لا نزال نحدثك عن الزيارة الجامعة، وهي الزيارة التي يطلق عليها مصطلح (الجامعة الكبيرة)، تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى الجامعة للائمة عليهم السلام، حيث تنفرد من من حيث الحجم ومن حيث بلاغتها ومن حيث دلالاتها ...
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، ونواصل الحديث عن سائر مقاطعها حيث انتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه عن سمات الائمة عليهم ما يلي: (اعزكم بهداه ـ أي الله تعالى ـ وخصكم ببرهانه، وانتجبكم لنوره، وايدكم بروحه ...الخ)، هذه السمات التي خلعها النص على الائمة عليهم السلام جملة من سمات تتقدمها وتلحق بها، حيث يعنينا الان ان نحدثك عن بعض نكاتها قبل حديثنا عن دلالالتها بعامة، وكل ذلك بعد ان يستكمل خبير البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان بيان ادلة اطلاع ائمة اهل بيت النبوة (عليهم السلام) على الغيب:
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم مشكورين الدلالة القرآنية على امكانية اطلاع الله تبارك وتعالى ولعله حصول ذلك لغيبه اطلاع بعض رسله على غيبه، هنا السؤال فيما يرتبط على الادلة الروائية على كون ائمة اهل البيت ممن اطلعهم الله تبارك وتعالى على علوم الغيب وهل كان ذلك بالواسطة ام مباشرة تفضلوا.
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين نحن امام موضوع قد كثرت فيه الروايات والحمد لله فيمكن ادعاء تواترها المعنوي او الاجمالي اولاً وقبل كل شي اصل القاعدة وردت في روايات كثيرة من طرق ائمة اهل البيت (عليهم السلام) ان كل ما عند رسول الله هو عندهم ما خلا النبوة وهذه مروية بالسنة مختلفة فبعضها يرتبط بتصويت امر الدين وبعضها يرتبط بقضية مطلقة بحيث تشمل العلوم ايضاً هذه قاعدة مسلمة لا نستطيع ان ندخل في تفاصيلها، لان في حد ذاتها تأخذ وقت طويل.
المحاور: الروايات واضحات والاحاديث ايضاً موجودة.
الشيخ حسان سويدان: هناك تفاصيل استطيع ان اقول لهذه القاعدة ورد مثلاً في روايات عديدة ان مع الائمة (عليهم السلام) روح القدس وهو خلق اعظم من جبرئيل دوره لا ينام لا يصفو لا يلهو صفات عالية له وهو مع المعصوم دائماً ينطق على لسانه وهو يسدده يأتيه بمسألة مثلاً، يسأل احد الرواة الامام اذا لم يكن عندك شيء حول هذا الموضوع؟ يقول يتلقانا روح القدس.
المحاور: فيما يرتبط بروح القدس لدينا سؤال نخصص له حلقة.
الشيخ حسان سويدان: لا نفصل في روح القدس لكن نستطيع ان نقول ان مصادر علومهم غير الاعتيادية، ومن مصادر التسديد الالهي لهم هو ان الله سخر لهم هذا الملك الذي هو روح اعظم من جبرئيل لادوار عديدة منها انه يتلقاهم ببعض العلوم من هذه الامور، روايات عديدة تتحدث بوضوح عن انهم صلوات الله عليهم محدثون، فكرة المحدث طبعاً في التراث الاسلامي عند مختلف المذاهب الاسلامية موجودة، وادعى هذا المقام الكثير من هم اقل بكثير من ائمتنا لانه يثبت بطبيعة الحال، فنحن بحسب الاصول الثابتة والمسلمة عندنا من انهم صلوات الله وسلامه عليهم حكمهم حكم رسول الله نطقوا بروايات صحيحة السند وموجودة في اصح المصادر عندنا، فكتاب الكافي الشريف وكتاب بصائر الدرجات وبقية مصادر الحديث في مدرسة اهل البيت من الدرجة الاولى من مصادر الحديث روايات عديدة، في هذه العجالة اقرأ رواية يرويها الشيخ الكليني اعلا الله مقامه الشريف في الكافي بأسناده الصحيح عن محمد بن مسلم وهو من اجلة اصحاب الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قال: ذكر المحدث عند ابي عبدالله فقال انه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت له جلعت فداك كيف يعلم انه كلام الملك قال لانه يعطي السكينة والوقار حتى يعلم انه كلام الملك، هذه الرواية ايضاً نضمها الى رواية اخرى ايضاً صحيحة يرويها جليل من الاجلاء وهو حمران بن اعين اخ زرارة المعروف يقول قال ابوجعفر الباقر عليه السلام ان علياً كان محدثاً وخرجت الى اصحابي فقلت جئتكم بعجيبة فقالوا وما هي؟ قلت سمعت ابا جعفر يقول كان علي (عليه السلام) محدثاً فقال ما سمعت شيئاً الا سألته من كان يحدثه فرجعت اليه وقلت اني حدثت اصحابي بما حدثتني فقالوا ما صنعت شيئاً الا سألته من كان يحدثه فقال لي يحدثه ملك، قلت انه يقول نبي قال فحرك يده قال او كصاحب سليمان او صاحب موسى او ذي القرنين او ما بلغكم انه قال وفيكم مثله اشارة الى انه ينفي النبوة ويشير الى ان تحديث الملك لا يلازم النبوة، النبوة وحي خاص معروف في محله ومفرق بين النبوة وبين التحديث.
المحاور: سماحة الشيخ في ختام اللقاء هل يمكن القول ان الواقع العملي صدق اطلاعهم على الغيب من خلال اخبارهم بأمور غيبة وتصديق الواقع لها لاحقاً كأخبار امير المؤمنين صلوات الله عليه عن استشهاد سيد الشهداء الامام الحسين؟
الشيخ حسان سويدان: بلا شك وهذا كثير جداً جمعه المحدث العاملي (اعلا الله مقامه الشريف) في كتابه اثبات الهداة بالنصوص المعجزات وهو الشيخ الحر العاملي المعروف صاحب وسائل الشيعة، وجمعه ايضاً المحدث الكبير السيد هاشم البحراني، لا نقول كله وصحته مئة في المئة ولكن الاحاديث الصحيحة في ضمن هذه الموسوعات تفوق حد الاحصاء.
المحاور: ان الواقع صدق الكثير منها.
الشيخ حسان سويدان: هذه قضية ما يسمى بأعلام النبوة او اعلام الامامة فأن كثيراً من الاحاديث اخبر عنها ووقعت وصدقت بالفعل وهذا امر فوق ان نحتاج الى الاستدلال عليه من جهة وضوحه وكثرته جداً في المنقولات الشرعية.
المحاور: سماحة الشيخ حسان سويدان شكراً جزيلاً.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان، ونمهد لشرح الفقرة الخاصة بهذه الحلقة بالاشارة الى ان هناك مصطلحات تتعدد دلالاتها، مثل عبارة (البرهان) وعبارة (انتجبكم) ...الخ، ينبغي اولاً ان نعرض لدلالتها المتسقة مع سياق الزيارة، فالبرهان مثلاً يحمل جملة معاني، الا ان ما يتساوق مع السياق هو المعنى الذاهب الى انه ما يقطع به حجة الخصم، بحيث يصبح دليلاً حاسماً لا ترديد فيه ... لذلك عندما يقول النص (وخصكم ببرهانه) فهذا يعني ان الله تعالى قد خص الائمة عليهم السلام بسمات لا يتردد احد في الاقرار بها الا من كابر بطبيعة الحال، وهذا فيما يتصل بعبارة "البرهان". ولكن ماذا بالنسبة الى عبارة "انتجبكم"؟
هذه العبارة بدورها تحمل جملة معان الا ان المعنى الذي يتناغم مع السياق هو المعنى الذاهب الى ان الشخصية "النجيبة" هي الشخصية النفيسة ممن لا ينافسها آخر ... وهو معنى يتلائم مع شخصيات الائمة عليهم السلام بصفتهم شخصيات منفردة لا ينافسها احد تبعاً للاشارة القرآنية التي تتحدث عن الله تعالى وعن الرسول(ص) ثم عن اولي الامر حيث ان الامر بطاعتهم بعد طاعة الله تعالى ورسوله(ص) يعني انهم متفردون في سماتهم العبادية لا ينافسهم احد في ذلك.
هنا نتقدم الى مصطلحات اخرى تحوم على مدلولات متجانسة من حيث انتسابها الى الرعاية الالهية وهي المصطلحات الآتية: الهدى النور، الروح، حيث قالت الزيارة بالعبارات (اعزكم بهداه) و (انتجبكم لنوره) و (ايدكم بروحه) ...الخ. ترى ماذا تعني هذه العبارات؟
في تصورنا ان الافضل ان نتحدث عنها بحسب تسلسلها، ونبدأ ذلك بعبارة (اعزكم بهداه) ... هنا نحسبك لست بحاجة الى ملاحظة المعنى العام للعبارة المتقدمة، ولكن لو امعنت النظر قليلاً لامكنك ان تستخلص نكتة يجدر بنا ان نتبينها ...
بالنسبة الى "العز" لو نقلناه الى التجربة البشرية العادية "أي البشر غير المعصوم" لامكننا الذهاب الى ان "العز" يجسد "من حيث التركيبة الدافعية للانسان" واحداً من اهم الدوافع، الا وهو "الحاجة الى التقدير الاجتماعي" أي الحاجة الى ان تحترم الشخصية وتبجل وتثمن وتعطى لها المكانة التي تستحقها من الاخرين ... وهذه الحاجة "بحسب معايير علماء النفس والاجتماع" لها ما يسوغها ولكن من حيث المعيار الاسلامي فان الحاجة الى التقدير الاجتماعي تعوض بالحاجة الى التقدير من الله تعالى ولذلك ورد عن الامام علي(ع) انه لا يزيده تقدير الناس الفة ولا تستوحشه عزلتهم عنه لانه لا يرتبط الا بالله تعالى لكن من الزاوية الاجتماعية العامة، فان الله تعالى بناءً على قيمته الشخصية الاسلامية "نظراً لانتسابها الى الاسلام" وليس الى ذاتها الفردية، يمنح الشخصية المذكورة تقديراً او "عزاً" يتناسب مع العزة الاسلامية كما قلناه.
والمهم في ضوء الحقيقة المتقدمة ماذا نستخلص من العبارة المذكورة "اعزكم بهداه"؟
اعتقد ان الامر يتضح بجلاء حينما نخلص الى ان الله تعالى حينما يخلع على الشخصية هداه وهو اهتداء الشخصية الى مبادئ الله تعالى والالتزام بها، حينئذ فان "العز" او "التقدير" الذي تتسلم من الله تعالى لا يمكن مقايسته بشيء آخر، والاهم من ذلك ان العز الذي يكتسبه الشخصية من هدى الله تعالى، وهذا ما نطقت النصوص الشرعية به حينما اشارت الى ان من اراد العز بلا عشيرة مثلاً فليتق الله تعالى وهذا بالنسبة الى سائر البشر فكيف بالائمة عليهم السلام؟
اذن عبارة "اعزكم بهداه" تعني التقدير الخاص من الله تعالى لشخصيات الائمة عليهم السلام وهو "عز" لا يضارعه عز آخر ومن ثم فان القارئ للزيارة المذكورة لا مناص له من التوسل بالله تعالى بان يوفقه الى الهداية من الله تعالى انه ولي التوفيق.
*******