أرادت أن تستعد لحفل زفافهما في أسرع وقت، وأن تحمسها لارتداء فستان الزفاف الذي اختارته لم يفارق ذهنها ولو للحظة، لم يبق شيء لحفل زفافهما، لقد شاهدا عدة قاعات في أصفهان، وكان قد تم التنسيق مع استوديو التصوير الفوتوغرافي ولم يبق سوى دعوة الضيوف وطباعة بطاقات الزفاف.
لكن في اليوم المحدد الذي جاءت فيه عائلة العريس من إصفهان إلى قم لعقد اجتماع عائلي والمحادثات النهائية حول حفل الزفاف، غيرت العروسة رأيها، وبالقطع أن مقطع فيديو مدته 30 ثانية لطفل من غزة غير رأيها.
ربما وجبتان أو ثلاث، كان أكبر من ذلك الجالون من الماء، أنا أتحدث عن الصبية الفلسطينية التي يمكن تخمين عمرها ثلاث أو أربع سنوات، شعرها مربوط على شكل كعكة وتسحب جالون الماء خلفها بيديها الصغيرتين وتمشي ببطء عبر الأنقاض.
وبعد بضع خطوات، يرهقها ثقل الماء. تتوقف وتأخذ نفسًا وتسحب جالونًا من الماء خلفها مرة أخرى. صبية ربما يصمت العالم عن اضطهادها، لكن هنا في إيران، وبسبب معاناتها، تم إلغاء حفل زفاف "طهورا نكوهي" و"ميلاد أمير يوسفي"، وهما زوجان من الثمانينات.
30 ثانية كافية لإيقاظ العالم
لقد رتبا حفل زفافهما بطريقة بسيطة، في غرفة الزفاف عند مرقد السيدة فاطمة المعصومة (س)، ولكن كان من المفترض أن يتم حفل زفاف أكثر تفصيلاً. دعوة 200 من الأقارب والاحتفال وأداء الطقوس. وكانت عائلة العريس من مدينة إصفهان وعائلة العروس تعيش في قم المقدسة. ولهذا السبب تقرر في ذلك اليوم أن تجتمع العائلات معا وتتخذ قرارها النهائي.
قبل لقاء العائلة، أمضت "طهورا وميلاد" بضع ساعات خارج المنزل للحديث عن الحفل. كانت "طهورا" قلقة، أرادت أن يقع التقويم على الدورة السريعة وأن ترى نفسها بفستان الزفاف مبكراً وفي منتصف حفل الزفاف. كانا جالسين في الكافتيريا وكانت "طهورا" تتحدث عن تفاصيل الأشياء التي يتعين عليهما القيام بها في الحفل، لكن "ميلاد" كان مشتتًا في مكان آخر.
وتقول "طهورا": "سألت يا سيد ميلاد لماذا أنت مشتت؟! أخذ هاتفه المحمول إليّ وأظهر لي مقطع فيديو للطفل الفلسطيني وهو يسحب زجاجة المياه خلفه بألم شديد وصعوبة. وبالإضافة إلى زوجتي، أثر فيّ هذا الفيديو أيضًا، حيث لم يعد لديّ شوق لحفل الزفاف. كيف لي أن أدفع هذا المبلغ من أجل سعادة شخصية وأتجاهل حزناً كبيراً؟!.
ولم تفارق صورة ذلك الطفل عيني "طهورا" ولو للحظة واحدة. لم تعد تريد أن تقيم حفل زفافها عندما كان بإمكانها أن تروي عطش وجوع الأطفال في غزة ولبنان بهذه التكاليف.
ابتسامة طفل غزة هي صورة لا تنسى من حفل الزفاف
في اليوم الذي وهبت فيه والدتها أقراطها لشعب لبنان خلال حركة التبرع بالذهب، أرادت "طهورا" أيضاً أن ترسل هدية للمقاومة، لكنها لم تستطع. الآن تم إعداد الفرصة واتخذت "طهورا" قرارها، وكانت خائفة فقط من معارضة الأسر، وأنهم سيرفضون. ولم تعد قادرة على إرغام نفسها على ارتداء فستان الزفاف وإنفاق كل هذا المال على حفلة غير ضرورية وبضع ساعات من المرح في إحدى الليالي عندما لم يكن لدى العديد من الأطفال في غزة ماء أو طعام ليأكلوه.
تم عقد اجتماع عائلي، وحددت الأهل الموعد وخططهم، حتى أنهم كانوا قد صلوا على النبي الأكرم (ص) في آخر الاجتماع، عندما فاجأت "طهورا" الجميع بقرارها:
"أنا لا أريد حفل الزفاف، أنوي التبرع بجميع تكلفة زواجنا لجبهة المقاومة".
ولم يعترض زوجها لقرارها، واكتفت أسرة زوجها أيضًا بالطلب من "طهورا" التأكد من قرارها وعدم الندم على حفل زفافها بعد سنوات. لكن "طهورا" كانت متأكدة. إن عيون تلك الفتاة الصغيرة جعلتها مصممة على فهم هموم العائلات، ولكن إذا ندمت على شيء ما، فإنها بالتأكيد ستندم على عدم قدرتها على تقديم المزيد لأطفال غزة ولبنان. وطمأن الأهالي عندما قال: "سوف نتناول العشاء، كل المصاريف التي ننفقها هي لتلك الليلة وستنتهي، ولكن ما سيبقى معنا طوال العمر هو ابتسامات أطفال غزة."
فساتين الزفاف التي تم التبرع بها
عُقد الاجتماع مرة أخرى، لكن هذه المرة لحساب مصاريف العرس والتبرع بما يعادله للمقاومة. ليصبح فستان زفاف "طهورا" ومعطف العريس "ميلاد" ملابس دافئة وناعمة لأطفال غزة ولبنان. عسى أن يزيل عشاء زفافهما معاناة أيام الجوع من قلوب أطفال المقاومة المظلومين، ويكون حفل زفافهما ذريعة لابتسامة الأطفال الذين هدمت منازلهم وتشردوا هم أنفسهم.
وعندما أسأل "طهورا" عن مشاعرها، تقول: "لقد كان هذا القرار مباركًا بالنسبة لنا لدرجة أننا نشعر بفرحة وحلاوة زفافنا كل يوم، خاصة عندما نفكر في الهدف المقدس الذي بدأنا به حياتنا، وليس اتباع العادات بشكل أعمى عن الطقوس.
ومن المثير للاهتمام أن أقول إن الله أظهر بركات هذا العمل واحدة تلو الأخرى في حياتنا، وعلى سبيل المثال، قرر أطفال قاعدة الباسيج في جامعنا في قم المقدسة أن يقيموا لنا احتفالًا بسيطًا".
وفي منتصف المقابلة مع "طهورا"، أتذكر "زهراء"، الفتاة التي التقيتها منذ فترة. كما ألغت هي اللحظات الأخيرة من حفل زفافهما وأعطى كافة تكاليف الحفل للبنان. أفكر بفتيات بلادي، بالفتيات اللاتي يفتدين بأجمل ليلة في حياتهن، لكي يأتي اليسر بعد هذه الأيام الصعبة، ويتحقق وعد الله بـ "فإن مع العصر يسرا".
الفتيات اللواتي يتبرعن بفستان زفافهن الأبيض اقتداء للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، حتى يلبسنه في وقت ومكان أفضل، مثلاً يوم تحرير القدس في باحة الحرم الشريف.
وكالة فارس