الحمد لله الذي له الشفاعة والرحمة والصلاة والسلام على سادات اوليائه الذين ارتضاهم شفعاء لخلقه المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم ومرحباً في الحلقة اخرى من هذا البرنامج نستهلها احباءنا بهذا النموذج المبين لكرامة النبي الاكرم على ربه جل جلاله وبركات زيارته والتوجه به اليه عز ّوجل فقد روي في عدة من المصادر المعتبرة من طرق الفريقين عن الصحابي عثمان بن حنيف قال:
جاء رجل ضرير الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فشكا اليه ذهاب بصره، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): توض ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم اني اسألك واتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد اني اتوجه بك الى ربك ليجلو به عن بصري، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي.
قال الراوي: فلم يطل بنا الحديث حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضرر (عمى) قط.
اما المقطع الذي انتهينا اليه من زيارة مولانا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعيد فهو الذي يخاطب الزائر فيه ربه تبارك وتعالى قائلاً في وصف رسوله بما يلي: (اودعته الاصلاب الطاهرة، ونقلته منها الى الارحام المطهرة لطفاً منك له وتحننا منك عليه اذ وكلت لصونه وحراسته وحفظه وحياطته من قدرتك عيناً عاصمة حجبت بها عنه مدانس العهر ومعائب السفاح حتى رفعت به نواظر العباد واحييت به ميت البلاد بان كشفت عن نور ولادته ظلم الاستار، وألبست حرمك فيه حلل الانوار).
وكما تلاحظون ايها الاخوة والاخوات فان المحور الرئيس لهذا المقطع هو التأكيد على طهارة جميع آباء وامهات النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من مدانس العهر ومعائب السفاح والعلاقات غير الشرعية والتي لا يرضاها الله عز ّوجل، فما السر في التأكيد على هذه الحقيقة اولاً؟ 

*******

الاجابة عن هذا السوال يتناولها ضيف البرنامج في هذه الحلقة سماحة الشيخ محمد السند، في الاتصال الهاتفي الذي اجراه زميلنا:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم اسلام عليكم احباءنا شكراً لكم على جميل متابعتكم لهذا البرنامج معنا مشكوراً على خط الهاتف سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة معنى الحكمة من تأكيد النصوص الشريفة على طهارة جميع آباء النبي صلى الله عليه وآله من الشرك لماذا ينبغي ان يكون هؤلاء جميعاً من الموحدين؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، لا ريب ان الموروث من الاباء والاجداد والامهات مؤثر جداً على الجنين وعلى المولود، فان الانسان ان كان ذو ابعاد في ذاته بعد عقلي وبعد روحي وبعد نفساني وجسماني والبعد الجسماني والنفساني في الانسان المتأثر شديد التأثر والصلة لما يحمله من موروث من صفات الاباء والامهات وهذا ما اثبتته العلوم الطبيعية والطبية قديماً ولا سيما لدينا علم الهندسة الوراثية فانه يثبت ان الصفات الموجودة في الجنين وفي جينات الجنين هي في الحقيقة مكدس من تراكم من صفات الاباء والاجداد، فاذن البيئة الوراثية لا يمكن اغفالها بتاتاً في صفات المولود وفي صفات الجين المنسل وفي التنسيل البشري ومن ثم هناك توصيات كثيرة في فعالية الشريعة الاسلامية من جهة اختيار الزوجة او من جهة اختيار الزوج لانه مؤثر على المولود الناشئ اشد تأثير، فبالتالي اذن تلك الصفات ذات تأثير واضح في نسل المولود وهذا ما يشير اليه القرآن الكريم ايضاً في آيات عديدة من ان التنسيل من اطهار في الواقع يوجب صفوة واصطفاء الزبدة المولودة من تلك السلسلة كما في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، اذن هذا التنسيل من الذرية، فالنسل مؤثر كما في قول ابراهيم عندما بشر بالامامة من قبل الله تعالى في قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي، هنا ليس نزعة عصبية من النبي ابراهيم لذريته وانما لما توفر للنبي ابراهيم عليه من علم من ان التنسيل الذري من الصفوة الصافية من اجتباهم الله عز وجل ومؤثر في المؤهلات والقابليات، ولذلك نرى القرآن الكريم يركز على هذا الجانب يقول آل ابراهيم في عدة مواطن يذكر آل عمران يذكر آل موسى يذكر آل هارون يذكر آل يعقوب يذكر آل داوود يذكر آل لوط يذكر آل ياسين او الياسين انهم آل محمد صلوات الله عليهم آل ياسين او آل ياسين تعطي نفس المعنى، فعلى أي تقدير يشير القرآن بآل الانبياء وبيوتات الانبياء ليس عصبية قبلية او تعصباً عنصرياً وانما اشارة من القرآن الكريم لان هناك وراثة اصطفائية مؤثرة بالتالي على جيل الاولاد وجيل المواليد من صفوة البشر، في الواقع القرآن الكريم يؤكد على هذه الظاهرة ويبين انها مؤثرة جداً في كمال المولود وفي نوعية نمو ورقي التنسيل والنسل الناشئ او الجيل الناشئ من تلك السلسلة المطهرة.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، وشكراً لكم احباءنا وانتم تتابعون ما تبقى من برنامج فاتح الخير في حلقته هذه.

*******

نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج (فاتح الخير) بالعودة الى المقطع المتقدم من زيارة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من بعيد، فمع اشتماله على الحقيقة التي بينها سماحة الشيخ محمد السند، نلاحظ تاكيده على النقاط التالية: 
اولاً: ان هذه الطهارة النسبية الكاملة احاط بها الله جلت قدرته نبيه الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) تعبر عن رعاية إلهية خاصة، ومنشؤها الاكرام الخاص والرحمة الخاصه به من جهة ومن جهة ثانية الدور الخاص الذي علم الله عز ّوجل استعداد وأهلية حبيبه المصطفى له وبصورة كاملة 
ثانياً: ان لهذه الرعاية الإلهية الخاصة بالنبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) آثارها المباركة على جميع الخلائق من البشر وغيرهم كما تصرح بذلك فقرة (حتى رفعت به نواظر العباد واحييت به ميت البلاد).
والمستفاد من ذلك ان هذه الرعاية الإلهية الخاصة هي بدورها رحمة ربانية غير مباشرة بجميع الخلائق.
ثالثاً: واخيراً فان المقطع المبارك يشير في اشارة لطيفة الى ان الرحمة الالهية النازلة على البشر بدأت منذ ولادة النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وحتى قبل بعثته كما تصرح بذلك فقرة (بأن كشفت عن نور ولادته ظلم الأستار وألبست حرمك فيه حلل الانوار).
فهذه الطهاره تعبر عن نور كامل خال من كل ظلمة ولذلك وآثارها تنتشر فور مجيئه (صلى الله عليه واله وسلم) الى هذا العالم.
كونوا معنا في الحلقة المقبلة من برنامج (فاتح الخير) نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة. 

*******