بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وليّ النعم، وأزكى صلواته على رسوله الاكرم، وعلى آله اصول الكرام. اخوتنا وأعزتنا الاكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في لقاءنا السابق، كنا قد أشرنا الى مجموعة من المؤلفات والمصنفات التي اشتملت على ذكر الآيات النازلة في أميرالمؤمنين عليّ (عليه السلام)، وهنا أحببنا الإشارة الى مجموعة ثانية من المؤلّفات المختصة في تأليف أسباب نزول آيات معيّنة، نزلت في شؤون خاصة، أو بشأن أشخاص معينين، وقد أحصى بعض المحققين خمسة وستين كتاباً في هذا المجال، كان منها: الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام للوارميني، والآيات النازلة في فضائل العترة الطاهرة لتقيّ الدين الحلبيّ، وإبانة ما في التنزيل من مناقب آل الرسول لاحمد بن الحسن الطوسي، وخصائص أميرالمؤمنين من القرآن للحسن بن أحمد الشريف، والدرّ الثمين في ذكر خمسمائة آية نزلت في فضائل أميرالمؤمنين للحافظ البرسي، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكانيّ الحنفيّ، وما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين (عليه السلام) لابي اسحاق الثقفيّ، ومثله لابي نعيم الاصفهاني، ولابي فرج الاصفهاني، والمرزبانيّ، والمجاشعي، ولابن أورمة، ونزول القرآن في شأن أميرالمؤمنين (عليه السلام) لمحمد بن مؤمن أبي بكر الشيرازي، وعشرات من ذلك، أكدت أمرين: الاول- وفرة ما نزل باتفاق المفسّرين والرواة من الآيات في الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام). والثاني- إجماع أهل الفضل على أنّ جميع الآيات النازلة تلك، كانت بشأن بيان فضائل أميرالمؤمنين (عليه السلام) ومناقبه، لا كالتي نزلت في غيره... من العتاب او التوبيخ والذم.
*******
والآن أيها -الإخوة الاحبة- الى عودة للآية السابقة في وقفة أخيرة عندها، وهي قوله عز من قائل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} سورة البقرة الاية الثالثة والاربعون، وكنا قد أوردنا عدداً من النصوص والتفاسير التي أكدت، وأجمعت على أن المعنيين بالراكعين هنا هم: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليٌ عليه أفضل الصلاة والسلام، إذ هما أول من صلّى وركع، كما ورد ذلك عن ابن عباس، ورواه عنه جمع من المحدثين والمفسرين ذكرنا معظمهم، وممن لم نذكرهم لضيق المقام: عالم الحنفية ابو المؤيد موفق بن أحمد الخطيب الخوارزميّ في كتابه (المناقب في ص مائة وثمان وتسعين)، والعالم الحنفي الآخر المير محمد صالح الترمذيّ الذي كتب في مؤلفه (المناقب) -في الباب الاول: عن المحدّث الحنبلي وابن مردويه، عن ابن عباس- وأورد كلامه في ظل الآية الشريفة الآنفة الذكر. ومن خلال هذه الآية، وعدد من الروايات والاخبار الوفيرة، إستدلّ العلماء –أيها الإخوة الافاضل- على أن الإمام علياً (عليه السلام) كان الاسبق في إيمانه برسالة الاسلام، والاسبق في تصديقه لنبيّ الاسلام، والاسبق كذلك في إقامة أحكام الاسلام، ومن أهمها الصلاة، إذ هو أولّ من صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله بإجماع المؤرّخين، ومن هنا نقرأ في بحار الانوار للشيخ المجلسي أعلى الله مقامه في الجزء الثامن والثلاثين- في ظل الباب الخامس والستين هذا العنوان: إنه صلوات الله عليه سبق الناس في الإسلام والإيمان والبيعة والصلوات زماناً، ورتبة... في ۸٦ (ست وثمانين) صفحة تضمنت عشرات الأخبار والبحوث والإحتجاجات هذا، فيما أفرد المتكلم زين العابدين العاملي النباطيّ البياضيّ في كتابه القيّم (الصّراط المستقيم الى مستحقي التقديم) فصلاً- وهو الثاني والعشرون- في سبق أميرالمؤمنين عليّ (عليه السلام) الى الإسلام، كلا الكتابين مفعمان بأخبار علماء السنة وآرائهم، مجمعة على أسبقية الإمام عليّ في صلاته خلف النبيّ (صلى الله عليه وآله)... فمن ذلك ما رواه سبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الامة) عن مجاهد، عن أبن عباس قوله: اول من ركع مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب، فنزلت فيه هذه الآية: "وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ"، وفي (الكامل) لابن الاثير قال جابر: بعث النبي يوم الاثنين، وصلى عليّ يوم الثلاثاء. وفي (الإستيعاب) لابن عبد البرّ، وينابيع المودّة للقندوزي الحنفيّ، ونظم در السمطين للزرنديّ... قال سعد ابن ابي وقاص رغم عدائه وبغضه: ألم يكن عليّ أول من أسلم، وأول من صلى مع رسول الله؟!
*******
وتزدحم أمامنا الروايات القائلة بأنّ علياً (عليه السلام) هو اول من صلى من الصحابة، وأول من ركع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ينقل ذلك باخبار صحيحة موثقة كل من: احمد بن حنبل في (مسنده)، والنسائي في (خصائص أميرالمؤمنين)، وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)، والكنجيّ الشافعي في (كفاية الطالب)، والترمذي في (سننه)، والحضرميّ الشافعي في (وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل)، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب)، والوصّابيّ الشافعي في (اسنى المطالب في فضائل علي بن أبي طالب)، والبلاذري في (أنساب الاشراف)... وعشرات الرواة والمحدّثين، في عشرات الكتب المشهورة، روي عن ابن عباس مثلاً قوله: أول من صلى عليّ. وعن زيد ابن ارقم قوله: اول من صلى مع النبي، علي بن ابي طالب. وعن مجاهد قوله: أول من صلى –أي من الصحابة- عليّ وهو ابن عشر سنين. وأنشدت في ذلك عشرات أبيات الشعر ومئاتها، يكفي في ذلك قول كعب بن زهير في رائيته:
صهر النبيّ... وخير الناس كلّهم
فكلّ من رامه بالفخر مفخور
صلّى الصّلاة مع الاميّ أوّلهم
قبل العباد.. وربّ الناس مكفور
وقول مالك بن عبادة
فهذا وفي الإسلام أول مسلمٍ
وأوّل من صلّى وصام وهلّلا
*******