الحمد لله منزل البركات والصلاة والسلام علي السباقين الي كل خير والواهبين لكل خير محمد وآله الطاهرين السلام عليكم الاكارم ورحمة الله واهلاً بكم في حلقةٍ اخري من هذا البرنامج نفتتحها بما قاله ابن قدامة الحنبلي في كتاب المغني الذي بعد اهم كتب اتباع المذهب الحنبلي الفقهية: قال ابن قدامة في الجزء الثالث من كتاب المغني صفحة ٥۹۰ ضمن حديثه عن صفة زيارة النبي (صلي الله عليه وآله):
(تأتي القبر فتولي ظهرك للقبلة وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك ايها النبي ورحمة الله... الي ان قال (وتقول): اللهم انك قلت وثولك الحق وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًاً وقد اتيتك (ويخاطب هنا الزائر رسول الله صلي الله عليه وآله) مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك الي ربي.
اذن ما تأمر به الاية الكريمة المتقدمة من المجئ لرسول الله (صلي الله عليه وآله) والتوجد به الي الله والاستشفاع به لغفران الذنوب يشمل زمان حياته في الدنيا وبعد رحيله (صلي الله عليه وآله)، وهذا الامر لا يختص باتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام).
نعم تؤكد احاديث ائمة اهل البيت (عليهم السلام) علي ان هذا الامر يشمل حتي زياراته (صلي الله عليه وآله) من بعيد، ومنها المروية عن مولانا الصادق (عليه السلام).
فقد انتهي بنا الحديث في الحلقة السابقة الي فقرتها الداعية الي اقامة الزائر اربع ركعات واهدائها لرسول الله بعد ان يسبح تسبيح الزهراء (عليها السلام) ثم يامر الامام الصادق الزائر ان يدعوا بعدها قائلاً: (اللهم انك قلت لنبيك محمد (صلي الله عليه وآله) وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًاً، ولم احضر زمان رسولك عليه وآله السلام، اللهم وقد زرته راغباً تائباً من سئ عملي ومستغفراً لك من ذنوبي ومقراً لك بها وانت اعلم بها مني ومتوجها اليك بنبيك نبي الرحمة صلواتك عليه وآله، فاجعلني اللهم بمحمدٍ واهل بيته عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين).
*******
قبل ان نستضئ ببعض انارات المقطع المتقدم من هذه الزيارة المباركة ننقل الميكرفون الي زميلنا وهذا الاتصال الهاتفي مع ضيف البرنامج، وانارة من الآية الكريمة المشار اليها، نستمع معاً:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على احبائنا وشكراً لهم على طيب متابعتهم لفقرات برنامج فاتح الخير وشرح زيارة النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله من بعيد، ضيفنا الكريم في هذه الحلقة سماحة الشيخ باقر الصادقي، سلام عليكم.
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ الاية الكريمة التي ايضاً ذكرت في هذه الزيارة «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» ان شاء الله مضمون الآية الكريمة، فيما يرتبط بهذه الآية هنالك سؤال يقول الله سبحانه وتعالى حاضر في كل مكان فما هو السر في تأكيد الآية على المجيء لرسول الله صلى الله عليه واله لطلب الاستغفار الالهي ثم استغفار الرسول يعني تبع الاية قيد ثم استغفر الرسول في تلك الحالة يجدون الله تواباً رحيماً؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، مما لا شك فيه ان الله عزوجل فيضه لا انقطاع له، الفيض الالهي ليس له انقطاع"يا دائم الفضل على البرية" وهذا الفيض يحتاج الى وعاء يستقبل هذا الفيض كما ورد في الحديث الشريف "ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها" فالنبي الاكرم صلى الله عليه وآله سيد الكائنات له النصيب الوافر من هذا الفيض الالهي الذي يفيضه الله عزوجل على النبي ومنه يفاض الى سائر الخلق وسائر الكائنات فالنبي واهل بيته هم اولياء النعم بلا شك ولاريب كما في الزيارة الجامعة الكبيرة لذلك في المجيء الى قبر الرسول صلى الله عليه واله بعد شهادته او الحضور عند حال حياته يكون سبباً لنزول الفيض الالهي والرحمة للعباد ثم ان البقعة التي حل فيها النبي صلى الله عليه وآله بلا شك تغمرها الملائكة وتكون تربة مقدسة يضاعف فيها اجر الصلاة والاعمال الصالحة وكما قيل المكان بالكيل ومن هنا يقول الامام الصادق عليه السلام لمجموعة من اصحابه لقد فضلتم هذا اليوم، كان عيد من الاعياد، على اهل مكة ومن دونها من البلدان ومن المناطق بحضوركم في هذا اليوم عند رسول الله صلى الله عليه واله فالحضور عند الرسول صلى الله عليه واله بلا شك يكون سبب للحصول على الرحمة لأن الله عزوجل يفيض الرحمة على انبياءه واولياءه والنصيب الوافر من ذلك لنبينا الاكرم صلى الله عليه واله بأعتبار هو سيد الكائنات واقرب الخلق الى الله ومن هنا قال المنصور الدوانيقي يسأل الامام مالك احد ائمة المذاهب الاربعة، استقبل قبر الرسول وادعو الله ام استقبل القبلة فقال له الامام مالك ولم تصرف وجهك عنه يعني عن رسول الله وهو وسيلتك ووسيلة ابيك ادم الى الله عزوجل فأذن في الحضورعند قبر النبي بركات وآثار كثيرة او الحضور عند النبي في حياته لذلك امرنا الله عزوجل في القرآن «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ» يعني بهذا الوصف، المجيء، «فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»هناك بقاع احب الله ان يدعى فيها فيستجيب الله للدعاء ومن تلك البقاع منها بلا شك قبور الاولياء وكذلك البيت الحرام عند ميزاب الرحمة، عند الركن وبلا شك من جملة الاماكن الحضور عند النبي صلوات الله عليه سواء كان في حياته او بعد شهادته لأن النبي حي والقرآن الكريم يقول: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» فبلا شك ان النبي مات شهيداً مسموماً وعليه هناك بركات في الحضور عند قبره او عند حياته كما كان يأتي بعض المسلمين يسألون النبي ان يستغفر لهم فيستغفر لهم طبعاً دعاء النبي واستغفار النبي لا يرد لأنه معصوم والمعصوم دعاءه وشفاعته واستغفاره مقبول عند الله عزوجل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
المحاور: سماحة الشيخ ممكن ان نفهم من اجابتكم ان المجيء لرسول الله سواء كان بالزيارة من قريب او من بعيد هو من وسائل الفوز بأستغفار رسول الله صلى الله عليه وآله للانسان؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك لأن الاعمال تعرض عليه كما ان الصلاة تبلغه اذا ان نصلي عليه وكذلك اذا نسلم عليه الله جعل هناك ملك يوصل هذا اليه والنبي يسمع وحي والا ما هي ثمرة انه نحن نسلم على النبي في الصلاة كل يوم اذا كان لايسمع مثلاً او لا تصل ولا يبلغ ذلك الى النبي بلا شك ان في السلام عليه والصلاة عليه والحضور عنده اثار وضعية واثار كبيرة وكثيرة.
*******
نعود الي مقطع هذه الحلقة من زيارة حبيبنا المصطفي (صلي الله عليه وآله) من بعيد، فنلاحظ ان الامام الصادق عليه السلام يعلم الزائر ان يقول بعد تلاوة الآية الكريمة المشار اليها: (اللهم) ولم احضر زمان رسولك عليه وآله السلام، فما المراد من استذكار هذه الحقيقة؟
لعل المراد هو التاكيد علي ان عدم معاصرة رسول الله لا يبطل فاعليه هذه الآية الكريمة بل ان حكمها نافذٌ الي يوم القيامة، فالمؤمن مهما كان زمانه انما يجد الله تَوَّابًا رَّحِيمًاً اذا استغفر ربه متوجهاً اليه بنبي الرحمة (صلي الله عليه وآله).
اما الفقرة التالية الاحباء فهي التي يعلّم فيها مولانا الصادق (عليه السلام) الزائر ان يقول بعد استذكار الحقيقة المتقدمة (اللهم وقد زرتُهُ (صلي الله عليه وآله) راغباً تائباً من سئ عملي مستغفراً لك من ذنوبي ومقراً لك بها وانت اعلم بها مني).
ونلاحظ في هذه الفقرة انها تبدا اولاً بذكر حالة الرغبة ترسيخاً لحالة الرجاء والامل وابعاداً لحالة الياس من رحمة بسبب الذنوب، وذلك لان الموقف هو موقف الاستغفار وجوهره، كما ان الفقرة ترسخ حالة النفرة من الذنوب والمعاصي في قلب الزائر من خلال التنبيه الي انها عملٌ سئ وهذا عنوان عام يشمل كل ما لا يرضاه الله عزوجل لعبده ولا يحبه له.
وكذلك من خلال تعليم الزائر الاقرار بهذه الذنوب في امام الله عزوجلّ وان كان اعلم بها من المستغفر، مخالة الاقرار هذه من العوامل المهمة في تعميق حالة النفرة من الذنوب في قلب الانسان.
*******