موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ذا المن والبيان..."
لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن احد مقاطعه، وهو دعاء يتضمن مائة فقرة، كل واحدة منها تتضمن عشرة صفات من عظمته تعالى، وقد انتهينا في لقائنا السابق الى صفته القائلة (يا ذا المن والبيان) وهي ظاهرة تتطلب منا: الوقوف عندها لملاحظة النكات التي تتضمنها، ان قارئ الدعاء قد يتسائل قائلاً: ان هذه الفقرة من الدعاء سبق ان مرت علينا في فقرة متقدمة متمثلة في صفة (يا منان) اما الآن فقد وردت بصيغة (يا ذا المن) فما هو الفارق بين الصيغتين من جانب، ثم ورودها مقترنة ومزدوجة بظاهرة أخرى هي (البيان) اي: يا من هو ذا منّ، ويا من هو ذا بيان وقد صيغا بعبارة مزدوجة هي (يا ذا المنّ والبيان)، فماذا منهما؟
ان (المنّ) من الله تعالى هو: الانعام على العبد بما هو في صالحه كما هو واضح، وقد ورد في النص القراني الكريم بأن الله تعالى يمنّ على عباده بهدايتهم الى الايمان، ولكن السؤال هو: ما هي النكات الكامنة وراء اقتران عبارة (يا ذا المنّ) بعبارة (يا ذا البيان)اذا صحّ التعبير؟
الجواب: ما دام الله تعالى يمنّ على عبده بالايمان، وبما يرتيط به من الظواهر: حينئذ، فأن (المنّ) على العبد بظاهرة (البيان): تظل واحدة من المعطيات التي تتطلب مزيداً من التوضيح، لذلك نحيلك الى ما ورد من النصوص الشرعية في تفسير ذلك.
قال الامام الصادق(ع) بأن (البيان) هو الاسم الاعظم الذي علم به كل شيء، وهذا يعني من حيث الدلالة العامة بأن كل ما يرتبط بعظمة الله تعالى اودعه تعالى في الانسان، ولكن الانسان نفسه يتفاوت في تلقيه لودائع الله تعالى، فالمعصومون عليهم السلام مثلاً، يتلقون ما اودعهم تعالى من المعرفة بنحو يختلف عن العاديّ من الناس كما هو واضح، لكن لنتجه الى تفصيلات هذا الموضوع، والى ما ورد من التأويلات المتنوعة لموضوع (البيان) اي: تعليم الله تعالى الانسان: البيان، فماذا نستلهم من المعاني الاخرى؟
تقول النصوص المفسرة، ان بعض ما تعنيه العبارة هو: ان الله تعالى علم الانسان لغاته المتنوعة، وتقول بأن الله تعالى.
في تأويل آخر: انه تعالى علمه الاسماء جميعاً من حيث كونها موجودات يواجهها الانسان في حياته، ويقول تأويل آخر: ان الله تعالى علم الانسان: النطق، والكتابة، والخط، والافهام، حتى يعرف ما يقول، ويقول تأويل آخر: البيان هو الطريقة التي يتكلم بها الانسان لتوصيل ما يريد توصيله الى الآخرين، وأخيراً: تقول بعض التأويلات بأن الله تعالى علم محمداً(ص) ما هو كائن وما يكون.
والآن بغض النظر عن تحديد ما هو المقصود او تنوع التأويل، فأن المطلوب هو ملاحظة الصلة بين (المنّ) وبين (البيان) في عبارة الدعاء (يا ذا المن والبيان)؟
في احتمالانا ان الازدواج بين المنّ وبين البيان، يتمثل في كون (المعرفة) هي: الاسمى من عطاءات الله تعالى للانسان، وهو ما يفسر لنا دلالة (المنّ) في هذا الجانب.
ان الله تعالى يمنّ على الانسان بأن هداه للايمان، ولكن الايمان نفسه يتطلب (بعداً معرفياً) بتفصيلات ما يتضمنه من العطاءات، ولذلك فأن (البيان) هو التجسيد الحيّ لهذا الجانب، اي: ان تعليم الله تعالى للانسان: الاحاطة بالشيء، وبقدرة التعبير عنه، وبقدرة سائر مستويات ذلك: من كتابة ونطق، ونمط هذه اللغة وتلك، اولئك جميعاً مقترنة بما انعم الله تعالى به على الانسان.
بعد ذلك يتجه دعاء الجوشن الى مقطع جديد هو: (يا من تواضع كل شيء لعظمته، يا من استسلم كل شيء لقدرته، يا من ذل كل شيء لعزته،...) حيث سنحدثك عن ذلك في لقاءا ت لاحقة ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نردد معاني الشكر لله تعالى على ما علمنا من البيان، سالئين اياه تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.