موضوع البرنامج:
الوليمة المباركة
السلام عليكم أيها الأعزاء ورحمة الله.
تحية طيبة وأهلا بكم في لقاء آخر مع ما روته كتب التأريخ المعتبرة من مشاهد حياة سيدة نساء العالمين، ومشهد هذا اللقاء يصور لنا ولكم إحدى السنن المباركة التي سنها الله لأمة المصطفى في أمر الزواج وأظهرها في زفاف الزهراء البتول –عليها السلام-.
سلمان الفارسي: السلام عليك يا مؤذن رسول الله.. الى أين بهذه السرعة يا بلال.. خيراً إن شاء الله.
بلال: وعليك السلام يا سلمان.. إني ذاهب أبتغي شاة لرسول الله.
سلمان: وهل حل عليه ضيوف يريد أن يطعمهم منها؟
بلال: لا ياسلمان، إنما يريدها لوليمة عرس فاطمة، فقد دعاني آنفا وأمرني بذلك.
قال –صلى الله عليه وآله-:" يا بلال، إني قد زوجت فاطمة ابنتي من ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سنن أمتي الطعام عند النكاح، إذهب يا بلال الى الغنم خذ شاة وخمسة أمداد شعيرا واجعل لي قصعة فلعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار".
سلمان: ها يا بلال، قد جئت بالشاة والشعير، لا أدري كيف سيطعم بها المهاجرين والأنصار وهم ألوف؟!
بلال: وأنا مثلك يا سلمان على عجب من ذلك، لكنه أمر رسول الله وهو أعرف بأسرار ربه.
سلمان: إذن قد تكفل رسول الله بوليمة ابنته فاطمة.
بلال: وقد علم قلة ما في يد علي من مال، فأعانه عليها.
سلمان: وهل يشترك علي في الوليمة؟
بلال: نعم يا سلمان، لقد دعا رسول الله عليا وأمره بالوليمة.
قال رسول الله –صلى الله عليه وآله-: "يا علي؛ إصنع لأهلك طعاما فاضلا.. من عندنا اللحم والخبز وعليك التمر والسمن".
سلمان(مع نفسه): أي سيف يحمله هذا اليهودي؟ إني أعرفه.. إنه والله سيف علي ابن أبي طالب.. نعم إنه هو، هو بعينه، ماذا يفعل عند هذا اليهودي؟! (يرفع صوته) مهلا يارجل.. مهلا.
اليهودي: من هذا؟ سلمان؟... ماذا تريد يا سلمان؟
سلمان: أو ليس هذا السيف الذي تحمله سيف علي ابن ابي طالب؟
اليهودي: بلى إنه هو.. إنه سيف صهر نبيكم يا سلمان.
سلمان: وماذا يفعل عندك يا أخا اليهود، هل اشتريته منه؟
اليهودي: لقد عرضت عليه أن يبيعني هذا السيف وقال إنه يحتاجه للجهاد.. عندما جائني به حسبته أنه يريد بيعه، فقد سمعت أنه باع درعه من قبل لكي يقدم لنبيكم مهر ابنته فاطمة.
سلمان: إذاً لماذا جاءك بالسيف وكيف أخذته منه؟
اليهودي: لقد وضعه عندي رهينة لدراهم اقترضها مني.. يبدو أنه بحاجة إليها لعسره.
سلمان: وهو كذلك.. إنه يريد أن يشتري بها تمراً وسمناً لوليمة عرس فاطمة بنت رسول الله.
اليهودي: عجيبة أفعالكم ورب موسى يا أتباع محمد، يقترض أحدكم لصنع وليمة لعرسه؟!
سلمان: إنها سنة يسنها رسول الله لإطعام الناس في فرحة العرس لتشمل بركته الآخرين، أما علمت أن الإطعام من سنن المرسلين يا أخا اليهود.
اليهودي: ولكن ما اقترضه علي مني دراهم قليلة لا تفي إلا بشراء طعام لعشرة أو عشرين نفراً.
سلمان: سترى يا أخا اليهود كيف سيجعل الله فيها البركة.
اليهودي: أو ستكون فيها فضيحة لعلي تنغص عليه عرسه.
سلمان: دعك من هذا الكلام يا أخا اليهود وأخبرني متى سترجع السيف لعلي؟
اليهودي: لقد وعدني أن يسدد ديني بالعمل ثلاثة أيام في بستاني بعد أن ينتهي عرسه.
سلمان: الوعد قريب وعلي إذا وعد وفى.
أم أيمن: ها قد جئت بالتمر والسمن يا ولدي يا علي..... أعانك الله وبارك لك في عرسك.. أعطني التمر والسمن حتى نصنع منه لوليمة حبيبتي فاطمة الحيس، وهو من ألذ الحلوى.
ولكن رسول الله- صلى الله عليه وآله- أبى إلا أن يصنع حلوى وليمة فاطمة بيده الشريفة.
أم أيمن: لا تتعب نفسك يا رسول الله.. أنا أكفيك صناعة حلوى الحيس.. فديتك يا رسول الله لا تتعب نفسك.
أم أيمن: ما أشد حب رسول الله لك يا فاطمة وما أشد فرحته بعرسك، لقد تركته وقد حسّر عن ذراعه وجعل يشدخ التمر ويعجنه في السمن ويخلطهما بالأقط من اللبن المجفف، فلم يبقى من نوى التمر شيء داخل حلوى الحيس.. لم أر من قبل أبا يعمل في صنع وليمة عرس ابنته، إنها سنة سنها رسول الله في عرسك يا سيدة النساء.
بلال: لقد خرج علي من عند رسول الله، هل علمت يا أم أيمن مقصده؟
أم أيمن: أجل يا بلال، لقد أمره أن يخرج الى المسجد ويدعو من أحب لوليمة فاطمة.
بلال: لأذهب اليه وأعنه على دعوة من أحب لهذه الوليمة؛ فأنا مؤذن رسول الله.
دخل علي – عليه السلام- المسجد وهو مشحون بالصحابة، فصعد على ربوة هناك ونادى.
يا قوم أجيبوا الى وليمة فاطمة بنت رسول الله.
سلمان: هل ترى يا بلال كثرة من حضر وليمة فاطمة.. سبحان الله إنهم يدخلون أفواجا ويخرجون أفواجا وقد شبعوا.. إنه والله من عجائب رسول الله وبركة أهل هذا البيت.
قال علي –عليه السلام-: " لما رأيت الناس وقد أقبلوا أفواجا استحييت من كثرة الناس وقلة الطعام، فعلم رسول الله ما داخلني فقال:
يا علي إني سأدعو الله بالبركة".
قال علي –عليه السلام-: " فأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي ودعوا بالبركة وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ولم ينقص من الطعام شيء".
الراوي: ثم دعا رسول الله –صلى الله عليه وآله- بالصحاف فملئت من الطعام ووجه بها الى منازل أزواجه، ثم أخذ بيده صحفة وجعل فيها طعاما وقال:
هذا لفاطمة وبعلها.
اليهودي (وهو يبكي برقة وبهجة): أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله... أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
سلمان: الحمد لله.. الحمد لله يا أخا اليهود؛ أخبرني كيف هداك الله لديننا؟
اليهودي: وكيف لا أهتدي لدين الحق وقد رأيت من صنع رسول الله في وليمة ابنته ما لا يكون إلا من أخلاق الأنبياء.. ورأيت من بركة هذه الوليمة ما لا يجريه الله إلا على أيدي أحب خلقه اليه.