لا نزال نحدثك عن المقاطع الاخيرة من زيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، اي: الجامعة الكبيرة، وقد انتهينا في لقائنا السابق الى مقطع يتحدث عن موقعية الائمة عليهم السلام حيث وسم ذلك بما ياتي (الدرجات الرفيعة، والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عز وجل، والشأن الكبير).
فهنا نلاحظ اربع كلمات كلها تحوم على دلالة هي (الموقع) ولكن الزيارة تتميز بدقتها وبلاغتها الفائقة، ولذلك فان الكلمات الاربع مع كونها ذات دلالة مشتركة، الا ان كل واحدة منها لها استقلاليتها او خصوصيتها الخاصة بها لا بسواها، واما الكلمات فهي: الدرجة، والمقام، والمكان، والشأن.
اما (الدرجة) فتعني السلم المرتفع من حيث تفاوت درجاته من الادنى الى الاعلى، ولذلك عندما يقول النص بأن للائمة الدرجات الرفيعة فهذا يعني اعلى السّلم من الدرجات، اي: اعلى ما يمكن تصوره من الموقع.
واذا تجاوزنا مفهوم التفاوت في الدرجات في الكلمة المذكورة ومن ان الائمة هم اعلاها، نتجه الى الكلمة الثانية وهي (المقام)، والمقام يختلف عن الدرجة بكونه موقعا له خصوصيته المتميزة، ولذلك ورد في القران الكريم قوله نعالى «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ»الى ان يقول «يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا» وسنوضح لاحقاً: السر الكامن وراء سمة: (محمود) بالنسبة الى (المقام)، وسمة (المعلوم)بالنسبة الى عبارة (والمكان المعلوم)، وسمة (الكبير) بالنسبة الى عبارة (والشأن الكبير).
اما الآن فحسبنا ان نشير الى الفارق بين الموصوف وليس الصفة، فنقول: بالنسبة الى الفارق بين (الدرجة) في العبارة السابقة وبين(المقام) في العبارة الحالية هو: ان المقام هو موقع متميز بالقياس الى الدرجة التي تتسم بالتفاوت، ولذلك ورد بان المقام عند الله تعالى للائم مقرون بالحمد، اي: ما حمده الله تعالى بالنسبة الى سلوك الائمة عليهم السلام، واما الدرجة فهي - كما اشرنا - تعني اعلى الموقع، فتكون النتيجة هي موقع عالٍ ومتميز.
مستمعينا الاكارم تبقى هنا قضية مهمة وهي ان الزيارة تشرك ائمة اهل البيت(ع) مع سيدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله) فيالمقام المحمود، فما هو الدليل على ذلك؟
*******
هذا ما يتناوله خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في اللقاء الهاتفي التالي، نستمع معاً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله وآله الهداة الى الله، السلام عليكم احبائنا معنا مشكوراً خبير البرنامج سماحة الشيخ الصادقي، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة عن اشتراك الزهراء عليها السلام والائمة الاثنى عشر صلوات الله عليهم اجمعين مع النبي الاكرم صلى الله عليه وآله في المقام المحمود الذي ذكره القرآن الكريم برسول الله صلى الله عليه وآله؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ان من جملة الامور التي اختص الله بها النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته هو ذلك المقام المحمود، وهذا المقام هو مقام الشفاعة، بلا شك ولا ريب بكثرة النصوص الواردة من من كتب الحديث والروايات سواء كان عند الخاصة او عند العامة والتبرك بذكر نص واحد باسناده الشيخ الطوسي شيخ الطائفة باسناده الى انس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله مقبلاً على علي بن ابي طالب صلوات الله عليه وهو يتلو هذه الآية وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا، فقال يا علي ان ربي عز وجل ملكني بالشفاعة في اهل التوحيد من امتي وحضر ذلك عمن ناصبك او ناصب ولدك من بعدك، وهكذا روايات كثيرة في هذا المضمار وهذا المقام المحمود يكون مع النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والسيدة الزهراء والائمة عليهم السلام الحسن والحسين والتسعة من ابناء الامام الحسين عليه السلام، وهذا المقام الذي عرف بالمقام المحمود، وبلا شك ان حقيقتهم ونورهم واحد اشهد ان نوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض.
المحاور: كونهم من طينة واحدة او في نورانية واحدة هذا هو يدل على ان لديهم نوع من الاشتراك في المقام المحمود؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم هذه واحدة من الادلة وهناك ادلة كثيرة ولكن هذه من جملة الادلة على انه نورهم وطينتهم واحدة، وهو نور اختاره الله من نور عظمته، وبالتالي هم بالحقيقة يشتركون مع النبي صلى الله عليه وآله في هذا المقام المحمود، وهناك نصوص خاصة ايضاً صرحت بان النبي صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين والزهراء والائمة المعصومين هم يجتمعون في ذلك المقام ويتشفعون في اهل التوحيد ويتشفعون فيمن ارتضى الله دينه واشار الى خروج المبغض والناصبي لاهل البيت عليهم السلام فان هذا في الحقيقة هو من اخرج نفسه عن هذه الشفاعة وعن هذا المقام لانهم لا يشفعون الا لمن ارتضى الله دينه كما ورد عن الامام الرضا عليه السلام في هذا المعنى.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، رزقنا الله واياكم والمستمعين الفوز بهذه الشفاعة المحمدية الكبرى، وتابعوا ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان.
*******
يبقى ان نحدثك مستمعي الكريم عن الفارق بين الكلمتين الآخريين، وهما: (المكان المعلوم) و (الشأن الكبير)، فماذا يعنيان؟
المكان هو الموقع بالنسبة الى الامكنة العامة، ولذلك قال النص (والمكان المعلوم عند الله عز وجل) اي: ان هذا المكان لا يعرفه الا الله تعالى لعظم موقعه كما هو واضح، واما (الشأن الكبير) فيعني بدوره موقعاً، ولكن الشأنية لها، خصوصية هي: ان لكل شخص شأنيته المتناسبة مع موقعه الاجتماعي، فأذا انقلنا الشأنية الى الموقع الشرعي والآخروي للائمة عليهم السلام: حينئذ فهذا يعني ان للائمة خصوصية لا توجد لسواهم، بحيث لا يعلمها الا الله تعالى، ولذلك وسم الشأنية بأنها كبيرة بالقياس الى الشأنيات الاخرى في موقعها لدى الله تعالى.
بعد ذلك نواجه سمة اخيرة هي (الشفاعة المقبولة)، وبها ينتهي المقطع لنواجه مقطعاً جديداً بعده.
والمهم هو ان نحدثك عن هذه السمة اي (الشفاعة) وصفتها (المقبولة) فماذا نستخلص منها؟
ان للشفاعة بدورها درجات، فهناك مثلاً شفاعة الاصدقاء مثل قوله تعالى «فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ» حيث ينطق بها الغواة في يوم القيامة، وحيث جاء في احد تفسيراتنا شفاعة الصديق لصديقه، وهكذا شفاعة الاخيار، وشفاعة سواهم، ولكن الشفاعات المذكورة لا تقاس بشفاعة الائمة عليهم السلام، حيث ان بعض الشفاعات محدودة، وبعضها صغيرة، وبعضها غير مقبول، بينما الشفاعة الصادرة عن الائمة عليهم السلام تتسم بكونها (مقبولة) تبعاً للنص الذي لاحظناه الآن بالنسبة الى الائمة عليهم السلام حيث قال النص عنهم بان لهم (الشفاعة المقبولة).
اذن اتضح لنا الفارق بين سمات او عبارات الزيارة التي وسمت الائمة عليهم السلام بها، وهي: الدرجة، المقام، المكان، الشأن، واخيراً الشفاعة، حيث اوضحنا مستويات كل منها، سائلين الله تعالى ان يشملنا بشفاعتهم، وان يوفقنا الى الطاعة، انه ولي التوفيق.
*******