ثم لما ألجأت السيد الحسني الظروف القاسية إلى الهجرة كان سفيراً لهم عليهم السلام في بلاد الري (إيران) ينشر إشراقات هديهم ويبث اشعاعات فضلهم وعلمهم وينهج سلوكهم ويوضح شرائعهم وأحكامهم.
ولد السيد عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) في اليوم الرابع من ربيع الثاني عام 173هـ في المدينة المنوّرة، ولقب بـ (الحسني) نسبة إلى جدّه الإمام الحسن السبط (ع) أما أمّه فهي السيدة فاطمة بنت عقبة بن قيس وقيل بنت إسماعيل بن إبراهيم وقد تزوج من بنت عمّه السيدة خديجة بنت القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) فأنجبت له ولداً وبنتاً هما: محمداً وأم سلمة.
مع الأئمة المعصومين عليهم السلام
عاصر السيد عبد العظيم الحسني أربعة من أئمة أهل البيت (ع) وقد اختلف في الأئمة الذين عاصرهم فقيل إنه عاصر كلاً من الإمام الكاظم والرضا، والجواد، والهادي (ع) وقيل عاصر الرضا والجواد والهادي (ع) وقيل عاصر الجواد والهادي الذي توفي في زمنه غير أن الذي يحدد ذلك هو تاريخ مولده ووفاته فقد ولد عام (173هـ) وهذا يعني أنه أدرك عشر سنوات من إمامة الكاظم (ع) الذي توفي سنة (183هـ) أما وفاته فكانت في الخامس عشر من شوال سنة (252هـ) وهذا يعني أنه عاصر الإمام الرضا (ت 203هـ) والجواد (ت 220هـ) وتوفي قبل وفاة الإمام الهادي بسنتين حيث توفي (ع) سنة (254هـ) كما عاصر الإمام العسكري (ع) الذي ولد (ع) في عام (232هـ).
الجو السياسي
عاش السيد عبد العظيم الحسني في أقسى فترات العصر العباسي على أهل البيت والشيعة وأكثرها إرهاباً ودموية فقد عاصر السيد عبد العظيم المتوكل الذي تولى الخلافة من عام (232هـ) إلى (247هـ) يقول أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين): (وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتماً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم، فبلغ بهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ... )
فاضطر السيد عبد العظيم إلى الفرار من هذا الجو السياسي المظلم ويبدو أن خروجه من سامراء إلى الري كان في زمن الإمام الهادي (ع) (212هـ/254هـ) لأنه كان قد التقى بالإمام في سامراء ولم يرجع من سفره ومات في الري, وقيل إن خروجه من سامراء كان بإيعاز من الإمام الهادي (ع) خوفاً عليه من بطش السلطة التي شددت من ضغوطها على أصحاب الإمام.
خرج السيد عبد العظيم بزي مسافر ووصل الري فأقام في بيت لأحد الشيعة الثقات وتفرّغ للعبادة فيه فكان لا يخرج منه إلا متخفياً لزيارة قبر السيد حمزة بن موسى بن جعفر (ع) الذي رافق الإمام الرضا (ع) إلى خراسان وقد وصف الشيخ محمد حرز الدين في مراقد المعارف السيد حمزة بأنه: (كان من العلماء والأجلاء والفقهاء الورعين، وكان يقول بإمامة أخيه علي بن موسى الرضا كان قائماً بخدمته في الطريق، ساعياً في مآربه، طالباً الرضا وممتثلاً لأوامره، فخرج عليه قوم من أتباع المأمون فقتلوه وقبره في بستان في مدينة ري).
كان السيد عبد العظيم يجد في زيارة قبر السيد حمزة بعض السلو وهو في هذه البلاد البعيدة عن موطن آبائه وأجداده وأهل بيته وبني عمومته بعد أن حُرم منهم وخاصة فراقه لأئمته المعصومين (ع) الذين كان يجد فيهم الملاذ والأمن والقدوة فكان دائم الحنين إليهم ولم يُكتب له أن يراهم مرة أخرى حيث مات غريباً فدفن قرب قبر السيد حمزة.
بقي السيد عبد العظيم في بيت الرجل الشيعي الذي لم يذكر لنا التاريخ اسمه ولعل سبب ذلك أنه لم يذكره الشيعة في ذلك الوقت خوفاً عليه من السلطة العباسية فبقي اسمه مجهولاً ثم عرف الشيعة مكانه شيئاً فشيئاً فكانوا يتوافدون إليه للتبرك به ويأخذون أحكام دينهم ويتعلمون منه أمور دينهم.
توفي السيد عبد العظيم الحسني في الخامس عشر من شوال سنة 252هـ في زمن الإمام الهادي (ع) ولما أرادوا تغسيله وجرّدوه من ثيابه وجدوا في جيبه رقعة كتب عليها اسمه ونسبه كاملاً.