إن التحدث مع الله ليس فقط عند الصعوبات ولكن أيضًا من أجل السراء والسعادة يمكن التحدث معه. وللدعاء أهمية كبيرة في الفكر الإسلامي والقرآني.
وفي إطار دراسة مكانة الدعاء والمناجاة وأثرهما على الحالة النفسية لدى الإنسان، تحدث الدكتور محمد عابدي عضو الهيئة العلمية في المعهد الإيراني للثقافة والفكر الإسلامي مع وكالة مهر للأنباء بهذا الشأن، ويمكنكم الاطلاع على مقتطف من هذا المقال كما يلي في التالي:
إن الله سبحانه وتعالى خلق البشر بصورة أن يتوجوا إليه في مواقفهم للحياة الشخصية والاجتماعية، وحتى في خلواتهم ويدعوه عفويا، كلما وصلوا إلى طريق مسدود. أي أن الدعاء هي سمة مشتركة وطبيعية للبشرية جمعاء؛ وبطبيعة الحال، فإن هذه الفطرة السليمة قد لا تظهر كثيراً في الطبقات الخارجية للشخصية الإنسانية، نظراً لتعدد القضايا الدنيوية؛ ولكن عندما تقع الحوادث، وليس بإمكان الثروة والسلطة والشهوة والسمعة والمنصب وما إلى ذلك، أن تقوم فعل أي شيء لإنقاذ الشخص، فينجلي الغبار ويلفت البشر نحوالله من جديد، ويلقون بأنفسهم في حضنه.
ولذلك تهتم آيات كثيرة من القرآن بالمشاعر والأحاسيس لدى جميع البشر حتى في اللحظات الأخيرة لديهم بالضبط وتقودهم إلى هذا الاتجاه بأن يديروا لعبة الحياة والموت بذكر الله سبحانه وتعالى في كل اللحظات وأن لا ينسوا ذكره في حياتهم العادية واليومية ومن ثم لا يتمردوا ضد الأوامر الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعائلية التي جاءت فيها .
دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة.
المثال الأول:
هو مواجهة البحر عند ركوب السفينة. أحد الأماكن التي يشعر فيها كل إنسان بأنه صغير وعاجز أمامه عندما يراه لأول مرة هو البحر. يستخدم الله هذه التجربة الإنسانية ليجعله يدرك أن الدعاء هي طبيعة كل إنسان، ولكن من الأفضل ألا يحتفظ بهذه الأداة إلا في المخاطر فحسب، وفي كل الأحوال يركز على الله وأن يعيش حسب مشيئته.
وعليه يقول الله تعالى في محكم كتابه: " فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجىهم إلى البر إذا هم يشركون".
المثال الثاني:
لقاؤه بأمواج البحر الهائج، حيث يقول الله تعالى في القرآن المجيد: "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجىهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بايتنا إلا كل ختار كفور".
ويؤكد القرآن الكريم في هذه اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان بأنه إذا دعا الله سوف يجاب، "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء..." أي الذي يجيب دعاء المضطر ويكشف الكرب...
وهذه الآية المذكورة في أعلاه هي التي قد تلوناها فيها الله سبحانه وتعالى جميعا مئات المرات، خاصة في المساجد والتكايا وغيرها... وقد سمعتم أن هذه الآية تقرأ للذي يكون له مرض عضال ، والذي بلغ سكينه العظم، ولمن يكون في حالة ورطة ما؛ "أمن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء…؛ وهذا يعني أنه حتى لو كان شخص ما، أو مؤسسة، أو دولة، أو قوة غافلين عن ذكر الله جل علاه في لعبة الحياة الشخصية والسياسية والعلمية والاقتصادية وما إلى ذلك، ولكنه أدركه في اللحظات الأخيرة، فإن الله لن يدعه البتة. وهذه هي قمة الرحمة والعطف والحنان، لخالق الوجود والكون ومدبره الذي يقف إلى جانب الإنسان ولو في آخر لحظة، ويعده بأن لا يدعه في مشاكل الحياة.
وهناك نقطة مهمة في جميع الآيات المذكورة، وهي التوحيد (أشهد أن لا إله إلا الله)، أي الإدراك والشهادة بأنه يجب على الإنسان أن يعيش وفقًا لإرادة الله وشرعه فحسب؛ أي أن الله يؤكد مراراً وتكراراً أنه يجب عليك الحذر والإيمان بأن كل شيء بيدي ولا تسقط ورقة على الأرض دون إذني، وإذا رأيت القوة والهيبة في أيدي الآخرين، فهذا بإذني، وإذا كنت لا أريد ذلك، فلن تجد النار قوة لتحرق، ولا البحر قوة السريان والغرق، ولن تكون أسلحة البشر صالحة للاستعمال.
اعلم وافهم أيها الإنسان وخاصة أنت أيها النبي الأكرم (ص) حتى ترمي فذلك بإذني، «و ما رميت اذ رميت و لكن الله رمى»".
هكذا في طريق الحياة؛ في نمط الحياة؛ في المسائل الاقتصادية؛ في الأمور الزوجية؛ في الأمور السياسية و... فقط استمع لأوامري؛ لا تظن أن أي شخص آخر غيري يمكنه أن يفعل لك شيئًا بشكل مستقل ودون إذن مني. وإذا وصلت إلى هذه النقطة، فهذا يعني أنك في حالة الاضطرار، يعني أنك لن تجد ملجأ غيري، وسوف تصبح قدوة "ففروا إلى الله".
parstoday