الحمد لله خالق كل خير والصلاة والسّلام على ابواب الخير كله محمد وآله الطاهرين.
السّلام عليكم ايها الافاضل ورحمة الله تحية طيبة نحييكم بها مقرونة بالرواية التالية التي اخترناها لمطلع هذه الحلقة... ففي عدّة من مصادر الفريقين منها كتاب مسلم المعروف بالصحيح أنه روي عن جابر الانصاري قال: كنّا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع فأتينا على شجرة ظليلة تركناها له (صلى الله عليه وآله)، فاضطجع مستريحاً في ظّلها، فجاء رجلٌ من المشركين وسيف رسول الله معلّقٌ بالشجرة فاخترطه الرجل وقال: تخافني؟ 
فقال (صلى الله عليه وآله): لا قال الرجل: فمن يمنعك منّي (أي يحميك)؟ 
قال الله فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله السيف وقال للرجل: من يمنعك منّي؟
فقال الرجل: (عفوك) كن خير آخذ.
فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟ 
أجاب : لا ولكنّي أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلّى (صلى الله عليه وآله) سبيله، فأتى الرجل أصحابه وقال لهم: جئتكم من عند خير الناس. 
أعزاءنا انتهى بنا الحديث في الحلقة السابقة من البرنامج الى المقطع التالي من زيارة نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) من بيعد فبعد أن يطلب الزائر الشفاعة المحمدية لغفران الذنوب وقبول الأعمال وقضاء الحوائج يعلّمه الامام الصادق (عليه السّلام) أن يتوجّه الى الله عزّ وجلّ بالدعاء التالي: اللهمّ واوجب لي منك المغفرة والرحمة والرزق الواسع الطيّب النافع كما أوجبت لمن أتى نبيّك محمداً صلواتك عليه وآله وهو حيّ فأقرّ له بذنوبه واستغفر له رسولك عليه وآله السّلام فغفرت له برحمتك يا ارحم الراحمين. 
في هذا الدعاء يعلّمنا مولانا الامام الصادق (عليه السّلام) وهو منشأ هذه الزيارة أن نطلب من الله عزّ وجلّ ان يوجب على نفسه استجابة دعاء الزائر للنبيّ من بعيد بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) مثلما أوجب على نفسه أن يغفر لمن جاء نبيّه (صلى الله عليه وآله) في حياته مستغفراً من ذنوبه مقراً بها.
وفي هذا التنبيه للزائر بأن يرسّخ في نفسه الاعتقاد بأنّ معونة رسول الله لزائريه جارية بعد وفاته مثلما كانت في حياته ولذلك ينبغي أن يستشعر بكل وجوده أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يسمع كلامه ويستغفر له ويدعو له ويشفع له في قضاء حوائجه، فيخاطبه بهذه الحالة من استشعاره حضوره المبارك وإقباله الجميل على زائريه (صلى الله عليه وآله).
وكما تلاحظون ايها الافاضل فإنّ إمامنا الصادق (عليه السّلام) يعّلمنا أن نقّدم طلب مغفرة الذنوب على طلب الرحمة والرزق الواسع الطيب لأنّ تطهّر العبد من الذنوب هو مفتاح الفوز بالرحمات الالهية الخاصة.

*******

للمزيد من التوضيح لهذه الحقيقة مع خبير البرنامج: 
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم احبائنا شكراً لكم على جميل متابعتكم لبرنامج فاتح الخير معنا مشكوراً على خط الهاتف خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ يلاحظ في النصوص الشريفة ومن ضمنها زيارة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله من بعيد التأكيد على المجيء للنبي الاكرم طلباً للاستغفار وكذلك في الدعاء الذي ورد بهذه الزيارة بعد الصلاة يقدم الطلب مغفرة الذنوب على باقي الطلبات ما هو السر في ذلك؟ 
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، للاجابة على هذا السؤال لا بأس بمقدمة بسيطة وهو ان القرآن الكريم يقول:كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الله عز وجل ليس لها انقطاع "ما يعبر عنه بالفيض دائم الفيض" ولابد من وجود وعاء قابل لاستقبال هذه الرحمة الالهية والاستغفار له دور هام ومهم في تلقي القلب في جعل القلب له اهلية ليتلقى الفيض الالهي ويتلقى الرحمة الالهية، خصوصاً اذا كان هذا الاستغفار عند قبر النبي صلى الله عليه وآله باعتبار ان لوجود النبي صلى الله عليه وآله ولطيب المكان والمكان بالمكين فلذلك يكون هذا الاستغفار يجعل القلب مهيئاً لتلقي الرحمة الالهية وتلقي الفيض الالهي وبعد ذلك اذا استغفر وصار هناك جلاء في القلب ان القلوب لتصدأ قيل وما جلاءها قال الاستغفار، بعد ذلك يؤهل القلب ان يفاض عليه وبالتالي يدعو الله عز وجل فيما يريده من امور الدنيا او امور الاخرة، فاذن ملخص الكلام ان الاستغفار يجعل القلب مهيأ لتلقي الفيض الالهي ولتلقي الرحمة الالهية خصوصاً عند قبر النبي ومن هنا امرنا بالمجيء الى قبر النبي: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»، مضافاً الى ان القرآن الكريم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ، فاذن حيث امرنا الله عز وجل عن طريق النبي بالامتثال والحضور والاستغفار عند قبر النبي وبالتالي الاستجابة الى اوامر الله واوامر الرسول هي مدعاة لحياتنا ومدعاة لتلقي الفيض الالهي بالشكل الوافر. 
وامير المؤمنين عليه السلام يقول: ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها، فاذن الاستغفار يهيء القلب للقبول، وبعد ذلك يدعو الانسان باموره اذا كان القلب مهيأ وصار طاهر حتى يستقبل الفيض فتقضى حوائجه ببركة الاستغفار وببركة التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المحاور: صلوات الله عليه وسلامه عليه وآله سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً لكم، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من البرنامج.

*******

نتابع ايها الاكارم تقديم برنامج فاتح الخير ونعود الى الفقرة التي نستنير بها في هذه الحلقة من زيارة نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) من بعيد المرويّة عن مولانا الصادق (عليه السّلام).
لاحظتم أنّ الإمام الصادق يعّلمنا أن نستشفع برسول الله طالبين من الله عزّ وجلّ: المغفرة أوّلاً، ثمّ الرحمة ثانياً، ثمّ الرزق الواسع الطيب والنافع ثالثاً، فما هو المراد بكلّ واحدة من هذه الحاجات؟
المراد من المغفرة هو أن يزيل الله جلّت قدرته جميع الاثار الدنيوية والأخروية للذنوب بمختلف مراتبها. والمراد من الذنوب أعمّ من المعاصي، فتشمل الاخلاق السيئة والحالات النفسية غير المحبّبة وبعبارة عامة تشمل كلّ ما يمنع العبد من الاستعداد لتلقّي الرحمات الالهية بمختلف مراتبها.
فكلما تطهّر الانسان من مرتبة أدقّ من هذه الذنوب المانعة لتلقّي الفيض الإلهيّ كلما تأهل للفوز بمرتبة أسمى من الرحمات الالهية.
أمّا المراد من الرحمة فهو معناها الأشمل الذي تندرج فيه كلّ مصاديق الخير الالهيّ المادية والمعنوية. والرحمة مشتّقة من الرحم والوصل أساساً، فأهمّ مصاديقها وأسمائها ما يكون فيه الزلفى والتقرّب من الله عزّ وجلّ. 
وبقي الرزق ومعناه واضح وهو العطايا الإلهية السماوية التي يكون بها قوام حياة الانسان المادية والمعنوية.
وقد وصف الدعاء بثلاث صفات أولها ان يكون واسعاً فلا يشعر الانسان معه بضيق أو حرج بل يكون قرين العافية المطلقة.
والصفة الثانية أن يكون طيباً اي يحصل عليه الانسان من طرق الحلال المنزّهة عن الحرام والشبهات، والصفة الثالثة أن يكون نافعاً أن يأتيه في الوقت المناسب الذي يكون قادراً على الاستفادة منه او أن يكون المراد أن يستثمره بما يكون فيه النفع.

*******