الحمد لله رب العالمين وأزكى الصلاة والسّلام على رحمة الله الكبرى محمد وآله الطاهرين.
السّلام عليكم احباءنا ورحمة الله تحية طيبة أهلاً بكم مع حلقة اخرى من هذا البرنامج نستهلّها بالرواية التالية المروية في المصادر المعتبرة عند الفريقين منها كتاب البخاري ومسلم المعروفان بالصحيحين، روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير الفقيه المدني أن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟
أجاب (صلى الله عليه وآله) لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد باليل بن عبد كلال فلم يجبني الى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ولم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (وهو جبل صغير على مرحلتين من مكة المكرمة).
ثم قال (صلى الله عليه وآله) فرفعت رأسي فاذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فاذا فيها جبرئيل فناداني: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وماردوا عليك.
وقد إذن فمُنشأ هذه الزيارة المباركة - مولانا الامام الصادق (عليه السّلام) - يعلّمنا أن نستعيذ بالكرم المحمدي أولاً من أن نكون من أهل مقام الخزي والذل في يوم القيامة، فما هو معنى هذا الطلب؟
لا يخفى عليكم ايها الافاضل أن مقام الخزي والذل يوم القيامة هو مقام أعداء الله عزّ وجلّ بالدرجة الاولى أي أئمة الكفر والضلال والعصيان الذين باؤوا بسخط من الله، وهو بالتالي مقام أتباعهم من المغضوب عليهم والضالّين. من هنا يتضح ما يطلبه الزائر في هذا الدعاء هو أن يكون متحصّناً بكرم وجه الله الاكرم (صلى الله عليه وآله) من السقوط في شباك اعداء الله من الجن والانس.
أي الزائر يطلب من الله عزّ وجلّ مع محمد (صلى الله عليه وآله)، ومن المحمديين الذين يكون مقامهم يوم القيامة مقام الشرف والعزّة والكرامة الناجين من مقام الخزي والذل.
وعليه يتضح أن في هذا المقطع تنبيه للزائر الى أن يجتهد في التحلّي بخصال المحمديين لكي يكون منهم ولكي ينجو من مقام الخزي والذل.
بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال (صلى الله عليه وآله): فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ قال: يا محمد ذلك فيما شئت... إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين.
والأخشبان هما جبلان في مكة ومراد ملك الجبال أن يخسف الارض باولئك القوم ويهلكهم لاعراضهم عن رسول الله وايذائهم له، الا أنه (صلى الله عليه وآله) وهو نبيّ الرحمة أبى هذا العرض وقال لملك الجبال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً.
ايها الاخوة والاخوات أما المقطع الذي انتهينا اليه من زيارة نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) من بعيد فهو الذي يستعيذ الزائر بكرم وجه الله من أهوال يوم القيامة وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن المراد بوجه الله هو النبي وآله (صلى الله عليه وآله) يقول النص: (وأعوذ بكرم وجهك أن تقيمني مقام الخزي والذل يوم تهتك فيه الأستار وتبدو فيه الاسرار والفضائح وترعد فيه الفرائض).
*******
للمزيد من التوضيح لهذه الحقيقة مع خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احبائنا ورحمة الله وبركاته نشكر لكم طيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج فاتح الخير معنا مشكوراً على خط الهاتف خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ ذكر اهل المعرفة ان من آثار الارتباط بزيارة النبي صلى الله عليه وآله انها تجعل الانسان يجتهد في التحلي بصفات المحمديين، حبذا لو تعطونا نظرة اجمالية لصفات المحمديين او الاتباع المخلصين لرسول الله صلى الله عليه وآله؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، اول صفة من هذه الصفات بلا شك الارتباط الكامل بالله تبارك وتعالى في كل الحالات الخضوع والطاعة لله لان النبي صلى الله عليه وآله هو اعبد الخلق لله تبارك وتعالى وقام واقفاً على قدميه عشر سنين حتى انزل الله عز وجل عليه هذه الآية: «طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»، وقد سئل النبي ما هذا الجد والاجتهاد في طاعة الله وقد غفر الله لك من ذنوبك ما تقدم منها وما تأخر؟
فكان في جواب النبي صلى الله عليه وآله يقول لهم: افلا اكون عبداً شكوراً؟
فاذن الصفة الاولى: صفة العبودية والخضوع التام لله تبارك وتعالى والارتباط به من خلال الصلاة، قرة عين النبي كانت الصلاة من خلال الدعاء وتلاوة القرآن الكريم ومن خلال السبل الاخرى ذكر الله عز وجل كان النبي صلى الله عليه وآله لا يجلس مجلس وان قل الا على ذكر ولا يقوم الا على ذكر الله عز وجل ومهما خص ذلك المجلس الذي يجلس فيه اذا قام كان يستغر الله عز وجل من غير ذنب لكن لعلمه بان الاستغفار يقربه من الله ومحبوب عند الله عز وجل فكان يستغرف ۲٥ مرة قبل ان يقوم من ذلك المجلس.
الصفة الثانية: كان التواضع، كان رسول الله صلى الله عليه وآله في منتهى التواضع متواضعاً في ملبسه ومأكله وفي جميع حالاته، يعني اقبل اليه جبرائيل قال له الله عز وجل: يقرؤك السلام ومنزلتك سواء عند الله هذه مقاليد الدنيا كنوز الدنيا تحب ان تكون ملك رسول او عبد رسول منزلتك سواء عند الله؟
فقال: يا حبيبي جبرائيل احب ان اتواضع لربي احب ان اكون عبد رسول، انما هما يومان يوم اجوع فيه ويوم اشبع فيه اليوم الذي اجوع فيه أسأل الله فيطعمني ويشبعني واليوم الذي اشبع فيه احمد الله عز وجل، فاذن هذه الصفة الثانية كان متواضعاً يجلس مع اصحابه على شكل دائرة حتى لا يعرف للمجلس اول وآخر كان يأتي السائل يقول ايكم محمد صلى الله عليه وآله، يعني لم يكن له مكان معنون كما عند بعض الطواغيت.
الصفة الثالثة: من صفات الرسول وصفات المحمديين لا تأخذه في الله لومة لائم هكذا بالنسبة الى اولياء الله حينما طلب من النبي ان يتنازل عن دعوته فقال: يا عم يا ابا طالب لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر ما تركته او اهلك دونه، فاذن المحمدي ينبغي ان لا يداهن على حساب العقيدة، نعم جيء للنبي بمجموعة قالوا نحن ندخل في هذا الدين بشرط ان لا نصلي، قال لا خير في دين لا تعصر فيه الجباه الى الله تبارك وتعالى، اذن هذه الصفة الثالثة، صفة الاستقامة وعدم المداهنة والثبات على العقيدة مهما كلف الامر.
الصفة الرابعة: من صفات المحمديين هي في الحقيقة الزهد في الدنيا كما كان النبي صلى الله عليه وآله زاهداً في الدنيا وبالتالي أي لا تؤثر عليه المناصب والمقامات الدنيوية بل كان همه مرضات الله تبارك وتعالى، النبي نظر الى الدنيا نظر المستوحشين منها، نعم زهد في الدنيا زهد الراحل عنها، ولذلك يبكي الامام الصادق عليه السلام حينما يذكر حالات جده يقول: بابي وامي من لم يأكل من خبز البر وما شبع من خبز الشعير وهو يتصور حالات جده الرسول صلى الله عليه وآله، وهناك حالات كثيرة لكن مع الاسف لقلة المجال وضيق الوقت اكتفي بهذه الامور وجعلنا الله واياكم من اتباع النبي صلى الله عليه وآله ومن السائرين على نهجه وعلى خطاه آمين رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً لكم، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من برنامج فاتح الخير بحلقته هذه.
*******
نعود ايها الاكارم الى مقطع هذه الحلقة من برنامج (فاتح الخير)... وهو من الدعاء الذي يلي صلاة الزيارة في النص المرويّ عن مولانا الصادق (عليه السّلام) لزيارة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) من بعيد.
وقد لاحظنا أحباءنا أن الزائر يستعيذ فيه بكرم وجه الله من أن يقيمه مقام الخزي والذل يوم القيامة، وهو مقام الذين عصوا الله ولم يكونوا حقاً من أتباع نبّيه الاكرم (صلى الله عليه وآله) مهما كانت مظاهرهم في الحياة الدنيا.
إن مجرد الانتماء الظاهري للاسلام حتى لو لم يكن حقيقياً يحقن دم الانسان في الحياة الدنيا أمّا يوم القيامة فلن يغنيه ذلك شيئاً ولن ينقذه من مقام الخزي والذل لأن يوم القيامة هو (يوم تهتك فيه الاسرار والفضائح) كما ورد في المقطع المتقدم من دعاء الزيارة.
كما أنه اليوم الذي ترعد فيه الفرائص وكل وجود الانسان لانه يوم ظهور السلطنة الالهية بالكامل وهو يوم الحساب والعقاب.
فالامام الصادق (عليه السّلام) وهو يذكّر الزائر بعظمة يوم القيامة يدعوه الى أن يتحصن من أهوال ذلك اليوم بمحبة النبي الاكرم وأتباعه وكذلك طلب شفاعته (صلى الله عليه وآله) لستر الذنوب وإبعاد الاهوال عنه في ذلك اليوم فهو النبي الكريم الجواد الذي كتب الله على نفسه أن لا يردّ له شفاعة.
أيها الأخوة والاخوات ندعوكم الى الاستنارة معاً بمقطع آخر من زيارة شفيعنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج نستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمة الله.
*******