نحن الان مع فقرة جديدة من الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام وهي ما يطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن مجموعة زيارات جامعة للائمة عليهم السلام. تقول العبارة الجديدة (انتم نور الاخيار، وهداة الابرار، وحجج الجبار...). هذه الفقرات او العبارات ترتسم بدلالات متنوعة يجدر بنا ملاحظتها بدقة، لأنها تتصل بسمات خاصة يتميز بها المعصومون عليهم السلام في تعاملهم مع الله تعالى.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ باقر الصادقي اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا ها نحن نلتقيكم بهذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان مع ضيفنا الكريم خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي معنا على خط الهاتف، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة عن علاقة آية النور المباركة باهل بيت النبوة عليهم السلام؟ وهذه العلاقة قد ذكرت في كثير من الاحاديث الشريفة فما هي معالم هذه العلاقة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، لعل ما ينقدح في الذهن لاول وهلة في علاقة آية النور بأهل البيت عليهم السلام حينما سئل الامام الصادق عليه السلام عن هذه العلاقة وعن هذا المعنى لآية النور «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ»، فقال عليه السلام هو مثل ضربه الله لنا فالنبي والائمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها الى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الاسلام والسنن والفرائض ولا قوة الا بالله العلي العظيم، صدق الامام الصادق عليه السلام جواب مفيد وجواب شامل مختصر، الامام سلام الله عليه يفيد في هذه المعنى يقول ان النبي وان الامام المعصوم هو في الحقيقة آية من آيات الله عز وجل التي تدل على توحيد الله عز وجل ثم نستفيد من الامام لمعرفة مصالح الدين ولمعرفة شرائع الاسلام ولمعرفة السنن المستحبات لمعرفة الفرائض، وهكذا اي شيء يرتبط بالدين الحنيف او يرتبط بشؤون الربوبية او بالرسالة او ما شابه ذلك الباب لمعرفة ذلك هو الامام المعصوم، النبي في زمانه وما بعد النبي هو الامتداد الطبيعي وهم الائمة، ولذلك اشارت بعض الروايات لتحديد بعض المصاديق مثلاً رواية الامام الباقر عليه السلام حينما سئل كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، قال المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ(السلام على الادلاء على الله، السلام على الدعاة الى الله، السلام على الادلاء على مرضات الله)، وهذه في الحقيقة فيها تشخيص وفيها اشارة الى هذا المعنى، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين شكراً جزيلاً سماحة الشيخ باقر الصادقي، وشكراً لاحباءنا وهم يتابعون ما تبقى من برنامج امناء الرحمان وشرح هذه الفقرة الخاصة بهذه الحلقة من الزيارة الجامعة.
*******
السمة الاولى من مقطع الزيارة هي: ان الائمة عليهم السلام (نور الاخيار)... والسؤال هو: مالمقصود بـ(النور)، ثم انعكسات ذلك على سمة (الاخيار)؟
اما (النور) فهي كلمة طالما يستخدمها القران الكريم والائمة المعصومون عليهم السلام في نطاق ما نسميه بـ(الرمز) او (الاستعارة) ونحوهما، اي: ان كلمة (نور) ترمز في دلالاتها الى جملة معاني تتنوع بتنوع ثقافة متلقيها، فهي قد تعني مثلاً: الايمان، الاسلام، الخير، الهدى....
واذا لاحظناها في سياق هذه العبارات الواردة في مخاطبة الائمة عليهم السلام، نجد انها (ترمز) الى انهم وسائل منيرة، مضيئة، مشعة، وهذا النور هو تتويج للاخيار من المخلوقات... فاذا افترضنا ان مخلوقات الله عز وجل من ملائكة وانس وجن فيهم: الاخيار، وان الاخيار درجات، حينئذ فان القمة من الاخيار: تتمثل في الائمة عليهم السلام....
ليس هذا فحسب، بل انهم عليهم السلام (نور) اولئك الاخيار ذوي الدرجة الاعلى، بحيث (يستنار) بهم في السلوك العبادي المطلوب...
وهذا أين ما يتصل بعبارة (انتم نور الاخيار)، ولكن ماذا بالنسبة الى العبارة التالية لها، وهي انتم (هداة الابرار)؟
من البين، ان مصطلح (الابرار) يعني: (المطيعين) لله تعالى، واما كلمة (هداة) فهي قد تكون (رمزاً) بمعنى الاعلام والمنارات او سواها مما يهتدى بها في الطريق الى الله تعالى... وقد تكون كلمة (هداة) ذات مدلول لغوي هو ما يهتدى به الى معرفة الله تعالى، من حيث مستوى (الطاعة) التي يصدر الائمة عليهم السلام عنها...
ان ممارسة الطاعة لها درجاتها، اي ان الالتزام بمبادئ الله يتفاوت المطيعون (الابرار) حياله، بحيث تعد (الطاعة) في درجةً منها (قصوراً) بالقياس الى الدرجة الاعلى من الطاعة، وهكذا...
والمهم ان الائمة عليهم السلام ماداموا هم الدرجة الاعلى من ممارسة (الطاعة)، حينئذ سيكونون (هداة) او اعلاماً او منارات يهتدي بها الاخرون في ممارستهم للطاعة حيال الله تعالى.
بعد ذلك، نواجه عبارة ثالثة، هي انهم عليهم السلام (حجج الجبار)... والسؤال المهم جداً هو: ان هذه السمة تختلف عن سابقتها من حيث كونها تتصل باحدى صفاته تعالى وهي (الجبار)، جيث يمكنك ان تتسائل قائلاً: لماذا انتخبت الزيارة عبارة(الجبار) بدلاً من عبارات مثل (الرحمن) او (الله) تعالى او سواهما؟... فما هو سر ذلك؟
في تصورنا، ان (الجبار) بما انه بمعنى القدرة والسلطة والعظمة...الخ، حينئذ فان الصفة المذكورة تشرع الى لفت النظر الى صفة (النذير) مقابل (البشير)، حيث ان الائمة عليهم السلام حينما يصبحون (حجج) الله تعالى في تبليغهم لرسالة الله تعالى من حيث كونهم اوصياء النبي(ص)، حينئذ فان الحجج المذكورة تصبح (نذيراً) لمن خالفها، بحيث تترتب عليها مسؤولية التخلف عن الحجج المذكورين، متمثلة في العقاب دون ادنى شك.
اذن: امكننا ان نبين جانباً عن الصفات الكامنة وراء العبارات المتقدمة... والمهم هو ان نساله تعالى ان يوفقنا الى موالاتهم عليهم السلام، انه ولي التوفيق.
*******