بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على كل ما أنعم وأولى، والصلاة والسلام على محمد وآله مصابيح الهدى، وأعلام التقى. إخوتنا الاعزة المؤمنين... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم مرة أخرى، في لقاء طيب آخر معكم... مع كتاب الله تعالى وهو يشير بيد الإجلال والإكرام الى مفتخر الإسلام علي بن ابي طالب (عليه السلام) من خلال آيات بيّنات، وعلامات واضحات، وفضائل باهرات، كان منها آية الكلمات، وهي قوله تبارك وتعالى: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ" (سورة البقرة:الاية السابعة و الثلاثون). وإذا كان الناس –أيها الإخوة الأكارم – يستفيدون- كلّ حسب مستواه- شيئاً معيّناً من آيات الله المباركات، فإنّ علماء التفسير والحديث وأصحاب العقائد واهل المعارف والمعاني، قد استفادوا الشيء الكثير منها، من ذلك ما استفادوه من آية الكلمات السالفة الذكر، إنّ الله تبارك وتعالى خلق خلقاً كانوا هم أعلى خلقه وأشرفهم، وأعزّهم عليه وأحبّهم، فجعلهم سبباً لفيضه الكريم، وعلّة لسعادة عباده، أخذاً عنهم واستشفاعاً بهم، وتوسّلاً الى الله جلّ وعلا عن طريقهم، فتجلت فيهم عظمة الله ورحمته، وهدايته وكرامته.. ذلكم هم: محمدٌ وآل محمد... صلوات الله تبارك وتعالى وسلامه عليهم. وهذا ما تسالم على الاعتقاد به علماء المسلمين، وتعاهدوه أجيالاً متتابعة أنه من مسلّمات الدين، وعليه قامت أقوى الحجج وأوثق البراهين. كيف يا ترى؟ سنرى ذلك بعد وقفة نستنشق فيها نسيم رحمة الله تعالى.
*******
الشيخ سليمان القندوزي- ايها الإخوة الافاضل- وهو حنفيّ المذهب، كتب بقلم الانصاف والإقرار بالحقّ في كتابه النافع (ينابيع المودّة لذوي القربى) راوياً عن الامام الحسن العسكري في تفسيره، عن الامام علي بن الحسين، عن ابيه الحسين، عن ابيه الامام علي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل حول ما رأى آدم (عليه السلام) من الأنوار فسأل الله تعالى عنها، فأجابه الباري جلّ وعلا: يا آدم، هذه الأشباح أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي، هذا محمدٌ وأنا المحمود في أفعالي، شققت له آسماً من اسمي، وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم، شققت له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل القضاء، وفاطم أوليائي ممّا يبيرهم ويشينهم، شققت لها اسماً من اسمي، وهذا الحسن وهذا الحسين، وأنا المحسن المجمل ومنيّ الإحسان، شققت اسميهما من اسمي. ثم قال تعالى له: هؤلاء خيار خلقي، وكرائم بريّتي، بهم آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب، فتوسّل بهم إليّ يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك، فإنّي آليت على نفسي قسماً حقاً لا أخيّب لهم أملاً، ولا أردّ لهم سائلاً. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك: فذلك حين صدرت منه الخطيئة، دعا الله عزّوجلّ بهم، فتاب عليه وغفر له. بعد ذلك يتساءل: ماذا يستفاد من تلك الآية، وهذه الرواية؟ الجواب... بعد وقفة أخرى، نقضيها في مراجعة باصرة وتأمّل عميق.
*******
لاشك –أيها الإخوة الأحبة- أنّ خلقاً جعلهم الله تعالى سبباً لتوبة أبينا آدم (عليه السلام)، لهم مقامٌ عظيمٌ عند الله عزوجل، ومرتبة رفيعة، ومنزلة سامقة شريفة، وجاهٌ كريمٌ توسّل به الأنبياءٌ (عليهم السلام) الى الله تعالى في قضاء حوائجهم وفكّ شدائدهم- كما روى المسلمون في عيون مصادرهم. واستفاد بعض العلماء من الآية الشريفة، والرواية المنيفة، أشياء أخرى.. فقد كتب العلامة الحلّي في (منهاج الكرامة) في فضلهم قائلاً: وهذه فضيلة لم يلحق علياً (عليه السلام) أحدٌ من الصحابة فيها، فيكون هو الامام، لمساواته النبيّ (صلى الله عليه وآله) في التوسل به الى الله تعالى. فيما كتب السيد محمد حسين القزويني الحائري في مؤلّفه (الامامة الكبرى والخلافة العظمى) يقول: فآية الكلمات، بضميمة الحيدث النبويّ الشريف، تدلّ على أفضلية الامام علي (عليه السلام) بعد النبي، وأكرميّته عند الله تعالى، وأنّ الله بكرامة عنده لعلي تاب وعفا عن آدم، فلو كانت لغير علي (عليه السلام) هذه الكرامة، لأدرج في الخمسة (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم) فإذا كان عليٌ أفضل وأكرم وأقدم، فقد صار هو الأحقّ بقيامه مقام النبي (صلى الله عليه وآله) بل كان هو المتعيّن. ويناسب هنا –إخوتنا المؤمنين- أن نختم برواية نقلها المتقي الهندي في (كنز العمال ج الاول) ثم قال بعدها: أخرجه الديلمي في (مسند الفردوس) وذكره السيوطي، أي هذا الحديث الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): حتى بعث الله تعالى إليه (أي إلى آدم) جبرئيل وقال: يا آدم، ألم أخلقك بيدي، ألم أنفخ فيك من روحي، ألم أسجد لك ملائكتي، ألم أرزقك حوّاء أمتي؟! قال بلى، قال فما هذا البكاء؟! قال (آدم): وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمان؟! قال: فعليك بهذه الكلمات، فإنّ الله تعالى قابلٌ توبتك وغافرٌ ذنبك، قل:"اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم." والآن نحن نتساءل: من أخصّ من عليّ بن أبي طالب وأوثق وأقرب الى الآل آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وقد توّسل بهم آدم الى ربّه فغفر له!