الحمد لله على جميل صنعه، حمداً لا انقضاء لأمده، والصلاة والسلام على اهل بيت رحمته وحملة لواء حمده محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله، هذه هي الحلقة السابعة عشرة من هذا البرنامج الذي يعنى بشرح نص زيارة حبيبنا المصطفى من بعيد التي روتها المصادر المعتبرة عن مولانا الصادق (عليه السلام).
وقد وصل الحديث بنا الى المقطع التالي منها، حيث نسلم على نبينا الاكرم قائلين: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا احمد، السلام عليك يا حجة الله على الأولين والآخرين، السابق الى طاعة رب العالمين والمهيمن على رسله والخاتم لأنبيائه، الشاهد على خلقه الشفيع اليه والمكين لديه والمطاع في ملكوته، الأحمد من الاوصاف المحمد لساير الاشراف، الكريم عند الرب، والمكلم من وراء الحجب، الفائز بالسباق والغائب عن اللحاق، ورحمة الله وبركاته.
وقد تعرفنا في الحلقة السابقة على دلالات بعض هذه الفقرات ونكمل الحديث عنها، بعد قليل، فكونوا معنا اعزاءنا.
اولاً: يلاحظ على هذا المقطع من الزيارة ايها الاخوة والاخوات، ان الامام الصادق (عليه السلام) ينبه قلوب المؤمنين الى جملة من مظاهر افضلية النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) على جميع الخلائق وعلى جند الله ورسله من الاولين والآخرين.
فهو (صلى الله عليه وآله) «المهيمن على رسل الله» والمهيمن في اللغة هو القائم بالسلطنة على الشيء والرقيب والشاهد والرسل هنا مفردة مطلقة غير مخصصة فتشمل البشر المرسلين كما تشمل الملائكة والاستخدام القرآني شاهد على استخدامها في كلا الطائفتين؛ اي الانبياء والملائكة.
وعليه يكون المعنى ان المصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) هو القائم الشاهد بسلطنة ربه المهيمن تبارك وتعالى على رسل الله العاملين بأمره وهم جنده تبارك وتعالى.
اما الصفة الاخرى: فهي كونه (صلى الله عليه وآله) خاتم انبياء الله (عليهم السلام) وقد تحدثنا سابقاً عن معنى الخاتمية.
ثم تذكر الزيارة من مقاماته (صلى الله عليه وآله) كونه الشاهد على خلقه والمراد هنا الشهادة على اعمالهم، وقد صرح القرآن الكريم بكون خاتم الانبياء هو شهيد الله على الشهداء جميعاً من الاولين والآخرين حيث يقول عزوجل: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا».
وهذا يعني ان نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو الشاهد على الخلق اجمعين من الاولين والآخرين، وهذا يعني احاطته (صلى الله عليه وآله) الملكوتية بهم جميعاً.
*******
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له من ضيف البرنامج سماحة الشيخ الصادقي في الحوار الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا:
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم احباءنا وسلام على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ من الفقرات المهمة في زيارة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله من بعيد تلك التي تشير الى احاطته صلى الله عليه وآله الملكوتية باعمال الجميع من الاولين والاخرين باعتباره الشاهد على جميع الشهداء ومضمون احاطته باعمالهم ما هي التوضيحات القرآنية لهذه الحقيقة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، بلا شك ان القرآن الكريم يشير الى هذه الشهادة باكثر من آية منها «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»، فالشاهد هذه الشهادة ليست فقط على امته هذه الشهادة هي شهادة عامة فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً، فهذه شهادة ايضاً على الانبياء الماضين الذين كانوا شهوداً على اممهم فشهادة النبي بلا شك وان الاعمال كذلك تعرض عليه، في روايات عندنا كل صباح ومساء وفي روايات كل اثنين وكل خميس فهذه بلا شك كيف تكون الشهادة اذا لم يكن هناك تطلع على الاعمال، يعني هل يمكن ان نقبل شهادة من انسان ان يكون شاهد وهو ليس له اطلاع على هذه الاعمال وهذا ان دل على شيء انما يدل على احاطته باعمالنا، في رواية عن الامام الصادق عليه السلام اقبل رجل اليه قال مالكم تسؤون رسول الله فقال له يا بن رسول الله وهل فينا من يسيء الى الرسول وقد ذهب الرسول الى دار حقه الى جوار ربه، قال اما علمتم ان اعمالكم تعرض عليه فاذا رأى سيئة يتأذى رسول الله فلا تؤذوا رسول الله بل سروه، يعني سروه في الاعمال الصالحة والاعمال الحسنة هذه رواية صريحة.
المحاور: وايضاً تشتمل على موعظة تربوية مهمة ايضاً؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم فيها موعظة تربوية بان الانسان ينبغي بان يكون ويلاحظ ان هذا العمل يعرض على نبي الرحمة.
المحاور: يعني على الاقل يجتنب المعاصي لكي لا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم هذا ايضاً مطلب تربوي، اضف الى ذلك نحن في كل صلاة في كل يوم نسلم على النبي وهذا السلام ان دل على شيء انما يدل على انه حضوره ويدل على حياته ويدل على مجموعة مضامين اخرى لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله.
المحاور: يعني والعياذ بالله والا كان هذا السلام امر عبثي وحاشا ان الله تبارك وتعالى يأمر بامر عبثي اذا كان لا يستمع له رسول الله؟
الشيخ باقر الصادقي: وهناك فائدة اخرى نستفيدها كذلك في ذكر كون النبي شاهد قبل جميع الصفات الاخرى هذا يحتاج في الحقيقة الى ان وجود النبي صلى الله عليه وآله في هذا المقام لانه قدم في الآية الشريفة يا ايها النبي انا ارسلناك شاهداً، وبعد ذلك ذكر ومبشراً ونذيراً وداعياً الى الله، وهذه في الحقيقة فيها مقام واشارة الى منزلة النبي وعظمة النبي واطلاع النبي صلى الله عليه وآله العلم الواسع، وفي ذلك يقول الامام الرضا عليه السلام ان الله جمع لنبينا محمد صلى الله عليه وآله من العلوم جميع ما آتى وما اعطى من لدن آدم الى عيسى بن مريم وزاده عليهم.
المحاور: سماحة الشيخ باقر الصادقي فيما يرتبط بهذه النكتة التي اشرتم اليها تقديم الشهادة هل يمكن ان صفة الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وآله نفهم من ذلك ان مقام الشاهد اعلى مرتبة او مقام النبي النذير والبشير؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك اعلى ولاضافة هذه العظمة في بعض الروايات كما في الروضة الكافي للشيخ الكليني ان بعض الانبياء يوم القيامة يسئلون انه يطلبون ان يشهد، يعني الله يطلب منهم من يشهد لكم، ففي بعض الحالات النبي الاكرم هو يشهد في بعض النصوص يقول لحمزة اسد الله واسد رسوله ولجعفر الطيار كما في الرواية في الروضة الكافي للشيخ الكليني قوما واشهدا على الانبياء بما بلغا فيقول الراوي واين علي بن ابي طالب فيقول له هو في مكان اسمى وارفع، في الحقيقة ان دل على شيء انما يدل على مقام النبي بعد مقام رفيع اذا كان جعفر الطيار اذا كان حمزة اسد الله واسد رسوله يشهدان على بعض الانبياء بما بلغا، وهذه طبعاً حينما يأمرهم النبي بادلاء هذه الشهادة فكيف مقام النبي صلى الله عليه وآله.
المحاور: صلوات الله وسلامه عليه ازكى السلام وعلى جميع الانبياء والمرسلين والاوصياء، سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً.
*******
نشكر لكم مستمعينا الاكارم طيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج (فاتح الخير) وبعد ان تعرفنا على مقام شهادة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) على الخلق جميعاً ننتقل الى مقام آخر تذكره زيارته من بعيد المروية عن امامنا الصادق (عليه السلام) وهو مقام تحن اليه كل القلوب، نعني مقام «الشفيع الى الله».
وعندما نلاحظ احباءنا ما ورد في فقرات هذا المقطع من الزيارة نجد انها تتحدث عن مقامات تتميز جميعاً بكونها تشير الى ان محمداً المصطفى (صلى الله عليه وآله) هو باب ووسيلة جميع الخلق الى الله عزوجل.
وهذا الامر يصدق على مقام الشفاعة، فهو شفيع الاولين والاخرين من الانبياء (عليهم السلام) وغيرهم من الخلق الى الله ولا غنى لأحد عن شفاعته هذا اولاً وثانياً فإن شفاعته يوم القيامة تشمل دفع العقاب عن المذنبين ورفع درجات المؤمنين.
وهاتان الحقيقتان متجليتان بكل وضوح في الحديثين الشريفين التاليين اللذين نتبرك بنقلهما لكم اعزاءنا مسك ختام لهذه الحلقة من البرنامج.
اما الاول: فقد روي في تفسير العياشي عن مولانا الكاظم (عليه السلام) انه قال: يقوم الناس يوم القيامة... فيأتون آدم فيستشفعون منه فيدلهم على نوح ... ويدلهم نوح على ابراهيم... الى ان قال (عليه السلام):
فيدلهم عيسى فيقول: عليكم بمحمد ...
فيقول محمد (صلى الله عليه وآله): انا لها ثم ذكر الامام الكاظم ان النداء الالهي يرتفع قائلاً: سل تعط واشفع تشفع.
ثم قال (عليه السلام): فما احد من الناس يوم القيامة في جميع الامم اوجه من محمد (صلى الله عليه وآله) وهو قول الله عزوجل: «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا».
اما الحديث الثاني: فقد روي في المصدر نفسه عن الصادق (عليه السلام) ان رجلاً سأله: هل يحتاج المؤمن الى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله)؟
فقال (عليه السلام): ... ما من احد الا يحتاج الى شفاعة محمد يومئذ.
ما استمعتم له اعزاءنا من اذاعة طهران هو برنامج فاتح الخير في حلقته السابعة عشرة الى لقاءنا المقبل نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******