بسم الله وله الحمد منزل الخيرات والصلاة والسلام على ينابيع البركات محمد وآله القادة الهداة.
إخترنا للفقرة الاولى رواية بليغة عن بركات فاتح الخير بعيد ولادته (صلى الله عليه وآله).
فقد روى ابن سعد في كتاب الطبقات أن حليمة السعدية لما قدمت مع زوجها وطائفة من مراضع قومها الى مكة، كان مجيئهم في وقت كان حيعم في البادية يعاني من القحط، فأقمن أياماً وصلت المراضع على اولاد أثرياء مكة بأستثناء حليمة، فعُرض عليها النبي (صلى الله عليه وآله) لكنها ترددت في بداية الامر لكونه يتيماً ثم دخل حبه في قلبها فأخذته فقالت لها أمه آمنة (سلام الله عليها): يا حليمة، إعلمي أنك قد أخذت مولوداً له شأن، والله لقد حملته فما كنت أجد.
ما تجد النساء من الحمل، ولقد أُتيت فقيل لي: إنك ستلدين غلاماً فسميه أحمد.
وهو سيد العالمين وقد وقع معتمداً على يديه رافعاً رأسه الى السماء.
وتذكر الرواية: أن النياق التي جاءت عليها حليمة وصاحبتها الى مكة كانت عجفاء جف لبنها فلما أخذت الوليد المبارك در لبن النياق وإزداد لبن حليمة التي كان لها ابن رضيع؛ فقالت السعديات لحليمة: والله إنا لنرجو أن يكون مباركاً؛ أجابت حليمة: قد رأينا بركته، كنت لا أروي إبني عبد الله ولا يدعنا ننام من الغرث (أي من جوعه لقلة لبنها)، فهو [الآن] وأخوه [تعني محمد (صلى الله عليه وآله)].
يرويان ما أحبا [من اللبن] وينامان، ولو كان معهما ثالث لروي.
نتابع الاكارم في هذه الفقرة الاستضاءة بالنص المروي عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) لزيارة سيدنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) من بعيد، وقد انتهى بنا الحديث الى فقرات الدعاء الذي يلي صلاة الزيارة، ومنها الفقرة التي يستعيذ فيها الزائر بوجه الاكرم ـ أي رسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله) من أهوال يوم القيامة الذي يذكر الدعاء بأوصافه ذات الجذور القرآنية ومنها الاوصاف التالية: «يوم تهتك فيه الاستار، وتبدو فيه الاسرار والفضائح وترعد فيه الفرائض يوم الحسرة والندامة».
وقبل ان نشير الى الدلالات المستفادة من ذكر هذه الاوصاف ليوم القيامة في دعاء زيارة المختار )صلى الله عليه وآله)، نشير إجمالاً الى أن زيارته من بعيد من شأنها أن ترسخ محبته في القلوب وتقوي الارتباط القلبي به (صلى الله عليه وآله) وبالتالي اتباعه الموجب لمحبة الله عزوجل، ولا يخفى أن الله عزوجل يحمي ويحصن أحبائه من أهوال يوم القيامة.
*******
من هنا نفهم قوة العلاقة بين زيارة نبي الله (صلى الله عليه وآله) والنجاة من أهوال يوم القيامة. المزيد من التوضيح لهذه العلاقة نستمع له من سماحة الشيخ باقر الصادقي في اللقاء الهاتفي التالي الذي أجراه زميلناً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احبائنا وسلام على ضيفنا الكريم خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ وردت في الاحاديث الشريفة جملة من المضامين التي تشير الى ان زيارة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله من قريب او من بعيد وكذلك الاولياء عليهم السلام اوصيائه لها تأثير في النجاة من اهوال يوم القيامة ما هي العلاقة بين هذه وتلك؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم.
اولاً: قبل ان نبين العلاقة، انه ورد في النصوص وعن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله نص صريح في هذا الأثر: من زارني او زار احد من ذريتي زرته في يوم القيامة حتى اخلصه من اهوالها، اذن هذا نص صريح هي ان النبي صلى الله عليه وآله يرد للزائر ويخلصه من اهوال يوم القيامة هذه نقطة.
النقطة الثانية: نحن نؤمن بان الزيارة هي نوع من تجديد العهد بين الزائر وبين المزور، فالزائر حينما يأتي الى جنب قبر النبي او قبر الولي هو في الحقيقة نوع من المبايعة ومن تجديد العهد يقول معكم معكم لا مع غيركم، ويشير الى هذا المعنى الامام الرضا عليه السلام في حديث له ان لكل امام في عنق اوليائه عهد ومن تمام الوفاء بالعهد هو زيارة قبورهم، اذن زيارة القبور هو نوع من تجديد العهد وتجديد البيعة مع المزور مع النبي او مع الامام، بلا شك هذا التجديد للعهد له آثار ومن جملة هذه الاثار ان المزور له مقام الشفاعة في ذلك اليوم ويتشفع في زائره.
النقطة الثالثة: للنبي صلى الله عليه وآله بلا شك في دار الدنيا تستوجب مجموعة ومن جملة هذه الامور هو غفران الذنوب خصوصاً الاستغفار عند قبر النبي وقد ورد في القرآن الكريم: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»، فالنبي (صلى الله عليه وآله) يسئل الله عز وجل في غفران ذنب هذا المزور، ودعاء النبي لا يرد لانه معصوم وله الجاه الوجيه عند الله، اضف الى ذلك ان الامام الباقر (عليه السلام) كما في حديث اقبل احد المقربين ودخل على الامام الباقر وقال: سيدي ومولاي انا لا احتاج الى شفاعة جدك في يوم القيامة، يعني عندي صلاة وعندي صوم فتبين الغضب وعدم الارتياح في وجه الامام الباقر وقال: يا فلان اغرك ان عففت بطنك وفرجك وتكلمت بهذا الكلام لو نظرت الى اهوال يوم القيامة شدائد يوم القيامة فما من مخلوق الا وهو محتاج الى شفاعة جدي محمد صلى الله عليه وآله، ذلك اليوم يوم القيامة بلا شك يوم رهيب يشير له القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»، فاذن في ذلك اليوم شفاعة النبي وزيارة النبي لها آثار في فكاك رقبة الزائر من اهوال يوم القيامة ومن النار، رزقنا الله واياكم وجميع المسلمين زيارة النبي صلى الله عليه وآله وآل بيته في الدنيا وشفاعتهم في الاخرة آمين رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احبائنا وانتم تتابعون ما تبقى من البرنامج.
*******
إذن اتضح أن زيارة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وسائر أولياء المقربين (عليهم السلام) وسواء كانت الزيارة من قريب أو من بعيد؛ من شأنها أن تحصن الانسان من أهوال يوم القيامة لأنها تؤدي الى إتصاف الزائر بالخصال الحميدة التي يحبها الله عزوجل ويحب أصحابها فيبعد أهوال القيامة وشدائدها عنهم، إضافة الى أن الزيارة وسيلة للفوز بشفاعة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) لزائريه وهذه الشفاعة هي التي تنقذهم من أهوال يوم القيامة وشدائدها.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يتضح أن مولانا الامام الصادق (سلام الله عليه) عندما يذكر في دعاء زيارة المصطفى (صلى الله عليه وآله) من بعيد أوصاف يوم القيامة، ينبهنا في الواقع الى ان نطلب الشفاعة المحمدية ونحن نقرأ هذا الدعاء من كل نوع من هذه الشدائد والاهوال.
وبهذه الاضاءة نفهم الفقرة المتقدمة من نص هذه الزيارة المباركة... فعندما نتذكر في الدعاء أن يوم القيامة هو يوم تهتك فيه الاسرار... إنما نطلب بذلك من الله عزوجل أن يستر علينا ولا يفضحنا يوم القيامة بخفي ما إطلع عليه من ذنوبنا.
وعندما نتذكر أن يوم القيامة هو اليوم الذي ترعد فيه الفرائض من شدة الخوف إنما نطلب بذلك من الله عزوجل أن يرزقنا الامن من فزع ذلك اليوم.
وكذلك عندما نتذكر أن يوم القيامة هو يوم الحسرة والندامة إنما نطلب من الله عزوجل أن يقينا من الحسرة والندامة وكل ذلك ببركة الشفاعة المحمدية والتمسك بولايته ومودته (صلى الله عليه وآله).
نشكر لكم أعزاءنا جميل المتابعة لهذه الحلقة من برنامج فاتح الخير الى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******