لا نزال مع زيارة الجامعة وهي الزيارة الكبيرة التي انشأها الامام علي الهادي(ع) بناء على طلب احدهم بصياغة زيارة بليغة... ولذلك تعد الزيارة المشار اليها من النصوص المتسمة بأهمية كبيرة نظراً لضخامة مضمونها وبلاغة عبارتها المهم سبق ان حدثناك عن هذه الزيارة بحسب تسلسلها ووصلنا الى هذه العبارات المسلمة على الائمة عليهم السلام، ودرجتهم عند الله تعالى، وانهم ـ كما يقول النص (خيرته وحزبه وعيبة علمه...) هذه السمات بطبيعة الحال جزء من عشرات السمات التي خلعها النص على الائمة عليهم السلام ويعنينا ان نحدثك الآن عن السمات الثلاث المتقدمة وهي ان الائمة عليهم السلام خيرة الله وحزبه وعيبة علمه... اذن لنتحدث عن ذلك...
لا نحسب ان احداً منا يجعل الدلالة اللغوية لهذه المفردات الخيرة الحزب العلم.... لكن من الممكن مثلاً الا يعرف بعضنا عبارة"عيبة علمه" ولذلك نسارع الى توضيح هذه المفردة لنتجه الى القاء الانارة على المفردات الثلاث بالرغم من اتسامها بالوضوح كما قلنا الا ان جملة نكات قد تخفى عليك يحسن بنا ان نلقي الاضاءة عليها كما قلنا ...
بالنسبة الى عبارة "عيبة علم الله" يمكننا ان نحددها بدلالة هي ان العيبة لغة هي جهاز كالصندوق يحفظ الشيء كما تعني موضع السر، وهذا يدلنا على ان المقصود من عبارة ان الائمة عليهم السلام هم "عيبة علم الله" هو انهم موضع اسرار الله تعالى لكن ثمة تساؤل مهم هو: ان العبارة تقول بان الائمة هم موضع سر الله تعالى من حيث الاسرار المتصلة بالعلم ولذلك فان التساؤل هو ما هو العلم المستهدف هنا؟ هذا ما يتطلب شيئاً من الانارة ما دمنا مطالبين عبر قراءتنا للزيارة بمعرفة ما نقرأ حتى تصبح الزيارة ذات فاعلية لنا.
اذن للمرة الجديدة لنبحث عن العبارة المتقدمة أي العلم والسر الكامن وراءه وايداعه عند الائمة (عليهم السلام).
ان قارئ الزيارة لابد وان ينتقل من عبارة "العلم" بالنسبة الى ذهنه الى علم خاص بالله تعالى دون ان ينسحب على البشر الا الخاصة والا اذا كان العلم المقصود هو المعرفة البشرية العامة حينئذ لا خصوصية للانبياء او الائمة عليهم السلام اذن لابد وان يكون العلم هنا هو العلم الذي خص الله تعالى به الائمة (عليهم السلام)...
لكن مع ذلك فان العلم لابد وان يشمل خصوصياته ايضاً أي ان المبادئ التي رسمها الله تعالى للبشرية بواسطة الانبياء قد تحتاج الى اضاءات او تفصيلات لما هو مبهم ويحمل فهماً.... كما ان من يتلقى المعرفة او العلم من الرسل والانبياء لابد وان يتسم بقابلية خاصة تتناسب وحجم المعرفة التي يستهدف توصيلها الى الآخرين.
هنا تكمن نكتة مهمة هي ان الله تعالى اودع النبي(ص) علماً خاصاً والنبي(ص) ذكر بانه اوصل المعرفة الى الامام علي(ع) والامام(ع)اوصل بدوره ذلك الى ذريته وهكذا من هنا فان مصدر المعرفة يظل منحصراً في النبي(ص) وأهل بيته (عليهم السلام) ... وهذا هو معنى العيبة او "موضع السر" الذي جعله الله تعالى في الشخصيات المصطفاة لذلك نجد ان الزيارة "وهي البليغة كما قلنا" قد انتخبت عبارة او استعارة "العيبة" لتعبر بها عن العلم الخاص الذي يتفرد به الائمة (عليهم السلام) تماماً كالاسرار الخاصة التي لا يعلمها الا اصحابها ومن استودع لديه ذلك.
اذن: امكننا ان نتبين بوضوح ماذا تعنيه الاستعارة القائلة بان الائمة (عليهم السلام) هم "عيبة علم الله" أي الاسرار المعرفية التي خص الله تعالى بها نبيه(ص) والائمة (عليهم السلام)... من هنا نستخلص دلالة في غاية الاهمية هي ان النبي(ص) والائمة (عليهم السلام) هم مصدر المعرفة أي المذهب الحق وما عداه لا قيمة له البتة ما دام يستقي مادة المعرفة من غير مصادرها بخاصة ان الاستعارة التي استخدمها الامام وهي "العيبة" التي تعني موضع السر وتعني في الاصل "جهازاً كالصندوق" يجعل القارئ متداعياً بذهنه الى وظيفة الصندوق حيث يحفظ فيه الشيء ولا يمكن لاحد ان يتعرف على ما فيه الا اذا وقف بنفسه مشاهداً لما في الصندوق من المواد وهذه المواد هي المعرفة التي خص الله تعالى بها نبيه(ص) والائمة عليهم السلام وطالبنا بان نلتزم بها والا نحيد عنها.
اللهم اجعلنا من المتمسكين بالنبي(ص) وبالمعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) والملتزمين بمبادئهم انه ولي التوفيق.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج امناء الرحمن بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ حسان سويدان اهلاً ومرحباً بكم:
المحاور: سماحة الشيخ قلتم في الحلقة السابقة ان التكامل في ادوار الائمة (عليهم السلام) في حفظ الدين يحتاج الى تتمة من زاوية اخرى بعد ان اشرتم الى ان الحسين (عليه السلام) حفظ الدين بدمه وشهادته والامام السجاد حفظ الدين وحفظ قيمة بالصحيفة السجادية ورسالة الحقوق كل من جانبه ماهي التتمة الاخرى لهذا الموضوع؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين طبعاً الحديث عن الصحيفة السجادية طويل لكن نطوي عنه وان لم يطوى عن عقولنا وقلوبنا، بعد هذه المرحلة، المرحلة البارزة والمهمة نستطيع ان نعبر عنها هي تشييد دعائم مذهب اهل البيت ثقافياً وفكرياً وهو الدور والعبء العظيم الذي قام به الامام الباقر او بدأ به الامام الباقر ورفع بنياته الامام الصادق (عليه السلام) للظرف الذي تغير على القاعدة التي تحدثنا في بداية هذا الكلام، ان الامام المعصوم تغير ظرفه في النصف الثاني من امامة الامام الباقر (عليه السلام) لان الوهن بدأ يدب في الدولة الاموية وبدأت الثورات المتتالية عليهم وبدأت الدولة العباسية بالقيام، اتخذ ائمة اهل البيت (عليهم السلام) فرصة خصوصاً وان العباسي في بداية حركته كان يدعو للرضا من آل محمد (صل الله عليه وآله) اتخذوها ذريعة لتعليم الامة للشعائر الدينية لعل المؤمن يستغرب اذا قلنا ان اكثر الناس حتى من الشيعة المحسوبين على خط اهل البيت لم يكونوا يحسنون اكثر شعائر دينهم قبل مرحلة الامام الباقر للظروف الصعبة التي كانوا يعايشونها ولدي نصوص لبعضهم يصرح بها على ذلك، لم يكونوا يحسنون مناسك حجهم ولا اداء صلواتهم بشكل دقيق.
المحاور: يعني وضوء النبي (صل الله عليه وآله) لم يكن معروفاً بالصورة الصحيحة؟
الشيخ حسان سويدان: اختلف عليه المسلمون وهو يتوضأ بينهم ثلاثة وعشرون سنة بهذه الكيفية على اي حال فقامت الجامعة العلمية العظيمة وبدأت التخصصات العلمية الآن الجامعات في القرنين الاخيرين تتشدق كثيراً بالتخصصات والامام الصادق (عليه السلام) انشأها حتى العلوم الانسانية ايضاً ليست العلوم الشرعية فقط تجد مثلاً يعلم جابر بن حيان علم الكيمياء، يعلم بمجموعة من اعاظم تلامذته كهشام بن الحكم ومحمد بن نعمان المعروف بمؤمن الطاق ونظراء لهما يعلمهما علم الكلام وتجد الى الآن مناظرات كثيرة وكثيرة جداً فيما يرتبط بأمور الدين مناظرات مع اناس يخالفون مدرسة اهل البيت في داخل المجتمع الاسلامي ومناظرات عديدة مع ملاحدة و زنادقة والى ما هنالك.
المحاور: وحتى من اتباع الديانات الاخرى.
الشيخ حسان سويدان: نعم الآن اذا جئنا الى زمن الامام الرضا (عليه السلام) هذه القضية واضحة مجالس الامام الرضا (عليه السلام).
المحاور: يعني هذا ايضاً دور متكامل؟
الشيخ حسان سويدان: بلاشك ولاريب الامام بدأ يثمر ادوار الثمر الذي غرسه وزرعه الامام الباقر والامام الصادق(ع) من هنا صار هناك بنيان فكري قوي وواعي، انت تعلم والكل يعلمون ان اي مذهب حتى يتكامل على اساس الغيب والايمان الرباني يحتاج الى دعا متين اساسيتين روح شفافة ومنطق عقلي سليم، ابتدا الامام زين العابدين لان الظروف كانت تسمح بهذا طبعاً تابع بقية الائمة الادعية ليست بالقليلة الواردة عن الامام الباقر وعن الامام الصادق والامام الكاظم والامام الرضا (عليه السلام) مع ذلك نرى ان التركيز الاساسي كان على تركيز البنى والجوانب الفكرية بعد مرحلة الامام الصادق صار مرحلة مذهب التشيع واضح البنى والعرى على المستوى الروحي والمستوى الثقافي والمنطق القوي الحصين ايضاً.
المحاور: عندما تقولون سماحة الشيخ مذهب التشيع تقصدون بلا شك الاسلام المحمدي النقي الاصيل.
الشيخ حسان سويدان: بلا شك ولا ريب نحن نعتقد ان الاسلام الحقيقي هو الذي استمر في خط اهل البيت (عليهم السلام).
المحاور: سماحة الشيخ تبقى قضية يدور السؤال عنها هي قضية الامام المهدي (عليه السلام) وما يقوم به من حفظ للدين في غيبته بأعتبار ان الحملات على الدين وضد الدين مستمرة هذه هو ان شاء الله موضوع سؤالنا في الحلقة المقبلة.
*******