أحبتنا المؤمنين الاكارم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطابت أوقاتكم في هذا اللقاء الطيب معكم، وآيات أخرى من كتاب الله تبارك وتعالى نزلت فيالامام علي _عليه السَّلام_ وهي كثيرة وافرة، بعضها شاع واشتهر، وبعضها ترك فاستتر، ونحن هنا نفتح كتب التفاسير والاحاديث، لنرى شيئاً من مقاصد الآيات التي نمرّ عليها ولا نعلم فيم نزلت، وفيمن أنزلت.
فأغلب الناس يتصور أنّ الآيات النازلة في أمير المؤمنين _عليه السلام_ قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فيما روي عن مجاهد أنه قال: نزلت في عليّ سبعون آية لم يشركه فيها أحدٌ. هكذا نقل الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل)، بينما روى بإسناده عن عبد الرحمان بن أبي ليلى أنه قال: (لقد نزلت في عليّ ثمانون آية صفواً في كتاب الله، ما يشركه فيها أحدٌ من هذه الأمة).
ولم يقف المفسرون فيما رووه على عدد خاصّ من الآيات النازلة في الامام علي _عليه السلام_، حتى ذهب ابن حجر في (الصواعق المحرقة)، وابن عساكر في (تاريخ مدينة دمشق)، وابن الصبّان في (إسعاف الراغبين)، والخطيب البغداديّ في (تاريخ بغداد)، وغيرهم، الى أنّ ما نزل في عليّ _عليه السلام_ يبلغ ثلاثمائة آية، مؤكّدين في ذلك أمرين:
الاول –أنّ الامام علياً _عليه السلام_ نزل فيه من الآيات الشريفة ما لم ينزل في احدٍ من الصحابة. أكّد ذلك ابن عساكر والطبرانيّ والحسكانيّ، نقلاً عن يزيد بن رومان وغيره.
أما الأمر الثاني الذي أكّده المفسرون وغيرهم فهو –أنّ الذي نزل في الامام علي _سلام الله عليه_ لم يكن إلاّ مدحاً وثناءً وبياناً لفضائله الفريدة وخصائصه السامقة ومناقبه المتميزة .
ومن هنا جاء في عشرات المصادر، منها: (نظم درر السمطين) للزرندي الحنفيّ، (وكفاية الطالب) للكنجي الشافعي، و(المعجم الكبير) للطبراني، و(الرياض النضرة) للمحبّ الطبريّ، عن ابن عباس أنه قال: ما أنزل الله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ " إلاّ وعليٌ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد _صلى الله عليه وآله_في غير مكان، وما ذكر علياً _عليه السلام_ إلاّ بخير.
*******
إخوتنا الاكارم... مما نزل في من عايش الرسول والرسالة، قول الله عزوجل: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ".(البقرة: الاية الثامنة الى التاسعة) الى أن يقول عزّ من قائل: " وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ " (البقرة: الاية الرابعة عشرة)
يقول الشيخ الطبرسيّ أعلى الله مقامه في (مجمع البيان): إنّ المنافقين كانوا اذا رأوا المؤمنين قالوا: آمنّا، أي صدّقنا بما أنزل على محمد _صلى الله عليه وآله_كما صدّقتم أنتم، وإذا خلوا الى رؤسائهم قالوا: إنا معكم ، أي على دينكم، إنمّا نحن مستهزئون بأصحاب محمد نسخر منهم في قولنا لهم: آمنّا!
وقال المرحوم السيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان): وهذا حال المنافق، يظهر الإيمان فيستفيد بعض فوائد الدين باشتراكه مع المؤمنين في مواريثهم وغيرها حتى اذا حان الموت ذهب الله بنوره وأبطل ما عمله.
أجل.. تلك هي صفة المنافقين، حيث يظهرون بوجهين، ويتكلمون بلسانين، لا ينظرون إلاّ إلى مصالحهم الشخصية... والمراد بالشياطين هم المتمرّدون.
*******
والآن –أعزّتنا المؤمنين- نحاول الدخول في جوّ الآية أكثر فأكثر، لنتعرف على حالة سرت في جوّ المسلمين وبينهم.
نقرأ في (المناقب) للخوارزميّ الحنفي، و(كفاية الطالب) للكنجيّ الشافعي، و(شواهد التنزيل) للحاكم الحسكاني ... وغيرها من مصادر العامة والخاصة، عن الصحابي المعروف ابن عباس أنه قال: إنّ عبد الله بن أبيّ وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله (ص) فيهم عليّ، فقال عبد الله لأصحابه: أنظروا كيف أراد ابن عمّ رسول الله وسيد بني هاشم ختن رسول الله!
فقال عليٌ لعبد الله ابن ابيّ: يا عبد الله! إتق الله ولا تنافق، فإنّ المنافقين شرّ خلق الله. فقال: مهلاً يا أبا الحسن، فإنّ إيماننا كإيمانكم.
ثم تفرّقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنواعليه.
فنزل قوله تعالى: " وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ " أي علياً _عليه السلام_، "قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ"، قال ابن عباس: فدلّت الآية على إيمان عليّ ظاهراً وباطناً، وعلى قطعه موالاة المنافقين، وإظهاره عدواتهم.
هذا- ايها الإخوة الأحبّة – يرى عدة من المفسرين ، أنّ من مصاديق هذه الآيات الشريفة النازلة فيمن يدّعون الإيمان بالله واليوم الآخر، بل في سبب نزولها، أنّها في من بايعوا رسول الله _صلى الله عليه وآله_ثم نكثوا بيعتهم، وكانوا يعطونه مواثيقهم وقلوبهم على خلاف ذلك، وقد قال تعالى فيهم: " يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ". (البقرةالاية التاسعة الى العاشرة)