موضوع البرنامج:
خير ما اختاره الصديقون
السلام عليكم أيها الأحباء ورحمة الله.
أهلا بكم في لقاء آخر مع سيرة صفية الله وأسوة أوليائه.
ولنا في مطلعه عودة إلى أجواء بيت فاطمة في غرة شهر شعبان من السنة الرابعة للهجرة المباركة.
أسماء:هو ذا ابنك يا رسول الله خذه.. لقد لففته بخرقة بيضاء هذه المرة، فمذ نهيتني في ولادة أخيه الحسن عن لف الوليد بخرقة صفراء وأمرتني بالبيضاء لم أزل ألف من حضرت ولادته من أولاد المسلمين بخرقة بيضاء، خذ ابنك يا حبيب الله.
فأخذ – صلى الله عليه وآله- وليد فاطمة الثاني وحضنه وأذن في أذنه اليمنى وتلا الإقامة في أذنه اليسرى كما فعل مع الحسن.. لكنه وضعه هذه المرة في حجره وبكى.
أسماء:بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد أبكاني بكاؤك وأنا لا أعلم سره لماذا تستقبل ابنك هذا بالبكاء يا حبيب الله، إنه ولد الساعة.
أجاب – صلى الله عليه وآله-: يا أسماء، لقد أخبرني جبرئيل أن ابني هذا تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي.
أسماء:كيف أبقى عند فاطمة بعد الذي سمعت من رسول الله؟ إنها سترى الحزن في وجهي وستسألني، فبماذا أجيبها وكيف أنقل لها قول رسول الله عن ولدها وهي قريبة عهد بولادته، لا، لا، لن أطيق إخبارها.. سأخرج عنها قليلاً حتى يهدأ روعي.
أم أيمن: ها يا أسماء، ما أسرع خروجك من بيت فاطمة هذه المرة.. أرى الدموع تملأ عينيك.. لا أبكاك الله، هل أصاب حبيبتي فاطمة سوء.
أسماء:لا، لا، لا أم أيمن، هي ولله الحمد بخير، ولكني خرجت عنها عندما أبكاني قول رسول الله بأن ابنه هذا ستقتله الفئة الباغية بعده فخشيت أن تسألني فاطمة عن سبب بكائي ولا أطيق جوابها.
أم أيمن: إذاً قد أخبرك رسول الله بما سيجري على ابنه هذا.
أسماء:أو كنت على علم بالأمر يا أم أيمن؟
أم أيمن: نعم يا أسماء، إرجعي إلى فاطمة فهي أيضاً تعلم بذلك، لقد أخبرها رسول الله عن مصير ولدها هذا منذ بدء حملها به، فقد هبط عليه جبرئيل يومها عليه بهذا النبأ.
أسماء:أعان الله بنت رسول الله على ذلك، كيف رضيت بذلك وكيف تحملت فترة الحمل وهي تعلم مصير وليدها هذا؟
أم أيمن: قد كرهت ذلك أولاً، ولكن لما أخبرها رسول الله أن في مصرع ولدها هذا حفظ دين الله ونجاة لعباده من الضلالة وحيرة الجهالة وحياة لقلوب شيعته تقيهم من إتباع الأئمة المضلين، رضيت بذلك رحمة بالعباد، إرجعي إليها فلن يؤذيها بكاؤك هذا على ولدها.
وهبط جبرئيل الأمين – عليه السلام- على رسول الله وهو يحمل إليه الإسم الذي اختاره الله العلي الأعلى لثاني ولد فاطمة مثلما نزل بتسمية الولد الأول.
قال جبرئيل:يا محمد، العلي الأعلى يقرؤك السلام وقد أمرني أن أهبط لكي أهنئك بولادة ابنك هذا وهو جل جلاله يقول لك: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون الثاني شبير، سمه بلسان عربي، الحسين.
سلمان: إذن هؤلاء هم السبي الذين جيء بهم لرسول الله من سبي البحرين.
رجل: يا رسول الله هبني أحداً من هذا السبي يعينني، إن أعمالي كثيرة وليس عندي خادم يساعدني عليها.
سلمان: إن رسول الله معطاء لا يسأله أحد شيئاً إلا أعطاه، أخشى أن ينفد هذا السبي ولا يبقى لبنت رسول الله منه خادمة تعينها..لقد ازدادت عليها مشقة اعمال البيت بعد ولادة الحسين.. لأسرعن إلى فاطمة وأطلب منها أن تأتي أباها سريعاً وتطلب منه خادماً تعينها.. لقد وعدها من قبل بذلك إذا جاءه سبي.
وكان علي قد طلب من فاطمة شفقة عليها من كثرة عملها وقال لها: يا فاطمة، إذهبي إلى رسول الله فسليه أن يعطيك خادماً يقيك الرحى وحر التنور.
فأتته وسألته طاعة لعلي فوعدها وقال: إذا جاء سبي فأتبنا.
وها قد جاء السبي وجاء سلمان مسرعاً وأخبرها أن تسرع إلى رسول الله.
لكنها لم تأته إلا بعد أن لم يبق من السبي أحد إذ وزعه رسول الله على من طلب من المسلمين.
وكأنها تعمدت ذلك طلباً لما هو خير من الخادم، فلما جاءته قال – صلى الله عليه وآله-: يا فاطمة، جائنا سبي فطلبه الناس ولم يبق لك شيء، ولكن أعلمك ما هو خير لك من خادم، إذا أويت إلى فراشك فقولي:
"اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن وفالق الحب والنوى، إني أعوذ بك من شر كل شيء وأنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، إقض عنا الدين وأغننا من الفقر".
فانصرفت صلوات الله عليها مسرورة مستبشرة راضية بهذه التحفة النبوية عن الخادم.
فلما رآها علي والبشر يعلو وجهها علم أنها رجعت إليه بخير من الخادم، وأخبرته وعلمته هذا الدعاء، فما تركه يوماً حتى في أشد أيام حرب صفين.
سلمان: عجبت والله من فعل فاطمة يا أم أيمن، كأننا نريد شيئاً وهي وربها يريدان غيره.
أم أيمن: عما تتحدث يا سلمان؟
سلمان: لقد سعيت بكل جهدي أن تحصل بنت رسول الله على خادم يعينها من السبي، فتأخرت حتى نفد السبي.
أم أيمن: هي والله أرادت ذلك يا سلمان، فهي تطلب الآخرة، أخبرك يا سلمان، أنها جاءت رسول الله يوماً وقد أصابت علياً خصاصة، فلم يكن في بيته طعام لا قليل ولا كثير.
قالت: يا رسول الله، هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد، فما طعامنا.
أم أيمن: وكانت قد أهديت لرسول الله أعنز عدة فقال لها: يا فاطمة، لقد أتتنا أعنز، فإن شئت أمرنا لك بخمس وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبرئيل.
قالت: بل علمني الخمس كلمات يا رسول الله.
قال: قولي، وليقل علي، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين ويا ذا العروة المتين ويا راحم المساكين ويا أرحم الراحمين صلّ على محمد وآله الطاهرين.
فرجعت بهن لعلي وقالت: أتيتك بطعام الآخرة.
فقال: هو ذا خير ما جئت به يا فاطمة في خير أيامك يا فاطمة.