إن ما يجري على الشعب الفلسطيني من جرائم قتل للأطفال والنساء وتدمير المنازل والتهجير والجوع والعطش وانتشار الأمراض يدمي القلوب، وجاء ذلك في كلمة له خلال حفل اختتام فعاليات مهرجان تراتيل سجادية الدولي بنسخته العاشرة.
وقال الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة في كلمته، إن “الباحثين تناولوا رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) كثيرا في زمن يتزايد فيه طرح حقوق الانسان ولوائحها، من قبيل حقوق الانسان على الطريقة الغربية”، مبينا ان “المعلوم أن حقوق الانسان هي حق مكتسب هدفها التخلص من الجور والاستبداد والظلم والفقر والتشرد والاضطهاد والحفاظ على كرامة الانسان وحريته والعيش على أرضه عزيزا كريما”.
وأضاف، “لقد تبنى الإسلام بصورة جادة وموضوعية جميع حقوق الإنسان، ورصد له أروع الأحكام التي تنظم حياته وقومياته ولغاته ومذاهبه، وليس في تشريعاته ما يشذ عن الطبيعة، فالإسلام أهتم بعمق وشمولية بالإنسان، ووقف على جميع أبعاد حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فوضع له المناهج السليمة التي توفر له الحقوق التي لأغنى له عنها، ومن أبرزها أن تسود العدالة الاجتماعية بأوسع معانيها في الأرض، ويعيش الإنسان حياة وادعة أمنة ومطمئنة يعمها الرخاء والأمن والاستقرار.
لذلك فإن حقوق الإنسان التي أعلنها الإسلام هي التي توفر للمجتمع الحياة الكريمة في ظل نظام أمن مستقر لا طغيان فيه ولا ظلم ولا استبداد ولا تسلط للحاكم على المحكومين، فالسيادة للقانون الذي شرعه الإسلام، ويسري على الحاكم والمحكوم على حد سواء، فلا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى التي هي المقياس في التفاوت بين الناس وضرب لنا أروع الأحكام والتشريعات التي تلبي حاجة الإنسان المادية والروحية”.
وتابع، “تمثل رسالة الحقوق السمو الفكري والروحي الراقي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، ورسالة الحقوق عمل علمي عظيم يستدعي دراسة موضوعية عميقة شاملة نقف من خلالها على أبعاد دلالتها على حركة الإمام زين العابدين (عليه السلام) الاجتماعية، نظرا لأهمية حقوق الإنسان وأهميتها التي أصبحت حديث أغلب الطبقات والفئات وأمرا يمس جوانب الحياة ومناحيها كلها وفي كل مكان، وإمكانية أن تكون مقررا دراسيا لكل المراحل الابتدائية والثانوية والجامعة بل حتى رياض الأطفال”.
وأشار الى، أن “حقوق الانسان أصبحت موضع اهتمام الدول والمؤسسات والمنظمات والمفكرين والباحثين، فقد أثارت جدلا طويلا حول من الاصلح ومن الاشمل ومن الأسبق في مجال حقوق الانسان، لذك كان لا بد من أجراء الموازنة بين قطبين أساسيين لنظريتين الأولى أسلامية تمثلت برسالة الحقوق للامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، والثانية تمثلت بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1948,
ولقد كان الإسلام أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الانسان في أكمل صورها وأوسع نطاقها منذ عهد الرسول الHكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم)”، لافتا الى أن “الإسلام منذ بداية الظهور اقر للإنسان حقوقا، وهذه الحقوق منحها الله وليس هناك فضل لاحد من الخلق في منحها يستبد بها ويتحكم فيها كيف ما يشاء، كما نراها اليوم في ما يسمى بلوائح حقوق الانسان الذي تتحكم وتستبد بها بعض الدول الغربية فهي ليست حقوقا طبيعية وأنما هي منحة من العلي القدير تستمد من أحكام القرآن، مما أكسبها الهيبة والاحترام والقدسية، وهي الضمانة الأساسية ضد الاستبداد والهيمنة التي تفرضها بعض الدول الكبرى على الشعوب بحجة الدفاع عن حقوق الانسان”.
وزاد، “لقد تفاخرت واستأثرت بعض الدول باحترام حقوق الانسان، وهي بعيدة كل البعد عن تنفيذ حرف واحد من هذه الحقوق بل ينبغي أن تضع نفسها في دائرة الاتهام والمحاسبة، لما ترتكبه من جرائم فظيعة وتنتهك حقوق الانسان في أبشع صورها، انتهاكات وجرائم يندى لها جبين الإنسانية وبطريقة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيل.
ولا يخفى على الجميع أن ما يجري اليوم على الشعب الفلسطيني من جرائم قتل للأطفال والنساء وتدمير المنازل والتهجير والجوع والعطش وانتشار الأمراض التي تدمي القلوب بسبب الاعمال الهمجية والوحشية والارهابية التي يرتكبها يوميا الكيان الصهيوني الغاصب في مدينة غزة، وبمباركة من الدول التي تتبنى وتتشدق بحقوق الانسان متناسية القوانين والمواثيق الدولية التي وقعت على اقرارها منذ الإعلان عن لائحة حقوق الانسان، وأمست العرب تتفرج وتقف بعيدا فوق التل وتفتخر على سائر الأمم والشعوب والعجم بأن دين محمدا منها ولها وأمست غزة والقدس وأهلها مقتولين ومشردين”.
ونوه: “كان الإمام ينفق كثيرا ويقوم بتحرير العبيد لأهداف وأبعاد إنسانية للقضاء على مظاهر الطبقية في المجتمع من خلال شراء العبيد وعتقهم ومعاملتهم معاملة إنسانية، فأوجد تشكيلا اجتماعيا مؤثرا يحترم الامام ويكن له كل التقدير والاعتزاز والحب والولاء ، وكان يشترط عليهم الخروج من المدينة والعودة الى بلدانهم لنشر فضائل ورسالة أهل البيت (عليهم السلام) التي هي رسالة السماء، فبعد هذه السيرة العطرة لأمامنا وهذا الارث الديني والفكري والعقائدي والانساني ووثيقة رسالة الحقوق العظيمة ليس أمام المسلمين خيارات أخرى غير الاهتمام بتخليد تراثهم والنهل من عطائهم، من خلال تأسيس المدارس والكليات والجامعات والمراكز الثقافية، التي تتبنى هذه النهج المحمدي لترفع مجتمعاتنا ونحررها من الاستعباد والاحتلال الفكري والعقائدي والديني، الذي سيطر على عقولنا وجوارحنا من خلال الغزو الالكتروني الثقافي الذي يريد أن يعيد الامة الى الوراء والى الهمجية والانحلال والاستعباد والفساد الاموي والى عهود الظلام التي لازالت آثارها شاخصة أمامنا وفي مجتمعاتنا”.
وأضاف “أتمنى لهذا المؤتمر (تراتيل سجادية النسخة العاشرة ) النجاح الكبير وللأخوة والاخوات دوام التوفيق في أصلاح شأن الامة الانسانية والاسلامية وشعوب، اذ أن رسالة الامام السجاد (عليه السلام) العبادية والحقوقية ليست حكرا على طائفة أو قومية أو دين، فهي رسالة إنسانية واجتماعية جامعة لكل الفضائل فهي مستمدة من رسالة السماء”.