيء يتم بالانقياد الى الله تعالى.
نتجه بعد ذلك الى سائر ما ورد في المقطع من الخطاب، ونؤجل الحديث عنه الى لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
ختاماً نساله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.