نحن الآن مع الزيارة الجامعة للائمة (عليهم السلام) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، وانتهينا من ذلك الى المقطع القائل(اشهد انكم الائمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون ... الخ) وقد حدثناك عن جملة من السمات المذكورة للائمة (عليهم السلام)، وهي: (الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون) ... وبقي ان نحدثك عن السمات الاخرى ومنها "المتقون" فماذا تعني؟
لا اعتقد ان احداً منا يجهل دلالة ما تعنيه "التقوى" او "الاتقاء" ... بيد ان ما ينبغي لفت النظر اليه هو هل ان السمة المذكورة تتحقق لدى الشخصيات الاسلامية بالنحو الذي يستهدفه الله تعالى؟ ... ان "التقوى" هي الحصيلة العامة لمفهوم (الخلافة في الارض) ... ومن يلحظ ـ على سبيل المثال ـ سورة البقرة "وهي اطول سور القرآن" سيجد ان محور "التقوى" يظل هو التعقيب الذي يطال عشرات الآيات الكريمة من نحو الاشارة في اول السورة «الم / ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين»، ومن الواضح ان السورة الكريمة عندما تفتتح آياتها بالاشارة الى مفهوم ما (التقوى هو المفهوم الذي استهل به النص القرآني) حينئذ يعني ان محور السورة او احد محاورها المهمة سوف يحوم على المعنى المذكور واذا تابعنا هذه السورة نجد ان كثيراً من آياتها تذيل بعبارة "يتقون" و"المتقين" و"اتقوا" و"تتقون" و"المتقون" و"للمتقين" ...الخ، بحيث تجسد الغالبية من المفهومات الاخرى التي طرحتها السورة المباركة ... يضاف الى ذلك ما تشير اليه النصوص المتنوعة من مثل «خير الزاد التقوى» او «ان اكرمكم عند الله اتقاكم»...الخ، اولئك جميعاً تعني ان "التقوى" او "الاتقاء" هو الحصيلة المطلوبة من الآدميين ولكن ـ وهذا هو السؤال الاهم ـ هل ان هذه السمة تتجسد ـ كما طرحنا هذا السؤال من قبل ـ في سلوك الآدميين بنحوها المطلوب؟
اعتقد ان الاجابة تتضح بجلاء، وهو النفي من هنا فان الزيارة التي تتحدث عنها وقد انشأها امام معصوم هو علي الهادي(ع)، أي الامام الذي يجسد التقوى بتمام دلالتها، هذه الزيارة عندما تسم الائمة (عليهم السلام) بانهم "المتقون" فهذا يعني ان "التقوى" بتمام دلالتها هي المنسجمة عليهم (عليهم السلام)، لذلك، فكما ان سمة "العصمة" تنحصر فيهم وفي الشخصيات المصطفاة من الله تعالى "كالانبياء واوصيائهم" مثلاً كذلك سمة "التقوى" تنحصر في الاسماء المشار اليها.
اذن عندما يقول النص عن الائمة بانهم "متقون" انما يقصد بها التقوى في دلالتها التي استهدفها الله تعالى، وهي الالتزام بمبادئ الله تعالى دون ان تقترن بما ينافي ذلك.
ونتجه الى سمة اخرى هي "الصادقون" وهذه السمة بدورها تكتسب خصوصية منحصرة في الاسماء المعصومة المصطفاة بصفة ان "الصادق" في دلالته الكاملة هو الصادق في تعامله مع الله تعالى ... ولذلك طلب الله تعالى من المؤمنين ان يكونوا مع "الصادقين" في الآية المباركة المصرحة بذلك.
هنا قد يسأل احدكم فيقول ان "الصدق" سمة تنسحب على "الكلام" فكيف نستخلص انسحابها على مطلق السلوك؟
للاجابة على السؤال المتقدم، نشير الى نص ورد عن المعصومين (عليهم السلام) حيث ورد عنهم هذا النص (من صدق لسانه زكا عمله) بصفة ان الانسان اذا صدق في كلامه يكون بذلك قد عبر بصدق عن اعماقه، وهذا بدوره ينسحب على العكس، أي عندما يحرص على ان يصدق في لسانه فانه يقتاد الى ان وعده "وهو الحرص على صدق الكلام" يقتاده الى ان يحرص على "انجاز" ما وعدك به.
بيد ان الاهم من ذلك هو ان "الصدق" في التعامل مع ظواهر الحياة العادية يقتادك الى الصدق في التعامل مع الله تعالى ... كيف ذلك؟
من البين ان النبي(ص) كان قبل نبوته متسماً بسمة الصدق وصدقه المشار اليه قد انسحب على صدقه مع الله تعالى، فاصبح بذلك "نبياً ورسولاً" لله تعالى، من خلال انسحاب سمة "الصدق" في تعامله العادي على "الصدق" في تعامله مع الله تعالى وفي ضوء هذه الحقيقة نتجه الى المعصومين، حيث ان سمة الصدق منسجة ـ في تعاملهم العام ـ على تعاملهم مع الله تعالى ولذلك اصبحوا معصومين من الذنب، والخطأ، ومطلق ما هو سلبي من السلوك، فاستحقوا بذلك صفة (الصادقين)، ولذلك امر الله عز وجل باتباعهم كما يتضح من هذا الحوار التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان:
*******
المحاور: سماحة الشيخ وصفت الزيارة الجامعة ائمة اهل البيت سلام الله عليهم بأنهم هم المتقون الصادقون، السؤال هنا عن ادلة كون اهل البيت سلام الله عليهم، لعل في هذه العبارة من الزيارة اشارة الى الآية الكريمة «اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»ادلة كون الصادقين في هذه الآية الكريمة المقصود منها ائمة اهل البيت ما هي؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، انتم اشرتم الى قوله تعالى «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» هذه الآية آية عظيمة جداً في حق من امرت المؤمنين والناس جميعاً ان يكونوا معهم، احب، حبذا لو تسمحون لي قبل ان ادخل في الروايات او المنقول ان نتحدث في ظل الآية الكريمة لنستفيد شيئاً من نفس الآية الكريمة، اولاً الآية تخاطب الذين آمنوا، يعني ليس من المتقرب لانسان ليكون من هؤلاء الصادقين الا اذا كان من الذين آمنوا بالله ورسوله بمعنى ان الكون في هذه المرتبة هو تكليف لا حق على الكون مع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وهم الذين يلقبهم القرآن الكريم يا ايها الذين آمنوا ثم انه يتحدث عن مقام لا اريد ان ابلغ غاية العمق في المسألة فقط احوم حول المعنى المهم لاصل الى المقصود، يتحدث عن اولئك الناس الذين اختاروا هم الايمان قال يا ايها الذين آمنوا يعني يا ايها الذين اختاروا الايمان برسوله اتقوا الله، التقوى الحقيقية لله ورسوله طلبت من هؤلاء المؤمنين هم على درجة من التقوى بحد ذاتها، نفس ايمانهم بالله ورسوله يدل على انهم على درجة من التقوى فهم يطلب منهم درجة من التقوى اعلى من تلك الدرجة التي هم فيها وهم عليها فتشير الآية الكريمة في ذيلها وكونوا مع الصادقين كأنها تريد ان تبين ان مقام اتقوا الله الذي يكون بعد الايمان بالله ورسوله هو مقام الكون مع الصادقين، تعابير عديدة هنا، يمكن ان يعبر اتقوا الله وكونوا من الصادقين، يمكن ان يعبر اتقوا الله وكونوا في الصادقين ويمكن ان يعبر والتعبير الوارد في الآية والمعنى يختلف اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
المحاور: يعني يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً تعبير قرآني خاص لابد له دلالات؟
الشيخ حسان سويدان: على هذا الاساس نحن لابد وان نتأمل اولاً الصادق في اصل اللغة هو الانسان الذي يطابق قوله الواقع اسم الفاعل هنا في الآية الكريمة هو الذي يطابق خبره الواقع، هنا لم يأمرنا الله سبحانه وتعالى ان نكون من الصادقين على ان نكون من الصادقين على درجة من الصدق ولم يأمرنا سبحانه وتعالى بأن نكون في الصادقين ايضاً بمعنى آخر منهم ولكنه تعبير ابلغ على الكون منهم بأن نكون فيهم كأنهم ظرف لنا، بل قال اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، اذن فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بعد الايمان بالله ورسوله بدرجة من التقوى، هذه لا تكون الا اذا كنا مع اولئك الصادقين اذن هنا لا معنى لان يكون المراد هو الذي يصدق في قوله ولو في بعض الحالات.
المحاور: شكراً جزيلاً مستمعينا الى ما تبقى من البرنامج.
*******
اذن سمة (الصادقين) تظل كسائر سمات الائمة (عليهم السلام) منحصرة في دلالتها التامة بطبيعة الحال في الشخصيات المعصومة التي اصطفاها الله تعالى، حيث تعاملت مع الله تعالى بصدق تام... وهذا ما ينبغي ان يحملنا على الدعاء الى الله تعالى بان يوفقنا الى ان نكون صادقين في اداء وظيفتنا العبادية، انه ولي التوفيق.
*******