موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا خير المحسنين، يا من له العزة والجمال..."
نحن الآن مع العبارة الاخيرة من المقطع الثالث من دعاء الجوشن الكبير، متمثلاً بعبارة (يا خير المحسنين)، فماذا يمكننا ان نستلهم من العبارة المذكورة؟
في تصورنا ان عبارة (يا خير المحسنين) لا يمكن ان نتبين مدى ابداً، ان القلم ليعجز كل العجز عن الاحاطة بما تعنيه هذه العبارة، ونحن نذكرك بالاية القرانية الكريمة القائلة: «هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ»؟، اي: ان الله تعالى يقول: كما ان العبد احسن في طاعته، فسنجازيه على احسانه المتقدم، ولكن ما هو احسان العبد بالقياس الى احسان الله تعالى؟
ألم نستخلص بوضوح بان عبارة الدعاء القائلة (يا خير المحسنين) لا تقاس البتة بأحسان العبد؟ اي: ان كلمة (خير) هي تجسيد لما لا نهاية له من الخير الصادر من الله تعالى حيال عبده، كيف ذلك؟
لقد وردت الاية الكريمة القائلة «هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ» في سورة الرحمن، في سياق الحديث عن الخائفين مقام ربهم، اي: ما نقلته الاية المباركة «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ».
ان الخائف مقام ربه هو: الذي اطاع الله تعالى ولكن الاطاعة المحدودة المتمثلة في سنوات معدودة يمارسها الطائعون هل تقاس بالخلود الذي هيأه تهالى للخائفين؟
هل يقاس الجزاء الذي رتبه الله تعالى لهؤلاء مع طاعتهم المحدودة تبعاً للمقولة المعروفة بأن الله تعالى لا يُعبد حق عبادته؟ ان من يقرأ الجزء الذي رسمته سورة الرحمن لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وهو الجنتان، ذَوَاتَا أَفْنَانٍ، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ، مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ...، فضلاً عن رضوانه تعالى، نقول هل يقاس هذا النعيم الخالد مع طاعة الخائفين مقام ربهم؟
بطبيعة الحال: كلا ّ ولذلك جاء في عبارة الدعاء (يا خير المحسنين)، حيث لا احسان يماثل احسان الله تعالى.
بعد ذلك نتجه الى المقطع الرابع من الدعاء وهو القائل (يا من له العزّة الجمال، يا من له القدرة والكمال، يا من له الملك والجلال، يا من هو الكبير المتعال، يا منشأ السحاب الثقال، يا من هو شديد المحال، يا من هو سريع الحساب، يا من هو شديد العقاب، يا من عنده حسن الثواب، يا من عنده ام الكتاب).
هنا قبل ان نحدثك عن السمات او الاسماء او الصفات العشر المذكورة في المقطع المتقدم، نود ان نؤكد حقيقة في غاية الاهمية هي: ان دعاء الجوشن وسائر الادعية التي تتضمن مقاطع متنوعة، ويتضمن كل مقطع ظواهر متنوعة: لا بد وان يكون لهذا التنوع من عنصر مشارك او متجانس فيما بين ظواهره.
وبكلمة اكثر وضوحاً: لا بد وان تكون عبارة (يا من له العزة والجمال) مثلاً لها علاقة تجانس مع العبارة الاخيرة من المقطع (يا من عنده ام الكتاب) ومع سائر العبارات في المقطع وهذا هو احد نكات النصوص الشرعية في صياغة الظواهر المتنوعة من خلال (وحدة) الافكار او الاهداف.
وخارجاً عن ذلك: يحسن بنا متابعة هذه السمات ونبدأ ذلك بعبارة (يا من له العزة والجمال).
ان كلاًمن (العزة والجمال) يتصلان بدلالة مشتركة من جانب، ومستقلة من جانب آخر، اما المشترك فهو: ان (العزة) هي التعاظم او التغالب او المَنعة التي لا تعجزها الاشياء، حيث يختص تعالى بها، واما الجمال فهو: الصفات الذاتية لله تعالى مثل: العلم والارادة والقدرة، وهذا يعني: انه تعالى له المنعة المطلقة متجانسة مع صفات التوحد الذاتي: كالسمات المتقدمة من العلم والارادة والقدرة، حيث ان مطلق القدرة متجانسة مع مطلق المنعة وهي: العزة المتفرد بها تعالى.
والمهم الآن هو: ملاحظة هاتين السمتين من حيث استقلالية كل منهما بعد ملاحظة اشتراكهما، وهذا ما يتمثل في كونه (العزة)هي: عظمة الذات، بينما الجمال هو: السمات المتنوعة لعظمته تعالى وسنرى عند متابعتنا للعبارات او السمات التي انتظمها مقطع الدعاء الرابع مثل: (يا من له القدرة والكمال) و (يا من له الملك والجلال)، بالاضافة الى ظواهر متميزة عن سابقتها مثل (يا من عنده حسن الثواب) مثلاً وسواها: تظل ظواهر متجانسة ومتميزة عن بعضها (كما سنوضح ذلك في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى).
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى العزة النسبية لعظمته تعالى، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******