بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله وليّ النعم والآلاء، وأسمى الصلوات على أشرف المرسلين والأنبياء، وعلى آله الهداة الأوصياء الخلفاء. إخوتنا وأعزتنا المؤمنين الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من كان أقرب إلى كتاب الله معايشة وفهماً، وأقرب إلى رسول الله حياة ومخالقة وودّاً، كان أقرب إلى الله تعالى وإلى دينه الحنيف، والأولى بالأخذ بزمام أمور المسلمين، ووصاية رسول ربّ العالمين. روى الكنجيّ الشافعيّ في كتابه (كفاية الطالب) بسند يبتدىء بجعفر الصادق وينتهي عبر آبائه وأجداده إلى عليّ بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة والسلام أنه قال: كنت أدخل على رسول الله (ص) ليلاً ونهاراً، فكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ ابتدأني. وما نزلت عليه آية إلا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي أن لا أنسى شيئاً علمني إياه، فما نسيته، من حرام وحلال، وأمر ونهي، وطاعة ومعصية. وقد وضع يده صلى الله عليه وآله على صدري وقال: اللهمّ املأ قلبه علماً وفهماً وحكماً ونوراً. ثمّ قال لي: أخبرني ربي عزوجلّ أنه قد استجاب لي فيك.
إخوتنا الأعزة الأكارم، إذا كان بعض الآيات الكريمة قد نبهت المسلمين على حالهم وموقعهم التاريخيّ، وحساسيّة ظروفهم وخطورة مواقفهم، فقد كان منها قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً" ، ذلك هي الآية الثالثة من سورة المائدة، وسياق هذه الآية الكريمة يدلّ على أنها جملة معترضة وضعت في ضمن آية كبيرة نزلت لبيان محرّمات الطعام، ومن عادة القرآن الكريم وأسلوبه أنه إذا أراد بيان أمر من الأمور المهمة جدّاً، أدرجه في ضمن الآيات الكريمة، لحكم متعدّدة، ويعتبر ذلك أسلوباً بلاغياً مستحسناً عند البلغاء والفصحاء. أمّا سبب نزول هذه الآية الشريفة، فيذكر مجملاً جلال الدين السّيوطيّ الشافعيّ في تفسيره (الدرّ المنثور) في ظلّ الآية المباركة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" راوياً عن الصحابي أبي سعدي الخدريّ أنه قال: لما نصّب رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام يوم غدير خمّ، فنادى له بالولاية، وهبط جبرئيل عليه بهذه الآية.
وفي حديثه حول يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، روى ابن المغازليّ الشافعيّ في كتابه (مناقب عليّ بن أبي طالب) عن أبي هريرة أنه قال معرفاً بهذا اليوم: وهو يوم غدير خمّ، بها اخذ النبيّ بيعة عليّ بن أبي طالب وقال: (من كنت مولاه، فعليّ مولاه. اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله). قال أبو هريرة: فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. ثمّ قال أبو هريرة: فأنزل الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً". وكتب الخطيب البغداديّ في (تاريخ بغداد) وهو من أشهر مؤلفاته راوياً بسنده عن أبي هريرة أيضاً أنه قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خمّ لمّا أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله بيد عليّ بن أبي طالب فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: (من كنت مولاه، فعليّ مولاه. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا ابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم. فأنزل الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً".
وإذا جئنا ايها الإخوة الأحبة إلى كتاب (النور المشتعل المقتبس من كتاب: ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام) للحافظ أبي نعيم الأصفهانيّ وهو من مشاهير علماء السنة، وجدناه يروي عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله دعا الناس الى علي عليه السلام في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس الى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه وآله، ثمّ لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً". فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الربّ برسالتي وبالولاية لعليّ من بعدي. ثمّ قال: من كنت مولاه، فعليّ مولاه. اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقال حسّان بن ثابت: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال صلى الله عليه وآله قل على بركة الله. فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش، إتبعوا قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية. ثمّ قال:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمّ .. وأسمع بالغدير المناديا
يقول: فمن مولاكم ووليّكم؟
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا:
إلهك مولانا، وأنت وليّنا
ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا عليّ فإنني
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
هناك دعا: اللهم وال وليّه
وكن للذي عادى علياً معاديا
وفي رواية الخوارزميّ الحنفيّ في كتابه (المناقب). أن حسّان بن ثابت قال:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمّ .. وأسمع بالرسول مناديا:
ألست أنا مولاكم ووليّكم؟!
فقالوا- ولم يبدوا هناك التعاميا
فقال له: قم يا عليّ فإنني
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه
فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهمّ وال وليّه
وكن للذي عادى عليّاً معاديا