الجواب:
الآيةُ المباركةُ تُشير على لسانِ بعضِ الجنِّ إلى حدَثٍ وقع في زمنِ المَبعثِ النبويِّ ومبدأ نزولِ القرآن الكريم، وهو أنّ كلَّ مَن حاول من الجنِّ استراقَ السمع وترصُّدَ أخبارِ السماء التي كان يتداولُها الملائكةُ فإنَّه يجد ما يصدُّه عن ذلك، فقد كان يُسلَّط على كلِّ مَن يتسلَّل إلى مقاعدِ الملائكة في السماء لاستراقِ الأخبار والمغيَّبات يُسلَّط عليه شهابٌ حارق وهو معنى قولِه تعالى: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾(2).
ثم إنَّ المراد من الشهاب قد لا يكون مادِّياً وإنَّما تمَّ التعبير عنه بالشهاب لتقريب المعنى للمتلقِّي فيكون المراد من الشهاب قوَّةً رادعة تتناسب مع طبيعة تلك العوالم.
وقد ورد في الروايات (3) أنَّ بعضَ شياطين الجنِّ يسترقون السمعَ ويترصَّدون أخبارَ السماءِ من الملائكة فإذا عثروا على خبرٍ من الأخبار الغيبيَّة ذهبوا به إلى الكهَنة فيزيدون عليه أو يزيد عليه الكهَنةُ، فكان ما تلقَّوه حقَّاً وما أضافوه باطلاً، وأمَّا استلزام ذلك لعلم الجنِّ بالغيب فلا محذورَ فيه، إذ أنَّ ما يختصُّ اللهُ تعالى به هو الإحاطة بالغيب أولاً وأنَّ علمَه تعالى بالغيب ذاتيٌّ ومن دون تعليم أحد.
وأمَّا علمُ غيره بالغيب فهو مُكتسَب وليست له إحاطة بجميع المُغيَّبات.
الشيخ محمد صنقور
-----------------------
1- سورة الجن / 9.
2- سورة الشعراء / 212.
3- الاحتجاج -الشيخ الطبرسي- ج 2 / ص81.