لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة، وهي ما يطلق عليها اسم الجامعة الكبيرة، حيث تعتبر هذه الزيارات من النصوص البلاغية الفائقة دلالياً وجمالياً ...
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا الى مقطع ورد فيه (آمنت بكم، وتوليت آخركم، بما توليت به اولكم) هنا نلفت نظرك الى هذه الفقرة من الدعاء تحتل اهمية كبيرة في ميدان التعبير، حيث يجدر بنا ملاحظة ذلك، بعد ان نستمع للحوار الهاتفي التالي الذي اجراه زميلنا مع سماحة الشيخ باقر الصادقي بشأن دور الزيارات في ترسيخ العقائد الحقة نستمع معاً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام من الله عليكم احباءنا ها نحن نلتقيكم في هذه الفقرة من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة معنا مشكوراً في هذه الحلقة على خط الهاتف سماحة السيد محمد الشوكي، سماحة السيد سؤالنا في هذه الحلقة عن دور نصوص الزيارات المروية عن اهل البيت عليهم السلام التي يزار بها الاولياء عموماً النبي صلى الله عليه وآله وسائر الائمة ومنها الزيارة الجامعة ودورها في تعميق العقائد الحقة وتفعيلها في قلب المؤمن تفضلوا سماحة السيد؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، ما من شك ان نصوص الزيارات ليست مجرد عرض تحية وسلام على الائمة سلام الله عليهم وان كان هذا المعنى وارداً فيها ولكن النصوص الشريفة نصوص الزيارات لا يمكن ان نختزلها في هذا البعد فقط يعني هي ليست مجرد عرض للصلاة وليست مجرد عرض للسلام والتحية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم او لاهل البيت عليهم السلام وانما نصوص الزيارات تمثل روافد في المعرفة وتمثل منافذ لمعرفة النبي واهل البيت سلام الله عليهم اجمعين باعتبار ان الائمة عليهم السلام ارادوا من اوليائهم عندما يأتون لزيارة قبورهم ان يعرفوا الامام الذي يزورونه من هذا الذي يقصدونه من بلدانهم وينفقون اموالهم ويتركون اعمالهم في سبيل الاتيان الى قبره وزيارته لابد للانسان المؤمن ان يعرف من يزور ولهذا ورد في الزيارات في اكثر من نص من زاره عارفاً بحقه وجبت له الجنة لان اهل البيت سلام الله عليهم لا يريدون الزيارات ان تتحول الى طقوس فارغة من المحتوى او الى ممارسات روتينية يقوم بها الناس وانما يريدون من الزيارات ان تتحول الى مواسم ومراسم للمعرفة وللولاء ولتجديد الولاء باهل البيت سلام الله عليهم فرق بين من يزور الامام وهو لا يعرف عنه شيئاً الا شيئاً بسيطاً وفرق بين من يحضر عند قبر النبي او قبر احد اهل البيت سلام الله عليهم اجمعين وهو يعرف مقامهم ويعرف فضلهم فرق بين الامرين كما هناك فرق بين من يصلي ولا يعرف شيئاً عن ربه وفرق بين ذلك الذي يصلي ويلتقي بربه بالصلاة وهو يعرف الله عز وجل عرفاناً ومعرفة كبيرة، من هنا اهل البيت عليهم السلام حاولوا ان يجعلوا نصوص الزيارات نوافذ لمعرفتهم او لمعرفة مقامهم لمعرفة ما يمثلونه في الامة ما يمثلونه في الدين وثانياً معرفة فضائل اهل البيت سلام الله عليهم، وهذا ما نلمحه في الزيارات وخصوصاً الزيارة الجامعة الكبيرة فانها تركز على هذين المعنيين:
اولاً: تبين للناس من هم اهل البيت ماذا يمثلون من موقع في هذا الوجود وما يمثلونه من موقع عام في هذا الدين وفي رسالة سيد المرسلين صلوات الله وسلام عليهم اجمعين.
وثانياً: تبين فضل اهل البيت سلام الله عليهم وهذه المعاني ينبغي على المؤمن ان يعرفها وان يستشعرها وان يستحضرها عندما يزور الائمة لا الهدف منها هو هذا الامر الزيارة احد مظاهر احياء امر اهل البيت عليهم السلام واذا اردنا للاحياء ان يكون احياءاً تاماً ينبغي ان نعرف ذلك الامر نريد ان نحييه.
المحاور: سماحة السيد محمد الشوكي شكراً لكم، وشكراً لكم احباءنا وتفضلوا مشكورين لمتابعة ما تبقى من برنامج امناء الرحمان وشرح الزيارة الجامعة.
*******
عندما يقول النص بان الزائر للائمة عليهم السلام يتولى آخرهم بما يتولى به اولهم، فهذا يعني ان ثمة صلة بين آخر الائمة وبين اولهم، والسؤال المهم هو ماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
اولاً: ينبغي ان نستحضر الى اذهاننا ان الائمة عليهم السلام اثنا عشر اماماً اولهم الامام علي(ع) وآخرهم الامام المهدي(ع) غير ان السؤال هو لماذا اقتصرت العبارة على اول الائمة وآخرهم؟
وثمة سؤال آخر لماذا قالت العبارة بان الزائر يتولى اخر الائمة بما يتولى به اولهم؟ وللاجابة نقول: ان لاول الائمة عليهم السلام سمة خاصة بلا شك فالامام علي(ع) اول الائمة الذي اوصى الرسول(ص) بالخلافة اليه من بعده، كما ان الولاية لعلي(ع) هي الفيصل لفرز الشخصية المطيعة عن غيرها، وحينئذ فان التولي لها يحمل دلالته الخاصة من حيث الفرز للشخصية المتقية عن غيرها، كما قلنا.
ثانياً: بما ان الائمة عليهم السلام هم بدورهم خلفاء لكل واحد منهم بالنسبة الى من يخلفه حينئذ فان الاهمية تنسحب عليه من خلال هذه الظاهرة.
ثالثاً: بما ان آخر الائمة عليهم السلام، وهو الامام المهدي(ع) يضطلع بمهمة خاصة ينفرد بها، ونعني بذلك ظهوره(ع) واضطلاعه بمسؤولية الاصلاح الاجتماعي ووراثة الارض حينئذ فان التولي له يعني التولي لله تعالى وللرسول(ص) ومن ثم فان التولي المذكور له علاقة بما تقدم من موضوع يرتبط بالظهور كيف ذلك؟
ان هذا المقطع من الزيارة سبقه كلام يقول: (ونصرتي لكم معدة، حتى يحيي الله تعالى دينه بكم، ويردكم في ايامه)، وهذا يعني ان مقطع الدعاء يتحدث عن الزائر ووظيفته حيال المزورين وهم الائمة عليهم السلام، فبما انهم خلفاء الرسول(ص) فينبغي الاطاعة لهم، ومن ثم فان الاطاعة تتمثل اولاً في الالتزام بالمبادئ التي امرنا الله تعالى والرسول(ص) والائمة عليهم السلام بها، وتتمثل ثانياً في اهم مصاديق الطاعة، الا وهي نصرة الامام المنتظر(ع) في مهمته الاصلاحية للعالم، وفي حالة ما اذا ادرك الزائر زمن الظهور.
والحق ان الزائر بعامة (سواء كان ادرك زمن الظهور او لم يدركه)، فان مجرد استعداده لاطاعة الائمة عليهم السلام يفرض عليه نصرتهم، ـ كما ورد في عبارة الزيارة ـ حيث ان الاعلان عن النصرة يجسد حالة نفسية هي التواصل الوجداني والفكري مع ظاهرة الامامة ومن ثم تجسيد الولاية للعترة الطاهرة، حيث ان الايمان بالله تعالى وبالنبي(ص) وبالعترة الطاهرة، هو المجسد للعبادة المطلوبة كما هو واضح.
اخيراً يتعين علينا ان نوضح النكات البلاغية التي نلاحظها من خلال العبارة التي تقول (وتوليت آخركم بما توليت به اولكم)، حيث تساءلنا لماذا لم يقل النص مثلاً (اتولى اولكم بما اتولى به آخركم)، حيث ان الترتيب هو الاول ومن ثم الآخر فما هو سبب ذلك؟
في تصورنا بما ان اول الائمة عليهم السلام هو الفيصل ـ كما قررت النصوص الشرعية ـ في تحديد ايمان الشخصية حينئذ فان ربط الزائر بها له دلالته.
ثم بما ان آخر الائمة عليهم السلام هو المجسد لظهور دولة العدل التي بشر بها الله تعالى ونبيه(ص) والائمة عليهم السلام بها، حينئذ فان الامام المهدي وهو آخر الائمة يظل ارتباطه باول الائمة استمراراً لتجسيد الايمان المذكور.
اذن اتضح لنا جانب من النكات الكامنة وراء العبارة المذكورة. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا لنصرة الائمة عليهم السلام انه ولي التوفيق.
*******