موضوع البرنامج:
فاطمة ووداع المصطفى (صلى الله عليه وآله)
السلام عليكم إخوة الإيمان والولاء والوفاء.
معكم أيها الأحباء ومع مشهد آخر من سيرة سيدة نساء العالمين.
نستلهم منه دروس الوفاء الحق لسنة الحبيب المصطفى والولاء الصادق لوصيه المرتضى عليهما وآلهما أفضل الصلاة والسلام.
وكما هو دأبنا فيما تقدم من حلقات هذا المسلسل فإننا نستقي المعلومات الأصلية للوقائع المذكورة فيه مما ثبت في مصادر مختلف الفرق الإسلامية من تاريخ الصديقة الكبرى وصدر الإسلام.
نعود بكم إلى السنة العاشرة من الهجرة المباركة وأجواء المدينة المنورة أيام رحيل سيد المرسلين _صلوات الله عليه وآله الطاهرين_.
سلمان: السلام عليك يا أم المؤمنين.. ما وقوفك على باب الحجرة.
أم سلمة:وعليك السلام يا سلمان.. عذراً يا أبا عبد الله، لقد أمرني رسول الله أن أقف هنا ولا أسمح لأحد بالدخول عليه.
سلمان: ولم يا أم سلمة؟
أم سلمة:لقد طلب أن أدخل عليه إبنته فاطمة ووصيه علياً وولدهما، يختلي بهم ويوصيهم بوصاياه.
سلمان: لهفي على رسول الله يبدو أن المرض قد ثقل عليه كثيراً، لعن الله من سمه وآذاه.
أم سلمة:إن ما يؤذيه أكثر يا سلمان ما علمه من الوحي من أن أهل الجفاء سيتمادون في إيذاء بضعته فاطمة وأهل بيته من بعده.
سلمان: أعان الله فاطمة على ما ستلقاه من ظلم أهل الجفاء وأعانها الله على ما ستجده من فراق أبيها.
أم سلمة:والله لقد شهدته يقول لفاطمة وقد أفاق والمرض يشتد به ورآها تبكي لما حل به.
يا بنية، أنت المظلومة والمستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني ومن سرك فقد سرني... إلى الله أشكو ظالميك من أمتي.
سلمان: قد شهدت يا أم سلمة مثل ذلك، والله لقد رأيت رسول الله يبكي حتى بلت دموعه لحيته، فسألته: يا رسول الله ما يبكيك؟
أجاب _ صلى الله عليه وآله _: أبكي لذريتي وما تضع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه فلا يعينها أحد من أمتي.
أم سلمة:والله كنت حاضرة عند رسول الله عندما قال ذلك وقد رأيت فاطمة تبكي لما سمعته منه، فقال لها لا تبكي يا بنيتي، فقالت:
لست أبكي يا أبة لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك يا رسول الله.
سلمان: ما أشد حبها لرسول الله، وما أشد حب رسول الله لها.
أم سلمة:نعم، قد علم رسول الله ذلك فبشرها وقال:
البشرى يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي، البشرى يا فاطمة، فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك.
المقداد: يا أبا عبد الله.. يا سلمان.. السلام عليك يا سلمان.
سلمان: وعليك السلام أيها المقداد.
المقداد: كأنك راجع من بيت رسول الله، أخبرني كيف وجدته.
سلمان: بما أخبرك يا مقداد؟! لقد تركته يودع بضعته فاطمة ويوصيها.
المقداد: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لقد أنبأني قلبي بذلك فكذبته بعد الذي رأيته من علائم انتهاز الفرصة في وجوه أهل النفاق وأهل الأحقاد البدرية والحنينية.
سلمان: وما الذي رأيته يا مقداد، وما الذي تعنيه؟
المقداد: والله قد رأيت في وجوههم غدرة بآل الرسول يستعدون لها... ما كذبني فؤادي وأنا أرى علامات الجفاء لرسول الله والإنقلاب على الأعقاب.
سلمان: صدقت يا مقداد، لقد رأيت في وجوه بعض من جاء إلى حجرة رسول الله يستطيع خبر حاله، إنها علائم ما تقول، فلما علموا بقرب رحيله سارعوا إلى العمل لإظهار أمر كأنهم تواطئوا عليه من قبل.
المقداد: والله يا سلمان، لقد رأيت علامات وآيات للمتوسمين في وجوه الذين ذكرتهم منذ يوم الغدير وهم يبايعون علياً.
سلمان: هذا من توسم إيمانك يا مقداد، ولكن خشيتي أن يتجرأوا على فاطمة حبيبة رسول الله، فقد سمعته آنفاً يقول:
ملعون، ملعون، من يظلم بعدي ابنتي فاطمة ويغصبها حقاً ويقتلها، يا فاطمة إنه ليس ثمة إمرأة من نساء العالمين أعظم رزية منك.
ورحل رسول الله _صلى الله عليه وآله_ ملتحقاً بالرفيق الأعلى، فانصبت الرزايا الثقال من أهل الجفاء على بضعته الزهراء وأهل بيته.
فبدأت الصديقة الكبرى دفاعها عن الوصي المرتضى، داعية الأمة إلى الوفاء لسنة المصطفى منقذها من ظلمات الجاهلية الجهلاء، محذرة من إتباع أهل الجفاء، فوقفت على بابها ونادت:
ما رأيت قط قوماً كهؤلاء حضروا أسوء محضراً، تركوا نبيهم _صلى الله عليه وآله_ جنازة بين أيدينا واستبدوا بالأمر دوننا، ونحن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة.
بقيت الزهراء المرضية تدعو الأمة إلى التمسك بالعروة الوثقى التي أوصاها بها رسول الله للنجاة من الضلالة وعودة ظلمات الجهالة، لا يثنيها عن ذلك ما كانت تلقاه من ظلم العتاة وأهل الجفاء.
أم سلمة:ما هذا الذي تحملينه من بيت فاطمة يا أم أيمن؟
أم أيمن:إنه طعام، هو كل ما بقي في بيت مولاتي فاطمة، آثرت به بعض فقراء المدينة ممن كانت تصلهم من عائدات فدك والعوالي.. لقد أمرتني أن أسرع بحمله إليهم.
أم سلمة:رحماك يا ربي، أي جفاء لرسول الله أشد من هذا، كأنهم كانوا ينتظرون وفاته لكي يسلبوا بضعته نحلتها فدك.
أم أيمن:بل وأي جفاء لله عزوجل يا أم سلمة، أليس الله هو الذي أمر رسوله بأن يعطي فدكاً لفاطمة ميراثاً لها من أمها خديجة التي أنفقت كل أموالها وهي أعظم من فدك بكثير، إعانة للمسلمين وحفظاً لإسلامهم؟
أم سلمة:إي والله، هو محض الجفاء لله ولرسوله وللفقراء الذين كانت تغنيهم إبنة رسول الله من ريع فدك.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
أم أيمن:ما أجرأهم على الله وقد ردوا شهادة بضعة رسول الله وشهادة وصيه وإبنيه عندما طالبوهم برد فدك بعد أن غصبوها.
أم سلمة:يا ويلهم، ألمثل فاطمة يقولون ما قالوا وهي الحوراء بين الإنس، تداولتها أيدي الملائكة وتمت بأبيها الرسالات، والله لقد كان رسول الله يشفق عليها من الحر والقر فيوسدها يمينه ويدثرها شماله رويداً فرسول الله بمرأى مما يفعلون وعليه وعلى الله يردون فواهاً لهم وسوف يعلمون.
المقداد: أرأيت يا سلمان؟! يا سوءة لأهل قلة الوفاء وأتباع أهل الجفاء لرسول الله، هذه هي المرة الثالثة التي واعدوا فاطمة وعلياً بالنصرة، فلم يحضر منهم أحد.
سلمان: وما يقدر أن يفعل علي وليس له ناصر غيرنا نحن الأربعة يا مقداد، أنت وأخي أبوذر والزبير.
المقداد: قد أرانا الدهر والله عجباً، كيف لا يستجيب الأنصار لنصرة الحق وابنة رسول الله وعلى ما بها من وجد فراقه تطوف على بيوتهم تسألهم النصرة.
سلمان: لقد فعلت ذلك ليالي عدة ولم تسمع منهم سوى مقولة:
رجل: يا بنت رسول الله، لقد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا ما عدلنا به.
المقداد: ما أسفه هذا الرأي، وما أجفاه لرسول الله.
سلمان: لقد كان علي يجيبهم قائلاً:
أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟
المقداد: والله إن علياً أنزه الناس عن أن يستجيب لما استجاب له اولئك من دعوات الدنيا لجفاء رسول الله والتنازع على السلطان.
سلمان: صدقت، وهذا ما كانت تجيبهم به فاطمة وهي تقول:
ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه وطالبهم.