بسم الله وله الحمد ملاذ العائذين والصلاة والسلام على العروة الوثقى والحبل المتين محمد الامين وآله الطيبين.
السلام عليكم أعزاءنا أهلاً بكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نستهله بأبيات رقيقة في زيارة الحبيب المصطفى تشوقاً لشفاعته وهي من نظم الاديب تقي الدين بن عبد الغني الرافعي يقول فيها:
يا من بدا من نوره كل نور
حتى استوى فيه الخفى والظهور
تعلم ما في النفس من حاجة
يا عالم الغيب بما في الصدور
هب لي الرضا من كنز حبي الذي
تجارة الصبّ به لن تبور
قصدته عن بعده زائراً
والشوق يحدو بي الى ان ازور
قصدته للدين قبل الدنا
فإنما الدنيا متاع الغرور
ومذ تمثلت بأعتابه
مستشفعاً ابكي ووجدي يثور
شعرت بالاستار من دونه
والقرب كم يقضي برفع الستور
اما المقطع الذي انتهينا اليه في الحلقة السابقة من نص زيارة مولانا المختار (صلى الله عليه وآله) من بعيد فهو الذي يدعو فيه الزائر ربه الجليل جل جلاله بعد ركعات صلاة الزيارة قائلاً: «اللهم إني اعوذ بك من ان تفضحني في ذلك اليوم بين يدي الخلائق بجريرتي، او ان القى الخزي والندامة بخطيئتي او ان تظهر فيه سيئاتي على حسناتي او ان تنوه بين الخلائق بأسمي يا كريم يا كريم، العفو العفو، الستر الستر».
في هذا المقطع وكما تلاحظون يستعيذ زائر النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) من بعيد، يستعيذ بربه الغفور الرحيم من خطر الفضيحة والخزي يوم القيامة على رؤوس الاشهاد. وللاستنارة بهذا المقطع نشير اولاً الى معنى الاستعاذة بالله عزوجل، فهي تعني لجوء العبد الى حصن الله وقدرته للتحصن به من اجل دفع أو خطر يتهدده.
وتعد الاستعاذة بالله جلت قدرته من اركان التوحيد الخالص، وقد حثت عليها كثير من النصوص الشريفة قرآناً وسنة وخصصت لها فقرات كثير من الادعية المباركة المروية عن اهل بيت النبوة سلام الله عليهم.
ولعل السر في ذلك يرجع الى كونها تجسيداً لايمان الناس بأن الله عزوجل هو محده القادر بالاصالة على اعاذة العبد بمختلف الاسباب التي شرعها جل جلاله للاستعاذة به من انواع الشرور التي تحيط بالانسان، وهي كثيرة كما هو معلوم.
*******
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة اعزاءنا نتلمسه في اللقاء الهاتفي التالي الذي أجراه زميلنا مع خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي.
المحاور: السلام عليكم احبائنا ورحمة الله وبركاته وسلام على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردت البرنامج سؤال من احدى الاخوات من قطر عن قضية الاستعاذة بالله تبارك وتعالى وتريد ان تبين لها حقيقة الاستعاذة ببيان واضح ويتناول الجانب العملي ايضاً؟
الشيخ باقر الصادقي: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان الاستعاذة هي اللجوء والاعتصام بالله سبحانه وتعالى، واعوذ بالله، يعني اعتصم بالله سبحانه وتعالى، وهذه الاستعاذة من شر الشيطان الرجيم ومن همزاته، باعتبار ان الشيطان عدو للانسان، وقد اخبرنا الله عز وجل، ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، والانسان حينما يشعر ان هناك عدو له يتربص به فلا بأس من المندوب والمستحب ان يلجأ بالله الى الله عز وجل ويستعيذ بالله عز وجل من هذا العدو خصوصاً وهو الذي اقسم بعزةرَبِّ الْعَالَمِينَ ان يغوي هذا الانسان ويظله ويقعد صِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، فلذلك تكون من جملة الامور العملية والاولياء في الحقيقة في كتب الاخلاق عقدو باباً خاصاً للاستعاذة حتى ورد في القرآن الكريم ان الانسان ينبغي له حتى في اثناء الطاعات ان يستعيذ بالله وفي اثناء عمله ودوامه واستدامته لهذه الطاعة ان يستعيذ ويلجأ الى الله عز وجل في ان يخلصه وينصره على هذا العدو، لانه ربما يستعيذ في بداية العمل وفي اثناء العمل هذا الشيطان يحاول ان يصده او ان يغير نيته او يغير الاخلاص الموجود او يجعل في العمل شائبة من شوائبه التي تفسد العمل الرياء او ما شابه ذلك، فاذن الاستعاذة هي مطلوبة في الحقيقة «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ»، القرآن الكريم هكذا يحدثنا عن المتقين وكذلك عن الاولياء دائماً هم في الحقيقة في حذر من هذا العدو الذي اقسم بعزة الله عز وجل او يظلهم او ان يحرفهم او ان يغويهم، فاذن الاستعاذة هي بمعنى اللجوء الى الله عز وجل والاعتصام بالله والاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم وهمزه ولمزه ووسوسته وحيله ومكره وخدعه وامانيه وغروره وفتنه وشركه واحزابه.
المحاور: سماحة الشيخ يمكن القول بان هنالك استعاذة قولية دعائية، يعني نفس الدعاء وطلب التأييد الالهي او الدفع الالهي لشرور الشيطان، وبالنسبة للاستعاذة العملية تكون بطاعة الله تبارك وتعالى وبدوام التوجه قلبياً له؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم بالطاعة وخصوصاً الدعاء وفي الحقيقة هو له خصوصية خاصة من مفردات العبادة اذ هو مخ العبادة وهناك دعاء للامام زين العابدين واكبته عنا بدؤوبنا في محبتك، وكذلك يذكر الامام بالمواضبة على الدعاء، هذه من جملة الامور التي لها دور في ابعاد الشيطان عن الانسان، نعم استعاذة قولية وهناك استعاذة عملية وهي بالانشغال بالطاعة وفي العمل بما يرضي الله عز وجل هي بنفسها في الحقيقة تكون نوع من انواع الابتعاد عن الشيطان في عدم الركون اليه، يعني الاشتغال في الطاعة وبالعبادة بلا شك هذا له دور في كبت الشيطان وابعاده.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احبائنا وانتم تتابعون ما تبقى من البرنامج.
*******
نرجع احباءنا ونحن نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج فاتح الخير الى المقطع الذي وصل اليه حديثنا في الاستنارة بنص زيارة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله من بعيد. وقد لاحظنا فيه ان الزائر يستعيذ بالله من ان يفضحه بذنوبه يوم القيامة، وهذه الاستعاذة تتضمن في الواقع طلبين من الله عزوجل الاول أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر لأن الذنوب هي في الواقع سبب الفضيحة والخزي يوم القيامة.
أما الطلب الثاني فهو ان الزائر يطلب من بارئه جل جلاله أن يعصمه من ارتكاب الذنوب والخطايا مستقبلاً ببركة هذا الارتباط الوجداني برسوله الاعظم صلى الله عليه وآله ولو من بعيد.
كما ان الزائر يستعيذ بالله جل جلاله في هذا المقطع من ان تبقى في كتاب اعماله خطايا وذنوب تجعل كفة السيئات راجحة يوم وزن الاعمال؛ ويوم تجسدها فتغلب على صورته الملكوتية يومئذ حالة العصيان والتمرد على أوامره الله عزوجل الزائر يطلب في هذا المقطع الستر من الله تبارك وتعالى متوسلاً اليه بكرمه وعفوه، مكرراً ألفاظ هذا التوسل لكي يعزز في قلبه الامل والرجاء بكرم الله وعفوه جل جلاله لكي لا يقنط من رحمة الله إذا نظر الى ذنوبه، فاليأس من روح الله هو من أعظم الكبائر أجارنا الله وأياكم منها جميعاً.
*******