الحمد لله مبدأ كلّ خير ومنتهاه والصلاة والسّلام على حبيبه الأوّاه المصطفى محمد وآله النجباء.
السّلام عليكم أحباءنا ورحمة الله أهلاً بكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نستهلها بهذه الرواية البليغة في بيان عظمة الخلق المحمدي، وقد رواها الشيخ الصدوق في أماليه مسنداً عن الوصي الامام علي (عليه السّلام) قال: إنّ يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير فتقاضاه - أي طلب دينه - فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك؟
فقال اليهودي: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذاً أجلس معك، فجلس معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة اي الفجر، وكان أصحاب الرسول يتهّددونه ويتوعّدونه فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اليهم فقال: مالذي تصنعون به؟
فقالوا: يا رسول الله، يهودي يحبسك؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لم يبعثني ربي عزّ وجلّ بأن اظلم معاهداً ولا غيره.
فلمّا علا النهار قال اليهودي: اشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله. أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر الى نعتك الذي في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة لا بفظّ ولا غليظ ولا سخّاب ولا متزّين بالفحش ولا قول الخناء.
أعزاءنا أمّا المقطع الذي انتهينا اليه من نصّ زيارة نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) من بعيد، فهو من الدعاء الذي يدعو فيه الزائر ربّه بعد صلاة الزيارة حيث يقول: (وأعوذ بكرم وجهك أن تقيمني مقام الخزي والذلّ يوم تهتك فيه الأستار وتبدو فيه الأسرار والفضائح وترعد فيه الفرائض...).
هذا المقطع أعزاءنا هو مقّدمة مقطع طويل في وصف أهوال يوم القيامة ومعظم الوصف مقتبس من آيات القرآن الكريم، وفي هذا المقطع يعلّمنا منشأ الزيارة أي مولانا الامام الصادق (سلام الله عليه) أن نستعيذ من أهوال يوم القيامة بكرم وجه الله عزّ وجلّ فما هو المقصود بذلك؟
لا يخفى عليكم ايها الافاضل أنّ الله سبحانه وتعالى منزّه عن الحالة الجسمية بجميع مصاديقها فهو الذي ليس كمثله شئ، اذن فما المراد من وصف (وجه الله)؟ وما هو معنى الاستعاذة من أهوال يوم القيامة بكرم وجه الله؟
كتب فقه اللغة وكتب التفسير تقول إنّ الوجه هو ما يعرف به الشيء، وهو ما يستقبل به غيره ويقصده به غيره، وهو في الله سبحانه أولياؤه الكاملون ودينه وصفاته الكريمة وأسماؤه الحسنى كما قال المفسرون كالعلامة الطباطبائي وغيره... أمّا أحاديث أهل بيت النبوة (عليهم السّلام) فهي تصّرح بأنّ المراد بوجه الله هم (عليهم السّلام) فقد روي في تفسير آية سورة الرحمن: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ» عن الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السّلام) أنه قال: (نحن الوجه الذي يؤتى الله منه)، وعن الامام الصادق (عليه السّلام) قال: (نحن وجه الله) كما نقل صاحب تفسير الميزان عن تفسير علي بن ابراهيم وكتاب المناقب، وعلى ضوء ما تقدّم يتّضح أنّ الاستعاذة من أهوال يوم القيامة يطلبها زائر النبي (صلى الله عليه وآله) من الله عزّ وجلّ بكرم وجهه الاكرم وهو سيد المعصومين والأولياء الكاملين المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله).
أي أنّ في هذا المقطع طلب للشفاعة المحمدية التي تعّرفنا الاحاديث الشريفة بأنها من أهمّ وسائل النجاة من أهوال يوم القيامة.
*******
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة التالية مع خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احبائنا معنا مشكوراً على خط الهاتف سماحة الشيخ باقر الصادقي للاجابة على اسئلتنا فيما يرتبط بموضوع هذه الحلقة من برنامج فاتح الخير، سماحة الشيخ ورد في النصوص الشريفة وصف النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسائر المعصومين عليهم السلام بانهم وجه الله تبارك وتعالى ما المقصود بهذا الوصف وما هو معناه؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، من الامور الواضحة ان الله عز وجل ليس جسماً ليس كمثله شيء الله عز وجل فهو شيء لا كالاشياء، وقضية الجسمانية وصفات الجسمانية في الحقيقة منزه عنها لان الجسم يشغل حيز من الفراغ ويكون محدود ويشار له وبالتالي سيكون في مكان ويخلو منه مكان وهذه لا تنسجم مع صفات الرب تبارك وتعالى، فاذن المراد من وجه الله ولعل بعض الروايات توضح ومن جملة هذه الروايات ما جاء عن الامام الرضا في كتاب التوحيد سأله سائل يا بن رسول الله ما معنى الخبر الذي رووه ان ثواب لا اله الا الله النظر الى وجه الله تعالى؟
فقال (عليه السلام): يا ابا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله انبياءه وحججه صلوات الله عليهم، الذين بهم يتوجه الى الله عز وجل والى دينه ومعرفته وقال الله عز وجل: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ، وقال عز وجل:كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ، فالنظر الى انبياء الله تعالى ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وهذا استنتاج من الامام وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): من ابغض اهل بيتي وعترتي لم يرني ولم اره يوم القيامة، فالجمع بين المقدمة التي جاء بها الامام وذيل الرواية والحديث يفيدنا الى ان الله عز وجل لا يمكن ان نوصفه بوجه كالوجوه وكما اشار الامام هو الكفر وانما وجه الله هم انبياءه هم حججه بهم يهتدى الى دين الله ويعرف الله تبارك وتعالى، ومن هنا ورد عن الامام زين العابدين في حديث آخر نحن الوجه الذي يؤتى الله منه في دعاء الندبة الوارد عن امام زماننا نعبر عن الامام اين وجه الله الذي اليه يتوجه الاولياء أين السبب المتصل بين الارض والسماء، هذا هو المراد من الوجه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
المحاور: صلوات الله عليهم اجمعين، سماحة الشيخ بالنسبة للنبي الاكرم صلى الله عليه وآله هل يمكن ان يقال بانه اكمل وجه لله تبارك وتعالى؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم لانه هو في الحقيقة سيد الكائنات واول من خلقه الله عز وجل ويقول الاديب واجمل منك لم ترى قط عيني واحسن منك لم تلد النساء خلقت مبرءاًً عن كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء، بلا شك لا يوجد مخلوق اكمل ووجه افضل من وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المحاور: يعني كتمثيل لوجه الله تبارك وتعالى باعتبار المظهر الاكمل؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم المظهر الاكمل والصورة التامة التي يمكن ان تتجسد بالشكل على هيئة البشر هي كانت صورة النبي وحقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من برنامج فاتح الخير.
*******
نعود أعزاءنا الى مقطع حلقة اليوم من نص زيارة النبي الاكرم من بعيد، وقد عرفنا أنّ الامام الصادق (عليه السّلام) يعّلمنا فيه أن نطلب من الله عزّ وجلّ شفاعة وجهه الاكرم النبي محمد (صلى الله عليه وآله) للنجاة من أهوال القيامة.
ونلاحظ هنا أحباءنا أنّ النصّ يعلّم الزائر أن يستعيذ ليس بوجه الله جلّ جلاله، بل بكرم وجهه عزّ وجلّ فما السرّ في ذلك؟
لعلّ السرّ يكمن في أنّ مُنشأ الزيارة - أي مولانا الامام الصادق (عليه السّلام) - يريد من هذا التعبير بعث وتقوية روح الرجاء في قلب الزائر من خلال التذكير بكرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو كرم لا حدّ له كما عرف من سيرته، فمثلاً روي في الكافي عن الصادق (عليه السّلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما منع سائلاً قط، إن كان عنده أعطى وإلاّ قال: يأتي الله به - اي بما يطلبه السائل - ثم قال (عليه السّلام) ولا أعطي على الله عزّ وجلّ شيئاً قطّ إلا أجازه الله، إنه ليعطي الجنة فيجيز الله له ذلك.
لنا وقفة استنارة اخرى ايها الافاضل عند هذا المقطع من زيارة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) من بعيد تأتيكم بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم هذا الى حينها نترككم في رعاية الله والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******