موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا من له القدرة والكمال، يا من له الملك والجلال"
نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطعه الاولى، وانتتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه (يا من له العزة والجمال، يا من له القدرة والكمال، يا من له الملك والجلال...).
وقد حدثناك في لقاء سابق عن الفقرة الاولى من ذلك المقطع وهي (يا من له العزة والجمال)، اما الآن فنحدثك عمّا بعدها، وهي فقرة (يا من له القدرة والكمال)، وهذا ما نبدأ به الآن:
ان (القدرة) و (الكمال) من الصفات الالهية التي تتسم - كما هي سائر صفاته تعالى بما هو مطلق، اي بما هو غير محدود.
وبالنسبة الى (القدرة) فأن مقولة «كُن فَيَكُونُ»، تظل هي التعبير الاشد وضوحاً في الكشف عن لا محدودية قدرته تعالى واهمية القدرة تتمثل في احد مظاهر العظمة من حيث انسحابها على الكون وما يستهدفه تعالى من ايجاده وهو ممارسة العمل العبادي: تبعاً للعبارة القرآنية الكريمة التي لا نملّ من تكرارها في احاديثنا مما يتعين على الجميع استحضارها في الذهن الا وهي قوله تعالى«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ» وقد سخّر تعالى هذا الكون لتجسيد قدرته تعالى وتمرير الهدف العبادي المذكور من خلال ذلك،
حيث ان السماوات والارض وما بينهما تظل ممارسة للهدف العبادي المتقدم: الشياطين والانس مما لا قيمة لعددهم، حيث ان القدرة العقابية لله تعالى كفيلة بأزاحتهم عن الساحة الالهية.
ونتجه الى صفة (الكمال) التي قرنها مقطع الدعاء بصفة (القدرة) ، حيث تستوقفنا هذه الصفة من خلال ورودها متزاوجة مع صفة (القدرة) ، والا كان بالامكان فصلها في مقطع مستقل كما هو ملاحظ في عشرات المقاطع من الدعاء، فما هو سرّ ذلك؟
في تصورنا بما ان صفة (الكمال) تعني: تمامية ما يمكن تصوره من السداد في مطلق الظواهر: حينئذ فأن القدرة المقترنة بها تعني: تسخير القدرة من خلال صوابية وسداد التسخير لصالح الوجود البشري ومطلق مظاهر الخلق.
ان (كمال) الله تعالى يعني عدم تصور اي احتمال لما هو نقص او سلب او حاجة لغير الذات الالهية، ان نَفس امره تعالى بممارستنا العبادية هو: استغناء وعدم حاجة اليها بقدر ما هو حاجة بشرية وسواها من المخلوقات، وهذا يفسر لنا اولاً ان كل ما يصدر من الاوامر انما هو لمصلحة المخلوقات في مصلحة المخلوقات فيما لا نقص فيها، وهو امر يحمل المشككين او ضعاف النفس الى القناعة تماماً بأن ما عدا ما هو صادر عن الله تعالى: انما هو قصور من المخلوقين، اي: ان اية مبادئ بشرية منعزلة عن الله تعالى: انما هي مبادئ لا تملك الكمال الفكري: كما هو واضح، بقدر ما ينحصر الكمال في مبادئ الله تعالى وهذا من الوضوح بمكان كبير.
ونتجه الى صفة اخرى هي ما ورد في المقطع (يا من له الملك والجلال)، هنا ينبغي ايضاً ان نربط بين هاتين الصفتين اللتين وردتا متزاوجتين غير منفصلتين، اي: مجانسة كل منهما للاخرى، فماذا نستخلص منهما؟
بالنسبة الى صفة (الملك)، فأن الذهن يتداعى سريعاً الى ان الله تعالى هو الملك او المالك لناصية الوجود بالنحو المطلق، ولا يحتاج الذهن الى جهد كبير في استخلاص ان الملك لله تعالى وحده لا شريك له في ذلك.
بيد ان ما يستدعي الكامل هو: ما هو السّر الكامن وراء الربط بين صفة (الملك) وصفة (الجلال)؟
عادة يتعرض المعنيون بشؤون الائمة (عليهم السلام) الى صفة (الجلالة) مقابلة لصفة (الجمالية)، اي: ان الصفات الجنالية التي سبق ان حدثناك عنها في لقاء سابق، تقابلها الصفات الجلالية التي تعني نفي الصفات السلبية عنه تعالى: كالشريك مثلاً،... وما يعنينا هو: ان اقتران (الملك) مع عدم (الشريك) للمالكية المذكورة: انما هو تأكيد لتفرده ووحدانيته تعالى: كما هو واضح.
اذن امكننا ان نتبين - ولو سريعاً - جانباً مما يمكن استخلاصه من فقرات الدعاء المذكور، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى طاعته، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******