بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلاة الله وسلامه على خاتم الانبياء والمرسلين، المصطفى الامين وعلى آله الميامين، إخوتنا الاعزة الاكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن مؤهلات الخلافة ومقوماتها الاساسية، المعرفة بالقرآن الكريم، وكان المتقدم في ذلك عليّ بن ابي طالب عليه السلام، فقد روى الحاكم الحسكانيّ الحنفي المذهب بإسناده عن أبي صالح في قوله تعالى: "وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"(سورة الرعد:٤۳) قال: هو علي بن أبي طالب، فقد كان عالماً بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والحلال والحرام. ولذا كتب السيوطي الشافعي في مؤلفه (الأتقان في علوم القرآن) يقول: أما الخلفاء، فأكثر من روي عنه منهم (أي المفسرين): علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نظرة جداً، فقد روي عن عليّ الكثير، روى معمر عن وهب بن عبدالله، عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألون عن شيء الا اخبرتكم وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية الا وأنا أعلم، أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل. وأخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) عن ابن مسعود قوله: إن القرآن انزل على سبعة أحرف، ما منها حرف الا وله ظهر وبطن، وإن علي بن ابي طالب عنده منه الظاهر والباطن.
لذا ايها الاخوة الافاضل، يكون الاولى من غيره بالطاعة، وأولى من غيره أن يعرف بأنه سيد أولي الامر، وقد قال تعالى آمراً: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ"(النساء: ٥۹).
في ظل آية الطاعة، أو آية اولي الامر، رأى المفكرون أنها تناولت موضوعاً خطيراً وحساساً جداً، وهو الموضوع الاساس في حياة الامة الاسلامية، كما بحثت الآية مسألة عظيمة في شأن الكيان الاسلامي، وفصلت ما تم إجماله في الآية السابقة: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً" (النساء٥۸)، فبعد أن أمر الله تعالى الناس بأداء الامانة، والحكم بالعدل، بيّن سبحانه وتعالى الطريق الذي تتحقق به حكومة العدل، ولا يتم هذا الطريق الا بتحقق شرطها الأساس، وهو الطاعة المطلقة، بل الاعتقاد بتلك الطاعة أيضاً والالتزام بها عملياً. ولكن الطاعة لمن يا ترى؟ الطاعة للحق المطلق والحاكم الازلي للكون، وهو الله تعالى، وهي متمثلة بالايمان به وبدينه الحق، والعمل بأحكامه وشريعته. ويتفرع عن هذه الطاعة طاعة رسوله، وهو القائل عزّ من قائل: "مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ" (النساء: ۸۰)، فهو صلى الله عليه وآله المبعوث لتبليغ احكام الله تعالى، والمأمور لبيان كتاب الحق سبحانه، وقد جعل له الولاية والحكومة والقضاء، كما أمرت بطاعة أولي الامر. فالآية الشريفة تتولى بيان النظام الأساس لحكومة العدل الالهية، في تحديدها للجهة التي يجب على الامة أن تتلقى منها منهج حياتها، وترد اليها منازعاتها ومشكلاتها. ثم تبين الآية الشريفة هذه: "أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ"، أن الامتثال لهذه المنظومة القيادية: (الله، ورسوله، وأولي الامر) هو عين الايمان بالله واليوم الآخر، وبه يتحقق كل الخير.
أما روايات آية اولي الامر ايها الاخوة الاحبة، فكثيرة، نشير الى بعضها، وقد روى الحاكم الحسكاني الحنفيّ بإسناده سليم بن قيس الهلالي، عن الامام عليّ عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي، وأنزل فيهم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ"، فإن خفتم تنازعاً في أمر فأرجعوه الى الله والرسول وأولي الامر. قال الامام علي عليه السلام: قلت: يا نبي الله، من هم؟ قال: أنت أولهم. وبإسناده عن مجاهد في قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا) قال: يعني الذين صدقوا بالتوحيد، (أطيعوا الله) يعني في فرائضه، و(أطيعوا الرسول) يعني في سننه، (وأولي الامر منكم) قال مجاهد: نزلت في أمير المؤمنين علي، حين خلفه رسول الله بالمدينة، فقال: أتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال له: اخلفني في قومي وأصلح؟! فقال الله: (وأولي الامر منكم) قال مجاهد: هو علي بن ابي طالب، ولاه الله الامر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه.
أجل، وحتى على هذا الغرض والمعنى الذي أراده مجاهد، يكون الامام علياً هو المؤهل أن يكون أول أولي الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله. بقي أن نقول، ان الحاجة التي دعت الى ضرورة الرسول صلى الله عليه وآله هي عين الحاجة التي دعت الى ضرورة أولي الامر، فإنها تتضمن مصالح مهمة للدين لا تستقيم حال الامة بدونها. فلا بدّ من أفراد من هذه الامة معلومين بنص جليّ من النبي يكونون أولي الامر. كذا لابد ان يكون أولو الامر معصومين ليعصم الدين بهم من الانحراف، وقد قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله، واختارهم أعلم الناس وأتقاهم وأعبدهم، فاستوجب ذلك طاعتهم.