موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا قديم، يا علي، يا حليم، يا حكيم"
لانزال نحدثك عن الادعية، ومنها: دعاء الجوشن الكبير، وهو دعاء يتضمن (۱۰۰) فقرة، كل واحدة تضمن عشرة اسماء من اسمائه تعالى... ونحن الان مع المقطع الاول، وفياسائه الاتية (يا قديم، يا علي، يا حليم، يا حكيم) هذه الاسماء الاربعة هي امتداد لما سبقها من الاسماء التي حدثناك عنها في لقاء سابق.. ونعتزم الان ان نحدثك عن الجديد منها، وهي ـ كما قلنا (القديم، العليم، الحليم، الحكيم)... سلفا ينبغي ان ندرك بان هذه الاسماء وما سبقها ليست خاضعة لمجرد ما يسمى بالسجع، بل هي اسماء تتجانس في دلالاتها كما تتجانس في اصواتها... ان مصطلح (قديم) يعني: ازلية الله تعالى، اي: لم يكن (حادثاً)، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، غير مسبوق بحدوث.
ويقابله (الحادث) وهو: الظاهرة التي لم تكن موجودة سابقا، ووجدت فيما بعد: كالكون الذي حدث بفعل الله تعالى ولم يكن له وجود في السابق... والاهمية المترتبة على ما هو (قديم) مقابل ما هو (حادث) هو: ان القديم يكون (منزها) من الحدوث: حيث يتسم الحادث بما هو تجسيم بينما الله تعالى منزه عن ذلك: كما هو بين... بعد ذلك نواجه كلمة (عليم)، ولا نعتقد ان احد منا يجهل دلالة ذلك،.. ان الله تعالى (عليم) بكل شيء، لا جهل للاشياء لديه، بل محيط بها حيثما اوجدها تعالى...
اي ان كلمة تعالى مطلقاً لا حدود له،... بيد ان ما ينبغي لفت النتباه عليه هو: ان صفة (العلم) عند الله تعالى تستخدم في المجال القراني الكريم ومطلق النصوص الشرعية في صياغات متنوعة، منها: العليم، ومنها: العالم، ومنها: العلام،.. ومن الطبيعي ان لكل صياغة دلالتها المختلفة عن غيرها، فانت تقرأ مثلاً قولله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)، وتقرأ قوله تعالى (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، وتقرأ قوله تعالى (عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) ...
ان كل واحدة من هذه الصياغات لها دلالتها من حيث السياق الذي ترد فيه، فمثلا صيغة (العالم) تظل هي الصياغة العامة لما يجسده العلم، فقوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) : يعني انه يعلم الغيب كما يعلم الشاهد، ولكن اذا قلت (عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)حينئذ فان العلم يكون هنا في سياق التاكيد والمبالغة الحقة،.. واما لو استخدمت صيغة (عليم) فانها تكون اقل تاكيد في سياقها الخاص،...
اذن: كل صيغة لها سياقها الخاص الذي تتترد فيه، ونحن حينما نواجه عبارة (يا عليم) نكون قد واجهنا صيغة المبالغة ولكنها الاقل من صيغة (علام)، لان العلام جاءت مثلا في سياق (الغيب) فتتطلب مبالغة في العلم، ببينما تجن صيغة عالم في سياق الغيب وفي سياق الشهادة، في حيث تجن صيغة عليم سياق التاكيد على مطلق العلم، وهو يتساون مع الصفات التي وردت في مقطع الدعاء الاول.
بعد ذلك نواجه صيغة (يا حليم)، وهي تعني: صيغة (الحلم): كما هو واضح،... والحلم هو: الاناة والصبر والسكون مع القدرة والقوة،... وهي سمة لذاته تعالى متسمة كسائر صفاته بما هو مطلق لاحدود له ولولا حلمه تعالى ـ على سبيل المثال ـ حيال البشر، لساخت الارضون بهم...
السمة العاشرة في مقطع الدعاء الاول هي: (يا حكيم).
وهذه السمة لاتحتاج بدورها الى مزيد من التوضيح بقدر ما تحتاج الى القاء الضاءة على دلالتها المرتبطة بمفهوم (الحكمة)، حيث تتفاوت النصوص اللغوية والنصوص التفسيرية في تحديد ما هو حكمة بالقياس الى الاستخدام الشائع لها، حيث ان الاستخدام الشائع لعبارة (الحكمة) هو: الكلام الموافق للحق او السداد او العقل..الخ..، مثلما تستخدم في سياقات خاصة بمعني اشد خصوصية عندما تطلق على الانبياء مثلاً.. والمهم هو: ان سمة (حكيم) تظل في السياق الذي وردت فيه وهو المقطع الاول من دعاء الجوشن متناسقة مع سمات (عليم) و (حليم) ونحوهما مما ينصح اولا عن التجانس في الصيغة المبالغة، وثانياً في التجانس بين ما هو: علم وبين ما هو حلم وبين ما هو حكمة من حيث انتسابها جميعاً الى القدرة المعرفية بنحو عام.
اذن امكننا ان نحدثك عن المقطع الاول من دعاء الجوشن، وهو المقطع الذي تضمن اسم الله تعالى، ورحمته تعالى، وعظمته تعالى، ومعرفته تعالى... وسنحدثك لاحقا ان شاء الله تعالى عن سائر المقاطع... وحتى ذلك الحين نساله تعالى ان يوفقنا دوما الى الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.