بسم الله الرحمن الرحيم .... الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، وأكمل الصلاة وأتم التسليم على النبي المختار، وعلى آله الاخيار. ايها الاخوة الاماجد.... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. روى ابن عساكر الدمشقي الشافعي في مؤلفه الشهير (تاريخ مدينة دمشق ضمن ترجمته لأميرالمؤمنين عليه السلام): عن الحارث الهمداني قال: سألت علياً عن هذه الآية "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ"( سورة الانبياء: الاية السابعة) فقال: والله إنا لنحن اهل الذكر، ونحن اهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن اراد العلم فليأته من بابه". هذه –ايها الاخوة الافاضل- علاقة الامام علي (عليه السلام) بالقرآن تأويلاً بعد تنزيل، وذاك ارتباطه بكتاب الله على مستوى الفهم والادراك حتى دعا الله سبحانه كل سائل أن يأتيه ليأخذ منه جوابه، وكيف لا وأعظم مدينة علم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد جعل علياً باباً اليه، وأرشد كل من أراد دخول تلك المدينة الالهية العظمى أن يأتي من قبل عليّ، لا غيره.
*******
وتكثر الادلة –اخوتنا الاكارم- اذا قلنا إن اكثر الناس اتبّاعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو اكثرهم طاعة لله جل وعلا، وأشدهم فهماً وتطبيقاً لكتاب الله تبارك وتعالى. دعونا –ايها الاعزة- ان نتناول دليلاً واحداً مستفاداً من هذه الرواية التي ينقلها عالم ومؤرخٌ معروفٌ، ذلك هو أحمد بن بحيى البغدادي المشهور بـ(البلاذري)، المتوفى سنة مئتين وتسع وسبعين هجرية، حيث يورد في كتابه الشهير (أنساب الاشراف) باسناده عن عامر الشعبيّ، أن الحجاج بن يوسف الثقفيّ سال أبا سعيد الحسن أن يخبره عن رأيه في الامام علي (عليه السلام)، فقال له: أفي علي؟! سمعت الله يقول: " وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ" (سورة البقرة:الاية المئة والثالثة والاربعون) فعلي ممن هدى الله ومن أهل الايمان، وأقول: انه ابن عم رسول الله وختنه على ابنته، وأحبّ الناس اليه، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله ما لا يستطيع أنت ولا احد من الناس أن يحصرها عنه، ولا يحول بينها وبينه! قال الشعبي: فبسر الحجاج وجهه وقام مغضباً. وفي رواية المدائني عن النضر بن اسحاق الهذليّ، فقال الحجاج للحسن: لا تحدّثن في مسجدنا! فخرج الحسن فتوارى. أما في رواية الحسكاني الحنفيّ في كتابه (شواهد التنزيل- في ظل الآية الشريفة) وقد جاء بها الحسن برهاناً على قوله: إن الله جعل علياً من المهتدين، ثم قال: فكان عليّ اول من هداه الله مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فأمر الحجاج بإخراج أبي سعيد من مجلسه!
*******
ومن السوابق المباركات لاميرالمؤمنين علي (عليه السلام) كما عبر أبو سعيد في محضر الحجاج، ما ذكره الله عز شأنه في سورة البقرة من قوله عز من قائل: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" (الآية السابعة بعد المئتين) وقد أجمع المفسرون والمحدثون وأصحاب السّير والرجاليون، وكذا المؤرخون ... أن الآية الشريفة نزلت في الامام علي بن ابي طالب ليلة مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا هاجر من مكة الى المدينة. كتب الحسكاني في (شواهد التنزيل): بات علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأوحى الله الى جبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر احدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟! فكلاهما اختاراها وأحبّا الحياة، فأوحى اليهما: أفلا كنتما مثل علي بن ابي طالب، آخيت بينه وبين نبييّ محمد، فبات في فراشه يقيه بنفسه، أهبطا الى الارض فاحفظاه من عدوّه. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن ابي طالب! الله عزوجل يباهي بك الملائكة. قال الراوي لهذا الخبر- وهو الصحابي المعروف أبو سعيد الخدريّ-: فانزل الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" اما عن ابن عباس، فقد روى الحسكاني قوله: شرى عليّ نفسه، ولبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله) ثم نام مكانه. وعن حكيم بن جبير، أن علي بن الحسين قال: أوّل من شرى نفسه لله عزوجل: عليّ، ثم قرأ الآية المباركة. وكان من الشعر المنسوب الى اميرالمؤمنين (عليه السلام) وقد ظلم وضيّع حقه، قوله:
وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول الهي خاف أن يمكروا به
فنجاه ذو الطول الاله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمناً
موقىً... وفي حفظ الاله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يثبتونني
وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
والى لقاء طيب آخر معكم –ايها الاخوة الاحبة- نستودعكم الله تعالى، ونرجو لكم أهنا الساعات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.