بسم الله الرحمن الرحيم .... الحمد لله الذي نزل الفرقان، والصلاة والسلام على امناء الرحمان، محمد وآله الهداة الى الرضوان ايها الاخوة الاعزة .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روى فرات الكوفي في تفسيره، وكذا ابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ بن ابي طالب)، عن ابن عباس من حديث آخره: "وان الله انزل في علي كرائم القرآن"... هذا، فيما روى الحافظ الحسكاني الحنفيّ بسنده عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قوله: لقد نزلت في عليّ ثمانين آية صفواً من كتاب الله، ما يشركه فيها احد من هذه الأمة.
ولعل منها- اخوتنا الافاضل- أو من أشهرها قوله جلّ وعلا: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة:الاية مئتان والرابعة والسبعون)، فما معنى عبارات هذه الآية الشريفة، وما علاقتها بالامام عليّ _عليه السّلام_ يا ترى؟!
في بيان بعض معنى هذه الآية.... كتب الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان في تفسير القرآن): بين سبحانه كيفية الانفاق وثوابه فقال:"الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً" في هذه الحالات، اي ينفقون على الدوام، لأن هذه الاوقات معينة للصدقات، ولا وقت لها سواها.
" فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ " اي انما الجزاء من أجل الانفاق في طاعة الله.
وكتب المفسر المرحوم السيد محمد حسين الطباطبائي في (الميزان): أنّ استيفاء الازمنة "بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ" ، واستيفاء الاحوال "سِرّاً وَعَلاَنِيَةً" في الانفاق، جاء للدلالة على اهتمام هؤلاء المنفقين في استيفاء الثواب، وإمعانهم في ابتغاء مرضاة الله وارادة وجهه، لذلك وعدهم الله سبحانه وعداً حسناً بلسان الرأفة والتلطف "فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ"
اما السيد عبد الاعلى الموسوي السبزواري فكانت عبارته في كتابه (مواهب الرحمان في تفسير القرآن) هذه: يستفاد من قوله تعالى: " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً" كثرة الملازمة للانفاق حتى صار ذلك خلقاً لهم، وقد وعدهم الله عظيم الاجر.
أجل.... ولا يخفى على اصحاب البصيرة، أن من اساليب القرآن ذكر الجمع ويراد به الفرد، لأغراض بلاغية راقية، كما في الآية الشريفة التي قصدت علياً _عليه السّلام_، كما روى ابن عساكر الشافعي الدمشقي ذلك بسندين في كتابه الشهير (تاريخ مدينة دمشق)، والسيوطيّ الشافعي في تفسيره المعروف (الدرّ المنثور)، والشبلنجي الشافعيّ في (نور الابصار بمناقب آل النبي المختار) وابن حجر في (الصواعق المحرقة) حيث قال: أخرج الواقدي عن ابن عباس قال: كان مع علي اربعة دراهم، لا يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية... فنزل فيه " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".
اخوتنا الاعزة الاكارم... إن الباحث في تفسير آية الانفاق وسبب نزولها يخرج بهذه النتيجة الواضحة القاطعة، وهي أن هنالك إجماعاً وتوتراً وتسالماً من قبل أهل التفسير والحديث، وأصحاب التاريخ والسير والرجال، على ان الآية نازلة في أميرالمؤمنين علي _عليه السّلام_، وهو المعني لا غيره، وهو المقصود لا يشركه احد في ذلك، لأنه هو الذي أنفق ليلاً ونهاراً، وسراً وعلانية، مداومة وإخلاصاً لله تعالى، وآثر غيره على نفسه بكلّ ما كان يملكه.... وقد أيد ذلك ابن الاثير في (اسد الغابة في معرفة الصحابة)، والمحبّ الطبريّ في (الرياض النضيرة) والزمخشري في (الكشاف)، والواحديّ في (اسباب النزول)، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب) رواية عن الديلميّ، والحسكانيّ في (شواهد التنزيل)... وغيرهم في غير ذلك من معتمدات كتبهم ومعتبراتها وموثوقاتها، حتى قال محمد حسين البروجرديّ في كتابه (النص الجليّ في إثبات ولاية علي): نزلت الآية في عليّ _عليه السّلام_ برواية الفريقين، كان له اربعة دراهم فأنفقها.
وكذلك رواه اصحابنا في (مجمع البيان) وغيره، عن الباقر والصادق وأبي الحسن (الكاظم) عليهم السلام، بل عدّه الصدوق من عقائده. ورواه من علماء الجمهور: الثعلبيّ في تفسيره، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة الخواص) عن عكرمة، والعلامة الحلي في (منهاج الكرامة) عن أبي نعيم، كلهم عن ابن عباس وهو من الصحابة المعتبرين عند الفريقين. قال العلامة الحليّ: ولم يحصل لغير عليّ _عليه السّلام_ ذلك، فيكون هو الافضل، وهو الامام. وقال البروجردي مضيفاً: وفي الخبر دلالة على محمدة للامام عليّ وقبول انفاقه وإخلاصه، وكونه أسخى من غيره، فيكون اماماً عليهم دون العكس، لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً وشرعاً.