موضوع البرنامج:
هي أكرم من وفى
السلام عليكم أحبتنا أهل الوفاء والمودة لرسول الله آله الأطهار.
تحية طيبة نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم بقيم الحياة الكريمة التي تسطع بها سيرة سيدة نساء العالمين الصديقة الزهراء.
كونوا معنا مشكورين.
فاطمة بنت أسد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
أم أيمن: يا ويحي، مولاتي فاطمة بنت أسد تجمل قربة الماء.. فديتك يا مولاتي ألا أكرمتني بأن ناديتني لأكفيك حمل القربة.
فاطمة بنت أسد: جزاك الله عن آل محمد خيراً يا أم أيمن، أنا أولى بحمل الماء لبنت رسول الله، لعلي أجازيها عن قليل من عظيم فضلها علي.
أم أيمن: كأنك علمت بخروج علي إلى حمراء الأسد مع رسول الله لكسر خيلاء قريش بعد أحد، فجئت بالماء لفاطمة نيابة عنه.
فاطمة بنت أسد: أجل، كان علي قد أوصاني بذلك إذا ذهب لسفر وقال لي:
يا أماه، اكفي فاطمة بنت رسول الله ما كان خارجاً من السقي وغيره وتفكيك فاطمة ما كان داخلاً من العجن والطحن وغير ذلك.
أم أيمن: إجلسي واستريحي قليلاً يا مولاتي ونستأنف معاً بعدها المسير إلى بيت فاطمة.. إجلسي قليلاً فقد تعبت.
فاطمة بنت أسد: الحمد لله، هو تعب تلتذ به الروح يا أم أيمن مادام من أجل فاطمة.
أم أيمن: ولكن كبر سنك يجعل مثل هذا العمل شاقاً عليك ولشد ما يسرني أن تسمحي لي بالقيام به نيابة عنك.
فاطمة بنت أسد: لا بأس عليك ولا علي يا أم أيمن، إن مشقة هذا العمل هينة جداً قبال ما رأيته من فاطمة وهي تخدمني طوال طريق الهجرة إلى يثرب رغم مشقة الطريق وصغر سنها، ألا تتذكرين جميلها علي في تلك الرحلة يا أم أيمن؟
أم أيمن: بلى، بلى، أتذكر يا مولاتي، وقد أشفقت عليها مما كانت تتعب به نفسها وعرضت عليها أن أنوب عنها في خدمتك فأبت إلا أن تباشر خدمتك بنفسها مثلما تأبين أنت الآن أن أكفيك مشقة حمل الماء لها.
فاطمة بنت أسد: شتان بين خدمتي لها وأنا عجوز لا أقدر على شيء وبين خدمتها لي.. والله إني لأجدها أرأف بي من رأفتها بولدها الحسن.. آه، لقد أخذتنا شجون الكلام.. قومي بنا يا أم أيمن فقد زاد حديثك شوقي لحبيبتي فاطمة.
فاطمة بنت أسد: ما أبهى هذه الحلة يا ولدي يا علي.. إن لحمتها مخلوطة بحرير خالص، من أين لك هذه الحلة يا ولدي.. ما أجمل أن تصنع منها قميصاً لفاطمة.
قال –عليه السلام-: هي حلة أهديت إلى رسول الله فأعطاها لي وأبى أن يلبسها فقلت ما أصنع بها يا رسول الله؟ هل ألبسها، فقال لي: ما كنت لأرضى لك يا علي ما أكره لنفسي، إجعلها خمراً للفواطم.. فجئت بها لأصنع منها أربعة أخمرة، خماراً لك يا أماه وخماراً لفاطمة بنت رسول الله وخماراً لفاطمة بنت عمي حمزة وخماراً لفاطمة بنت الزبير.
فاطمة بنت أسد: لو لا أمر رسول الله لصنعت منها قميصاً لحبيبتي بنت ولدي محمد ولكن ما دمت عزمت على ما عزمت عليه فخماري هدية إلى فاطمة.
ومرضت مولاتنا فاطمة بنت أسد –عليهما السلام- مرض الموت وكانت مولاتنا الزهراء سلام الله عليها تخدمها قبل مرضها وبعده.
فاطمة بنت أسد: آه.. آه.. اللهم أعني على ما بي، اللهم أعني على ما بي.. اللهم أعني على ما أنا مقبلة عليه.. يا الله يا الله.
أم أيمن: أعانك الله يا مولاتي يا حاضنة رسول الله.. ما لي أرى آثار الجزع عليك يا زوج أبي طالب؟
فاطمة بنت أسد: ما هو بجزع من الموت يا بركة ولكن.. ولكن.
أم أيمن: ولكن ماذا يا مولاتي وأنت حادية عشرة إمرأة أسلمت، وأنت من اللواتي حضرن بدراً بعد الوقعة، فأنت البدرية التي رضي الله عنها، وقد نلت شرف كونك أول إمرأة بايعت رسول الله لما دعا النساء إلى البيعة يوم نزل قول الله "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك.." أبشري يا حاضنة رسول الله.
فاطمة بنت أسد: دعيني من هذا يا بركة، ذلك من فضل الله علينا، إنما أنا جزعة لأمرين يشق علي تحملهما.
أم أيمن: وما هما يا مولاتي؟
فاطمة بنت أسد: والله إني ليشق علي أن يفرق الموت بيني وبين الأحبة، رسول الله وفاطمة وعلي وولدهما.. فأطلب من الله أن ينسيء في أجلي.. ولكني لما أرى ما فيه حبيبتي فاطمة من المشقة وهي تخدمني في مرضي أتمنى أن يعجل الله في موتي لكي أريحها من هذا التعب.
أم أيمن: هوني عليك الأمر يا مولاتي، أما علمت بشدة حب فاطمة لك.. إنها تخدمك حباً لك وتخدمك براً بزوجها ولدك، وتخدمك حباً ووفاءً لرسول الله.
فاطمة بنت أسد: جزاها الله عني خير الجزاء من سيدة رؤوفة وزوجة ولد بارة وابنة وفية، جزاها الله خير الجزاء.
أم أيمن: أبشرك يا مولاتي أن ما قلته لك قد سمعته منها يوم سألتها عن جميل خدمتها لك فأخبرتني بحبها لك.
فاطمة بنت أسد: والله لقد رأيتها تقدمني في الخدمة على ولدها.
أم أيمن: قد سألتها عن ذلك أيضاً فأفصحت عن أنها تقدمك في الخدمة على ولدها لأنك كنت تقدمين رسول الله على ولدك في خدمتك له يوم كان في بيت أبي طالب.
فاطمة بنت أسد: هي والله أكرم من وفى.. يا حبيبتي يا فاطمة.
وتوفيت فاطمة بنت أسد على عهد الوفاء لرسول الله وبضعته الزهراء، فشق الفراق على فاطمة وأبيها وبعلها صلوات الله عليهم أجمعين.
جاء علي –عليه السلام- إلى رسول الله وهو يبكي فقال –صلى الله عليه وآله-: ما يبكيك يا علي؟ فقال: ماتت أمي.
فبكى رسول الله وقال: بل وأمي والله، اليوم ماتت أمي.
رجل:ما هذا البكاء والجزع يا رسول الله، لقد اشتد جزعك على فاطمة بنت أسد.
فقال –صلى الله عليه وآله-: إنها كانت أمي، إن كانت لتجيع صبيانها وتشبعني، وتشعثهم وتدهنني، إنها كانت أمي ومن أحسن خلق الله صنعاً بي بعد أبي طالب عمي.
ثم أمر –صلى الله عليه وآله- النساء بغسلها، فلما فرغن نزع قميصه الذي يلي جسده الشريف وأمر بتكفينها فيه، ثم حمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها مقبرتها فوضعها ودخل القبر فاضطجع فيه ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر.
ثم أخذ يدعو لها وانكب عليها يناجيها ويلقنها، وأطال في ذلك فقال بعض أصحابه.
رجل: يا رسول الله، ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة في تكفينك إياها بقميصك ودخولك في قبرها وطول صلاتك عليها ودعائك ومناجاتك لها، لم تفعل مثل ذلك مع أحد قبلها.
أجاب –صلى الله عليه وآله-: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها، فأما تكفيني إياها، فإني لما قلت لها يعرض الناس عراة يوم يحشرون من قبورهم صاحت واسؤتاه فألبستها ثيابي وسألت الله في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتى تدخل الجنة فأجابني إلى ذلك، وأما دخولي في قبرها فإني قلت لها يوماً: إن الميت إذا أدخل وانصرف الناس عنه دخل عليه ملكان منكر ونكير فيسألانه، فقالت وا غوثاه بالله، فما زلت أسأل ربي في قبرها حتى فتح لها روضة من قبرها الى الجنة، فقبرها روضة من رياض الجنة.