نحن الان مع احد مقاطع من الزيارة الجامعة: للائمة عليهم السلام وهي مايطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة)، تميزاً لها عن سائر الزيارات الاخرى وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا الى مقطع مهم هو المقطع القائل: (ذكركم في الذاكرين، واسمائكم في الأسماء، واجسادكم في الأجساد،...)، ثم تقول: (فما احلى اسمائكم، واكرم انفسكم، واعظم شأنكم، وأجل ً خطركم...).
هذا المقطع هو امتداد لما سبقه من العبارات البادئة بالقول (ذكركم في الذاكرين، واسماؤكم في الاسماء)، حيث يعقب على ذلك بعبارات (فما احلى اسماؤكم، واكرم انفسكم...)، ان هذا التعقيب هو تاكيد على خطورة شخوص الائمة عليهم السلام، حيث ان تميزهم في الذكر وفي الاسماء، وفي الانفس، يستتلي صياغة عبارات التعجب مثل (فما احلى اسمائكم...).
والسؤال هنا هو: ماذا نستخلص من الدلالات التي ترشح بها عبارات التعجب المذكورة، وفي مقدمتها: عباره (فما احلى اسمائكم)؟
لعلك تتساءل مستفهما: ان اسماء الائمة عليهم السلام، سواء اكان المقصود منها هو: الاسماء الشخصية مثل (علي) و (الحسن) و (الحسين)، او المقصود منها: مطلق الرموز المشيرة الى ان الاسم هو (المعرفة بالظواهر الكونيه مطلقاً) فان النتيجة هي ان صفة (احلى) او(الحلاوة) تظل مرتبطة بالأشكال الخارجية (كالمنظر مثلاً او المطعومات كاية اكلة تتسم بما هو حلو مقابل (المر)... فما هو الرمز المستخلص من الأسماء الحلوة؟
الجواب هو: ان الحلو يرتبط حينا بحاسة (الذوق) واخرى بحاسة (البصر)، وفي الحالتين فان (الجذابية) الخاصة، هي الظاهرة الملفتة للنظر... فمثلاً ورد عن الامام علي(ع) عن الاشخاص الذين يسعون الى المناصب الدنيوية، فان (الدنيا حليت في اعينهم)، اي اصبحت ذات جاذبية بحيث تجتذبهم اليها بسحرها او زخرفها، فاذا نقلتنا هذه الجاذبية الدنيوية الى جاذبية القيم والمباديء الاسلامية، اي: ممارسة الطاعة العبادية، حينئذِ نستخلص بان الائمة عليهم السلام بصفتهم (نماذج) عبادته قد انتخبها الله تعالى لأداء دورها العبادي الضخم، حينئذ ِ نستلخص من ذلك بانه: لهم جاذبيتهم الاخاذة في السلوك العبادي او الخلافي في الارض.
*******
وهنا نقف عندما يذكره المؤرخون من استشعار الذي يلتقي احد الائمة عليهم السلام بحالة غير عادية من الهيبة فما هي دلالة ذلك، الاجابة نستمع اليها في اجابة سماحة الشيخ باقر الصادقي عن سؤال زميلنا في اللأتصال الهاتفي التالي نستمع معاً:
المحاور:بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احباءنا أهلاً بكم ومرحباً في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان معنا مشكوراً على خط الهاتف خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ من الظواهر المشهودة في الروايات الواردة فيما يرتبط بسيرة أئمة اهل البيت عليهم السلام ظاهرة كون ان من يلتقي بهم يشعر بهيبة خاصة تسيطر عليه حتى لو لم يكن معتقداً بهم خلال لقائه بهم، كيف تفسرون هذه الظاهرة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان هذه الظاهرة لها عدة اسباب ومن جملة الاسباب السبب الاول اولاً تقواهم لله عز وجل يعني اهل البيت عليهم السلام هم من اتقى الناس لله وفي الحديث الشريف عن الامام الجواد من اتقى الله يتقى ومن اخاف الله يخف، وهم اتقى الناس وخوفهم لله وتقواهم لله تجعل الطرف المقابل حينما ينظر اليهم يدخل قلبه الهيبة هذا السبب الاول، السبب الثاني هم مظهر لمظاهر الاسماء الجلالية لله تبارك وتعالى هذه الاسماء في الحقيقة يؤخذ السامع لجلال الله تبارك وتعالى وبعظمته فهم بلا شك ولا ريب هذه مظاهر جلالية مظاهر لجمال الله عز وجل فحينما ينظر اليهم الناظر يتأثر بلا شك وتعلوه نوع من الهيبة، ينقل عن صفات النبي صلى الله عليه وآله كما يتحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام انه من نظر في وجهه هابه ومن دنى منه احبه فبلا شك كان كذلك يقول ومع دنوه منا ومع قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، هكذا مثلاً الامام الحسن المجتبى عليه السلام حينما كان يجلس على باب داره تنقطع المارة هيبة له وهذه الهيبة ورثها من جده النبي حينما اقبلت الزهراء وقالت: هذا ولدك الحسن فقال اما الحسن فله هيبتي وسؤددي، هذا السبب الثاني وهناك اسباب كثيرة لهذه الهيبة لاهل البيت عليهم السلام للناس يعني من خلال ما نمر في سيرة اهل البيت على اختلافهم نجد هذه الخصلة واضحة عند الائمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، وان دل على شيء انما يدل على ارتباط الائمة بالله عز وجل وخوفهم من الله وتقواهم لله عز وجل مما يجعل الهيبة لهم في القلوب حتى اعدائهم شهدوا بهذا لان البعض في حياة الامام الهادي وكما في حياة الامام علي بن موسى الرضا لا نرفع له الستر اذا اراد ان يدخل على المأمون وصمموا على هذا المعنى انه اذا اقبل من باب انه حتى لا يعظمونه فلما وصل الى الباب واذا بالريح التي اقبلت ورفعت الستر ثم لما اراد الخروج ايضاً كذلك اقبلت الريح، فعرفوا ان هذه المسألة مسألة ربانية فقالوا نعود الى ما كنا عليه من تعظيم هذا الرجل، وهكذا في حياة الامام الهادي وفي حياة الامام الحسن العسكري بحيث استيقن حتى الاعداء بان لهم هيبة وان لهم جلالة وهذا هو السر لارتباطهم الوثيق بالله عز وجل.
المحاور:جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ باقر الصادقي، وجزا الله مستمعينا الافاضل كل خير وهم يتابعون ما تبقى من برنامج امناء الرحمان في حلقته هذه.
*******
وبعد ذلك نواجه عبارة (واكرم انفسكم)... فماذا نستلخص منها؟
هنا، نتوقع من الزائر ان يتساءل قائلاً: لقد عرفنا ان الائمة عليهم السلام بصفة عامة لهم جاذبيتهم العبادية، فما معنى العبارة القائلة (وما اكرم انفسكم)؟
اي: ان الجاذبية تشمل السمات العقلية والفكرية والنفسية، فلمذا خص قائل الزيارة بان الائمة عليهم السلام: لهم كرم النفس؟
الجواب هو: الكرم هو صفة نفسية تتصل بسعة الاخلاق وطيبها وايباء الشخصية، ومنها: طابع (الكرامة)، ولذ لك فان النص يستهدف من الاشارة الى (كرم النفس) بان شخصيات الائمة عليهم السلام بالاضافة الى (سماتهم الفكرية): وهي الايمان فكريا بمبادئ الله تعالى والعمل بها، هناك سمات شخصية اهلتَهم الى المقام المذكور بحيث لا ينفصل ما هو فكري (كالعقائد) عما هو (نفسي) كالكرامة و نحوها.
بعد ذلك نواجه عبارتين هما (ما اعظم شأنكم) و (واجل َ خطركم)... نحسبك تتسائل ايضا، وتقول ان (الشأن) و(الخطر) هما بمعنى مشترك.
ومن جانب آخر: ان (العظمة) و(الجلالة) بدورهما ينطويان على معنى مشترك، اي: قوله(ع) (ما اعظم) وقوله(ع) (ما اجل) هما بمعنى مشترك... فما هي النكات او الاسرار البلاغية وراء العبارتين المذكورتين؟
ختاماً نساله تعالى ان يوفقنا الى الالتزام بمبادئ الله تعالى انه ولي التوفيق.
*******