ويقول الكاتب فريد عليلات -في تقرير بالمجلة- إن بوتفليقة استقال مجبرا أمام الضغط المسلط من قوتين رئيسيتين بالبلاد قررتا طي صفحة عشرين سنة من رئاسته.
وأوضح أن هاتين القوتين هما الانتفاضة الشعبية للملايين ثم الجيش، مشيرا إلى أن المعسكر الرئاسي ظل يناور ويبذل قصارى جهده خلال الثمانية أشهر الماضية لإبقاء بوتفليقة على رأس السلطة مهما كلف الثمن ورغم تقدمه في السن وتدهور حالته الصحية. وقد رصدت المجلة أهم محطات الحدث الذي سيغير وجه المشهد السياسي في الجزائر.
26 سبتمبر/أيلول 2018
في صبيحة هذا اليوم، دُعيَ أعضاء الحكومة إلى قصر المرادية لحضور مجلس وزاري، وجلسوا في انتظار أن يتم إحضار الرئيس إلى قاعة الاجتماع.
وأثناء هذا الاجتماع، تمْتَم الرئيس بكلمات قليلة ثم أفسح المجال لبقية الحضور، وفجأة ارتخى رأسه فوق كتفه وعمّ القاعة الذهول، وتم إخراجه فورا ونقله إلى قصر زرالدة، ليتواصل الاجتماع من دونه. وقد تركت تلك الحادثة حالة من عدم الارتياح حول الحالة الصحية للرئيس، حيث تأكد عدم قدرته على القيام بمهامه. وهو ما جعل ترشحه للعهدة الخامسة فرضية مستبعدة أو حتى غير واردة.
استقالة بوتفليقة
هذا اليوم، التقى رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري بسعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس) وأقر سعيد بأن الرئيس مريض جدا ولا يستطيع الكلام أو استقبال الضيوف، وأن عائلته تأمل في خروجه من الباب الكبير تماما كما كان الحال عندما وصل للرئاسة سنة 1999.
وعرض سعيد فكرة تمديد العهدة الرابعة لرئيس الجمهورية أشهرا إضافية بتأجيل الانتخابات، مقابل التفاوض على انتقال سياسي يمر عبر الإصلاحات السياسية وحكومة وحدة وطنية ومراجعة معمقة للدستور. وكان سعيد يرغب في تكليف مقري بإقناع المعارضة بهذه الخطة، مؤكدا أن الجيش سوف يدعم هذا السيناريو.
الأربعاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2018
عُقد اجتماع ثان من نفس النوع، ولكن هذه المرة في قصر زرالدة، حضره شقيق الرئيس ومستشارا بوتفليقة مع الوزير الأول أحمد أويحيى، ووزير الداخلية نور الدين بدوي، والرئيس الجديد للجمعية الوطنية معاذ بوشارب، إلى جانب منسق حزب جبهة التحرير الوطني، ووزيرين سابقين، ولم تتم دعوة أحمد قايد صالح.
وجدّد سعيد هذه المرة التأكيد على نفس الموقف، مؤكدا أن الرئيس ليس قادرا على الاستمرار للعهدة الخامسة لأن صحته لا تسمح بذلك، ولابد من تأمين خروج مشرف له. ولهذا الغرض، تم تكليف عمار غول رئيس حزب تجمع أمل الجزائر للترويج لمبادرة جديدة لإقناع المعارضة بمبادرة تأخير خروج بوتفليقة. وكان عمار كل مرة يتساءل عما إذا كان الجيش موافقا على هذه الخطة.
الجمعة 22 فبراير/شباط 2019
خرج ملايين الجزائريين للشوارع رافعين شعار "لا للعهدة الخامسة". وكانت هذه التحركات غير مسبوقة، وتركت آراء وانطباعات مختلفة، وظل سعيد بوتفليقة يكرر أن الأوضاع لا تزال تحت السيطرة. وبعد ساعات قليلة، عُقد اجتماع مع المخابرات، وبدا المسؤولون في هذا الجهاز أكثر قلقا، وقال أحدهم لسعيد "لقد حذرناكم، ولكنكم اخترتم المرور بالقوة".
أما في صفوف قيادة الجيش، فقد تراجع الدعم المستمر الذي كان قايد صالح يقدمه لبوتفليقة، في ظل تواصل الحراك أسبوعا بعد أسبوع وتزايد الزخم الشعبي. ولم تفلح الرئاسة في تجاوز هذه الصعوبات حتى مع التنازلات التي قدمتها من خلال مقترح عقد مؤتمر وطني، وإجراء انتخابات دون مشاركة بوتفليقة، وإقالة رئيس الحكومة وتأخير الانتخابات. وفي ظل هذه الأوضاع، وصلت البلاد إلى طريق مسدود، وبدأت قيادات الجيش تضغط على قايد صالح للاختيار بين الشعب وبوتفليقة.
30 مارس/آذار 2019
اتصل رئيس الاستخبارات السابق الجنرال توفيق باليمين زروال، ودعاه للقدوم للجزائر العاصمة لحضور اجتماع. وعلى الرغم من أنه كان لا يثق بتوفيق فإنه وافق على قطع مسافة أربعمئة كيلومتر من باتنة إلى الجزائر من أجل لقائه.
وبعد استعراض الأوضاع، اقترح الجنرال توفيق على زروال أن يترأس المجلس الذي سيتولى الحكم في الفترة الانتقالية، وأكد له أن هذا المقترح يحظى بدعم شقيق الرئيس، إلا أن زروال رفض هذه الفكرة وغادر.
وفي اليوم التالي، صدر بيان رئاسي يؤكد استقالة بوتفليقة قبل تاريخ 28 أبريل/نيسان، وبدأ صراع محموم بين معسكر الرئاسة وقيادة الجيش، إلى أن جاءت رصاصة الرحمة في الثاني من أبريل/نيسان، عندما قام رئيس أركان الجيش بعد اجتماعه بوزير الدفاع بالإعلان عن ضرورة تطبيق الفصل 102 من الدستور بشكل فوري. ثم اتصل قايد صالح بالرئاسة وطالب بإصدار بيان باستقالة رئيس الدولة وعرضه على التلفزيون، وبحلول الساعة 19:45 أعلن بوتفليقة استقالته.
باريس تتدخل
كانت فرنسا تنظر بارتياب لتمسك بوتفليقة بمنصب الرئاسة والسعي لنيل عهدة خامسة، إذ أن السفير الفرنسي لم يكن يخفي هذا الموقف أمام الجزائريين والأجانب. وفي المراسلات التي كان يوجهها إلى باريس، كان يحذر من إمكانية اندلاع تحركات شعبية شبيهة بحركة السترات الصفراء في فرنسا، وهو ما جعل قصر الإليزيه يدخل في حالة تأهب قصوى.
27 فبراير/شباط 2019
بعد خمسة أيام من أولى المظاهرات، استدعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سفيره الذي نصحه بالتعامل بكل حذر فيما يخص البيانات الصادرة عن الرئاسة.
12 مارس/آذار 2019
دعا ماكرون إلى إنجاز انتقال يدوم لفترة معقولة في الجزائر، إلا أن هذا الموقف خلف ردود فعل سلبية في الشارع الجزائري، وبدأت الشوارع تشهد رفع شعارات مناهضة للرئيس الفرنسي. ومن أجل إنقاذ الموقف، سارع وزير الشؤون الخارجية جان إيف لودريان إلى عقد لقاء في باريس مع رمطان لعمامرة، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الجزائري.
29 مارس/آذار 2019
أعلن لودريان أن انتقال السلطة بات ضروريا في الجزائر، وهو ما كان يعني بوضوح أن فرنسا تخلت عن بوتفليقة.
المصدر : جون آفريك /الجزيرة نت