موضوع البرنامج:
المواسية في الله
السلام عليكم أحبائنا محبي بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله.
وعلى بركة الله نلتقيكم أعزائنا في مشهد آخر من السيرة الفاطمية.
نستلهم فيه منها قيم الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.
تابعونا مشكورين ونحن ننقل لكم مشهد هذا اللقاء.
أم أيمن: ولدي أسامة.. ولدي أسامة.. إجلب لي صاعاً من الشعير أطحنه لغداءكم.. أسرع يا ولدي.
أسامة: سمعاً يا أماه.. دعيني أسترح قليلاً سأجلب لك الشعير بعد قليل من الإستراحة فإنني متعب.
أم أيمن: وما الذي أتعبك يا ولدي؟ ظننتك خرجت تلعب مع الفتية.
أسامة: لا يا أماه، لم أخرج للعب يا أماه، إنما ذهبت لأعين والدي على جمع الحطب.. ها قد جئتك بقسط وافر منه.
أم أيمن: أعانك الله يا ولدي وشكراً لك.. إسترح، إسترح يا ولدي، سأجلب الشعير بنفسي.. أرى العرق يتصبب منك، إسترح.
زيد: لم لا تشاركينا في هذا الطعام يا أم أيمن؟ هلمي وتناولي غداءك معنا هلمي يا امرأة.
أم أيمن: كلا أنتما هنيئاً مريئاً يا أبا أسامة، فلا رغبة لي في الطعام الآن.
زيد: أبعد الله عنك الهم يا أم أيمن، أراك مهمومة، ما الخبر؟
أم أيمن: لا شيء يا زيد، كلا أنتما.. سأتناول طعامي عندما أجوع.
أسامة: لا أدري ما أصاب أمي يا أبتاه، لقد رأيت الدموع في عينيها وهي منهمكة في إعداد الطعام.
زيد: والله لن أتناول طعامي حتى تخبريني ما بك يا أم أيمن.. قولي يا امرأة ما بك، لقد أقلقتني.
أم أيمن: [تبكي]
زيد: ما يبكيك يا أم أيمن؟ لماذا لا تفصحين عما في قلبك؟
أم أيمن: أبكي لحال حبيبتي فاطمة، فقد أضر بها العمل الكثير في البيت، لهفي لها تقوم بالطحن والعجن والطبخ والخبز على صغر سنها.
زيد: وما الحيلة يا أم أيمن، لقد أبى على وفاطمة، أسوة برسول الله، إلّا أن يعيشا عيشة أضعف المسلمين.
أم أيمن: لقد أوجع قلبي ما رأيته على ولدي أسامة من التعب بعد عودته بالحطب، فكيف لا يتوجع قلبي لفاطمة وهي في عمره وتتحمل كل يوم أضعاف ما تحمله من الحطب دون أن تشتكي أو تطلب الدعة والراحة.
زيد: قد علمت أن علياً يعينها في أعمال البيت ما استطاع لذلك سبيلاً.
أم أيمن: صحيح ما تقول، ولكن ذلك لا يكفي، إنها صغيرة لا تطيق مثل هذه الأعمال، وعلي أيضاً يتعب كثيراً في العمل خارج البيت.
أسامة: إن أكثر أترابي من فتيان المهاجرين والأنصار في بيوتهم خدم وجوار يعيننهم على هذه الأعمال.
أم أيمن: لماذا لا تكون لبنت رسول الله خادمة تعينها على هذه المشاق، لأذهبن إلى علي كي يطلب من فاطمة أن تطلب من رسول الله خادمة تعينها.
زيد: ولماذا تطلبين من علي ذلك؟ إذهبي إلى فاطمة واطلبي ذلك منها.
أم أيمن: قد فعلت ذلك من قبل فأبت وقالت في المسلمين كثير ليس لهم خدم، وفضلت تحمل التعب، ولكن إذا طلبت من علي وطلب هو منها ذلك فستجيبه، فقد عهدتها لا تعصي له أمراً.
أم أيمن: ولدي علي، إن فاطمة أحب أهل رسول الله وقد طحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، وقد أصابها من ذلك ضرر شديد، إني أعلم يا ولدي أنها لا ترضى أن تطلب من أبيها خادماً إلا أن تأمرها أنت، فاطلب منها ذلك وادفع عنها هذا الضرر الشديد وعني وعنك أذى رؤية ما يصيبها من هذا الضرر.
استجاب أميرالمؤمنين لطلب أم أيمن شفقة بها وبجليلته الزهراء فقال لها:
يا فاطمة، يا بنت رسول الله، قد مددت يدي في سقي الماء حتى تقرح صدري، وأنت والله قد طحنت حتى تقرحت يداك، فاذهبي إلى رسول الله فسليه خادماً من السبي الذي أتي به من الخمس يكفيك حر الضر الذي أنت فيه من هذا العمل.
فاستجابت الصديقة الزهراء طاعة لبعلها المرتضى، فذهبت إلى أبيها –صلى الله عليه وآله- فوجدت عنده جماعة يتحدثون فاستحت ولم تكلمه وانصرفت عائدة إلى بيتها.
زيد: كأن علياً قد استجاب لطلبك يا أم أيمن وطلب من فاطمة أن تسأل من رسول الله خادماً يعينها.
أم أيمن: بشرك الله بالخير يا أبا أسامة، من أين علمت بذلك؟
زيد: لقد كنت جالساً عند رسول الله في جماعة نتحدث فجاءت فاطمة إليه.
أم أيمن: وهل أرسل إليها رسول الله خادمة تعينها؟
زيد: كلا يا أم أيمن، فهي لم تخبره بحاجتها، لكن رسول الله علم أنها قد جاءته في حاجة.
أم أيمن: فديتها ما أشد حيائها بل وما أجمله، ولكن متى ستذكر له حاجتها.. ينبغي أن أعاود الطلب ثانية من علي.
زيد: لا بأس عليك، ما دام رسول الله قد علم أنها قد جاءته في حاجة فلا ريب أنه سيذهب إليها لكي تخبره بها.
أم أيمن: صدقت فهذا من خلقي حبيبي رسول الله.
أجل، ذهب رسول الله بكرة إلى بيت فاطمة وعلي وسلم ثلاثاً وكانت سنته أن يسلم على أهل البيت ثلاثاً مستأذناً فإن أذنوا له دخل وإلا انصرف.
قال علي – عليه السلام -: غدا علينا رسول الله ونحن في فراشنا فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم سلم ثانية وفي الثالثة خشينا إن لم نرد أن ينصرف فقلت: وعليك السلام يا رسول الله، أدخل.
فدخل –صلى الله عليه وآله- وجلس عند رأسيهما وقال:
يا فاطمة، ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟
فلم تجب عليها السلام ولم تخرج رأسها من تحت غطائها حياء من رسول الله.
قال علي –عليه السلام-: فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، فأخرجت رأسي وقلت: أنا والله أخبرك يا رسول الله، إن فاطمة استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها وجرت بالرحى حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، قلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حر الضر مما أنت فيه من هذا العمل.
ولما سمع رسول الله مقالة علي قال: ألا أعلمكما، ألا أدلكما على ما هو خير لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين.
فاستبشرت فاطمة –عليها السلام- بما سمعت وأخرجت رأسها من تحت الكساء وقالت في بهجة وسرور: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله.
وكان هذا هو التسبيح الذي عرف باسم تسبيحات الزهراء وقد صار ببركتها من أعظم الأذكار وأعظمها أجراً لشيعتها ومحبيها صلوات الله عليها.