لا زلنا نحدثك عن الزيارة الجامعة وهي مايطلق عليها اسم (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى الخاصة بالائمة عليهم السلام، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع طويل ورد فيه (اني مؤمن بكم)، أي الائمة عليهم السلام الى ان يقول: (مطيع لكم، عارف بحقكم، مقر بفضلكم، محتمل لعلمكم).
هذه الفقرات من مقطع الزيارة تتضمن جملة نكات دلالية يتعين علينا ان نلقي الانارة على ذلك، وهذا ما نبدأ به الان.
العبارة الاولى تقول على لسان الزائر للائمة عليهم السلام (مطيع لكم)، وهذه العبارة مع وضوحها الكامل تحتاج الى التعقيب عليها، فماذا نستلهم منها؟
الاطاعة لغوياً هي انك تعمل بما يأمرك به من يمتلك مسؤولية ما، سواءاً كان في نطاق محدود كالابوين من حيث الاطاعة لهما، او نطاق اوسع ولكن بالنسبة الى اطاعة الله تعالى ورسوله(ص) والائمة عليهم السلام تظل الاطاعة هي الاولى بطبيعة الحال، او لنقل ان كل واجب يقترن بالاطاعة يحمل مشروعية مع ملاحظة التفاوت في درجات الاطاعة والمهم بالنسبة الى الائمة عليهم السلام بما ان الله تعالى ورسوله(ص) امرانا بطاعتهم، حينئذ تكون اطاعتنا للائمة عليهم السلام تحمل مشروعيتها.
بيد ان السؤال هو: ما هي المفردات التي تشكل دلالة الاطاعة؟ هذا ما يمكن الجواب عليه بوضوح وهو الالتزام بما رسموه لنا من المبادئ الاسلامية في نطاق الاحكام والاخلاق والعقائد، لذلك فان الاتجاهات الاخرى للمذاهب المنتسبة الى الاسلام لا تكتسب مشروعيتها الا من خلال الاطاعة للمبادئ التي رسمها القرآن الكريم والسنة النبوية وسنة الائمة عليهم السلام مع ملاحظة ان سنة الائمة عليهم السلام هي سنة الرسول(ص) وسنته(ص) هي مبادئ الله تعالى وهنا قد يثار سؤال عن كيفية العمل بهذه الفقرة فيما يرتبط بأمام زماننا المهدي ارواحنا فداه فكيف نطيعه وهو غائب لا يتيسر الالتقاء به ومعرفة اوامره؟
الاجابة عن هذا السؤال نتلمسها في كلام ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا ...
المحاور:بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احباءنا وسلام على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ الصادقي، سماحة الشيخ من الاسئلة المتكررة والتي ترتبط بموضوع هذه الحلقة من برنامج "امناء الرحمان" قضية كيفية طاعة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في عصر غيبته ومع عدم اللقاء الميسر به سلام الله عليه؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، طبعاً طاعة الامام هذه مفروضة في كتاب العزيز والمجيد يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم، وبلا شك ان الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الامام الثاني عشر بالحق وفرض الله طاعته، غيبة الامام لا تمنع من طاعته طاعة الامام سلام الله عليه، لان هناك الحلال واضح والحرام واضح وما من واقعة الا وللاسلام فيها حكم وعليه فان العمل بالاوامر الالهية ما ورد في القرآن الكريم وما ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الائمة سلام الله عليهم اجمعين، وهكذا بالنسبة الى طاعة الامتداد الطبيعي للامام الحجة لان الامام صحيح غاب ولكن لم يتركنا سدى وانما ارجعنا الى اناس نرتبط بهم واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فهم حجتي عليكم وانا حجة الله، مثلاً من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه تاركاً لهواه مطيعاً لامر مولاه فعلى العوام ان يقلدوه وحجتي عليكم وانا حجة الله، فطاعة المراجع وخصوصاً التي تتواصف فيهم الخصائص التي وردت عن الامام سلام الله هي طاعة للامام والراد عليهم كالراد على الامام، فعليه انه يمكن ان نتلمس طاعة الامام سلام الله عليه مع انه نعلم ان الامام هو حاضر ناظر، غائب صحيح لكن هو يرانا ويطلع على احوالنا وتعرض عليه اعمالنا، وقد ورد في النص الوارد عن الشيخ المفيد انا وان كنا بمكاننا النائي ولكنا نحيط علماً بانباءكم ولا يعزب عنا شيء من اموركم ونحن من وراءكم بالدعاء الذي لا يحجب عن رب العباد، فاذن الامام هو ناظر وحاضر ويرعانا انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، فالعمل بالاوامر الالهية التي جاء بها الكتاب وكذلك النبي والائمة وطاعتهم هو طاعة للامام بلا شك ولا ريب.
المحاور:سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احباءنا على طيب المتابعة تفضلوا مشكورين بمتابعة ما تبقى من برنامج امناء الرحمان.
*******
نتابع تقديم هذه الحلقة اعزاءنا المستمعين من هذا البرنامج الخاص بشرح الزيارة الجامعة فننتقل الى بيان عبارة (عارف بحقكم)فنشير اولاً الى انه قد ورد قبلها مقطع جاء فيه مستبصر بشأنكم والمطلوب هو ان نوضح الفارقية بين العبارتين أي عبارة (مستبصر بشأنكم)، وعبارة (عارف بحقكم) ...
طبيعياً ان النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام تتمثل بكونها متسمة بالعصمة الفنية او البلاغية أي لا يمكن ان نتصور بورود جملة لها معنى خاص ثم ورود اخرى تحمل المعنى نفسه ولكن بصياغة اخرى هذا النمط من الصياغة لا يمكن ان يصدر عن الائمة المعصومين عليهم السلام انه يصدر من المنشئين العاديين، لذلك لا مناص لنا من توضيح الفارق بين العبارة القائلة (مستبصر بشأنكم) حيث حدثناك في لقاء سابق وهي عبارة (عارف بحقكم)، وهذا ما نبدأ به الان فنقول: اذا كنت متذكراً ما حدثناك عنه سابقاً بالنسبة الى عبارة (مستبصر بشأنكم) فسيتبين لك بان المقصود منها هو المعرفة الحقة العميقة بمنزلتهم وقلنا ان الاستبصار مصطلح واسع وشامل لما هو خاص بنفر محدد ممن يمتلك نفاذ او ثروة معرفية ويدلنا على ذلك القلة التي تنهل من المصادر المأمور بها، وهي العترة الطاهرة التي امر النبي(ص) بالتمسك بها وبالقرآن الكريم، بيد ان القرآن الكريم اشار الى ان اكثر الناس لا يعلمون، لا يشعرون، لا يتفكرون، أي لا استبصار لديهم كما هو واضح المهم، ان الاستبصار بشأن الائمة يعني المعرفة العميقة بواقعهم ومنزلتهم عند الله تعالى وهذا ما يعبر عنه بالشأن.
ولكن العبارة الاخرى التي اوردناها في حديثنا هذا اليوم وهي (عارف بحقكم) تختلف بالضرورة عن معنى الاستبصار المشار اليه، كيف ذلك؟
من البين ان المعرفة بالحق تختلف عن الاستبصار بالشأن فالاخيرة كما قلنا تعني المعرفة العميقة بواقع الائمة عليهم السلام ومنزلتهم، لله تعالى (المعرفة بالحق)، تعني الادراك لما هو حق بالنسبة الى الائمة عليهم السلام من حيث المبادئ التي يصدرون عنها ولذلك نحيلك الى عبارة سابقة وردت في مقطع متقدم، حدثناك عنه وهو العبارة القائلة: (محقق لما حققتم مبطل لما ابطلتم)، أي ان قارئ الزيارة يؤمن بما هو حق صادر عن ممارستكم اياه ويبطل ما هو مضاد له، وهذا يعني ان المبادئ الاسلامية الحقة التي يتبناها الائمة عليهم السلام هي المعنية بمصطلح الحق، من هنا تجيء العبارة التي تلي سابقتا فتقول (عارف بحقكم)انما هي امتداد او تكملة لها حيث ان الحق الذي يصدرون عنه يتطلب معرفة به وهذا ما نطقت به العبارة القائلة (عارف بحقكم)، بعد ذلك تواجهنا العبارة القائلة (مقر بفضلكم معترف بعلمكم)، وهاتان الفقرتان تتناولان جانباً آخر من سمات الائمة عليهم السلام، هما الفضل والعلم، ومن الطبيعي ان كل واحد منهما يختلف عن الاخر أي الفضل والعلم، كما ان عبارة مقرتختلف عن عبارة معترف أي ان عبارة مقر بفضلكم، تختلف عن عبارة معترف بعلمكم وهذا ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا عارفين بحق الائمة عليهم السلام وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه ولي التوفيق.
*******