بسم الله وله الحمد والمجد رب العالمين، وازكى الصلاة والسلام على رسوله الامين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا، تحية مباركة طيبة واهلاً بكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نصطحبكم فيه ضمن فقرات هي:
- عقائدية عن خصائص النار في القران الكريم
- واجابة من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن معنى رد المظالم
- وحكاية موثقة عن بركات بر الوالدين عنوانها: رد الحسين سلامه وهو يبتسم
- وفقرة ادبية عنوانها: عتاب للنفس
*******
على بركة الله نبدأ احباءنا هذا اللقاء بفقرة عقائدية قرآنية تذهب قسوة القلوب عنوان الفقرة هو:
النار وآثار السيئات
ان من عظيم رحمة الله عز وجل بعباده انه عرفهم باوصاف الجبان ونعيمها لكي يرغبوا في صالحات الاعمال ويمهدون بها لعيشهم الابدي في جنان الرحمان.
كما ان من عظيم رأفته جل جلاله بعباده انه عرفهم باوصاف النار وعذابها لكي يتورعوا عن السيئات الموقعة في جحيمها حتماً مقضياً.
وقد تحدثنا في الحلقات السابقة عن الاوصاف القرآنية لجنان الرحمان، وها نحن نتناول في هذه الحلقة الاوصاف القرانية للنار اعاذنا الله واياكم منها.
يصف القرآن الكريم عذاب النار بانه اشد العذاب او العذاب الاليم والمقيم والمهين والعظيم والغليظ، فهو عذاب لا يمكن تصوره ومقارنته باي شكل من اشكال الاذى والعذاب المألوفة في الحياة الدنيا.
اي انه عذاب لايمكن لاحد ان يطيقه او يتحمله، فهو عذاب الخلود الذي سجر ناره الجبار الذي له القوة جميعاً ولذلك فهو شديد العذاب كما انه عذاب ملازم لصاحبه لانه ناتج من الآثار التكوينية للسيئات.
فمثلاً ان لشرب الخمر اثار مؤقتة على جسم الانسان وروحه فان له آثار محرقة لروح الانسان تبقى ملازمة له في الاخرة، اي ان الانسان انما تعذبه اعماله السيئة فيجازى بها ولا يعذب عذابه احد، فاكل مال اليتامى ظلما مثلاً يؤدي الى ايقاد نارا ملكوتية تحرق روح من يرتكب هذه المعصية وتبقى هذه النار تحرق روحه الا ان يتوب فيتوب الله عليه ويطفا هذه النار.
وهذا احد اوجه تفسير الوصف القراني بجهنم بانها ناراً وقودها الناس والحجارة، وان الكافرين هم بانفسهم حصب جهنم.
اجارنا الله واياكم منها ووفقنا للمبادرة للتوبة النصوح في كل حين.
وعذاب جهنم مستمر لا يخفف عن اهلها ولا يستبدل بفداء او غيره وهو يحرق جلودهم وهذا من اشد الايلام ولكن الجلود تستبدل باستمرار بجلود جديدة فيبقى الايلام على اشده كما انه عذاب يشتمل جميع اجزاء ابدان اهل جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم وظهورهم.
اي ان جملع اعضاء ابدانهم تذوق العذاب، ولكن التعذيب لا يقتصر على الابدان بل يشتمل الارواح التي يحيط بها الخزل العظيم واشد انواع النيران ايلاما واحرقها هي التي تعذب باطن الانسان وتحرق قلبه وهي التي يصفها القرآن بانها تطلع على الافئدة ولاهل النار طعام يزيد من عذابهم ويضاعف الامهم، وهم مجبورون على تناوله رغم انه من شجرة الزقوم الرهيبة التي يملاون من طلعها بطونهم فتمزقها باشد مما تفعل الشفرات.
اما شرابهم فهم من حميم حار يقطع امعائهم ويذيبها ومن صديد تنفر منه النفوس لكنهم يتجرعونه اضطراراً.
كما ان عذاب النار لايقتصر على شكل واحد او اثنين كالاحراق واكل ما يؤذيهم وغير ذلك، بل يشتمل على انواع كثيرة تتكامل منظومتها في جعله اشد العذاب وهذا التنوع يتناسب مع تنوع واشكال الشيئات التي كان اهل النار يفعلونها في الحياة الدنيا وهو عذاب يجعلهم يتمنون الموت في كل لحظة وبالفعل يمرون بجميع صعوبات الموت ومشاقه في كل حين لكنهم لا يموتون بل يتواصل عذابهم دون ان يخفف عنهم وكذلك دون ان تمنح لهم فرصة للخروج من النار بل ان غمهم فيها مستمر لا انقطاع له.
*******
أما الآن فننقلكم الى خبير برنامج عوالم ومنازل سماحة الشيخ محمد السند وهو يجيب عن بعض اسئلتكم في الاتصال الهاتفي التالي الذي أجراه زميلنا.
معنى رد المظالم
المحاور: سلام من الله عليكم الافاضل وسلام على ضيفنا الكريم وخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ من الاخ قيس الاحمد عبر البريد الالكتروني وصلنا سؤال منه عن قضية رد المظالم، يقول يخصص بعض الاشخاص في وصاياهم مبالغ من المال يوصون بتقديمها في الاعمال الخيرية يسمونها رد المظالم، فما معنى ذلك؟ وهل ورد ذكرها في الدين؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، في الحقيقة رد المظالم هي عبارة عن امور مالية او غير مالية او بالدرجة الاولى مالية تكون بذمة شخص للآخرين ربما مال بقي في يده لمعاملة معينة لطرف آخر ثم غاب ذاك الطرف او فقد الاتصال والارتباط به، او محاسبات خاطئة مالية حصلت مع الكثير من الناس فبقيت في ذمته مديونية لكثيرين، فمجموع حاصل تعامل الانسان لا ريب بعد عيشه الاجتماعي مع كثير من الناس تبقى في ذمته مديونية للكثيرين، فمن ثم هذه المديونية هي ملك لاولئك الاشخاص وحيث لا قدرة للوصول اليهم او ما شابه ذلك، او غفل او قصر وتناسى ونسى، فيخرج مبلغاً عما في ذمته يتصدق بها على الفقراء والمساكين، نيابة عن اصحاب الاموال الطالبين للاموال في ذمته، او ربما اتلف شيئاً فضمنه لاخر ولكنه نسي ذلك او كان الاتلاف غير عمدي ولكن ذمته مشغولة او لربما هناك بعض القصاص في اطراف الاعضاء والجروح وهو لم يصل الى المعتدى عليهم من قبله، بالتالي كل هذه تعوض بالاموال او حقوق اخرى ربما لاناس يطالبون بذمته حقوق ترتبط بهم، جهات اخرى غير مالية ولكن ما يتصدق عنهم بالاموال يكون هذا نوع من التهاتر عما في ذمته لثواب اولئك، وبالتالي يكون نوع من العفو يوم القيامة عنه عما في ذمته، طبعاً هذه ليست الحقوق الخطيرة، اذن رد المظالم هي عبارة عن ما للعباد ظلامات في ذمة الشخص الميت او الذي وصى قبل ان يموت، طبعاً الافضل ان يخرجه الانسان وهو حي، لانه ربما يوصي للورثة ولا يقومون بذلك ولكن من الافضل الانسان هو بنفسه بين فترة واخرى عندما يتصدق، يتصدق عما في ذمته من اي مظالم للعباد في ذمته وبقيت ذمته مديونة لهم، وهذا امر يوافق الاحتياط ومن يخاف الاخرة والحساب، وسيما ظلم العباد قد يكون هناك معاصي فيما بين العبد وربه يغفرها الله عز وجل ولكن ظلم العباد لا يعفى عنه الا باذن صاحبه، فمن ثم ليخرج الانسان ما يبرئ ذمته عما قد علقت به من ظلامات او مطالبات للعباد الاخرين، هذه هي فكرة رد المظالم، والصحيح فيها ان يتصدق على الفقراء والمساكين، وان كان لا يخلو من الاجزاء ولكن من الافضل الاحوط ان يصرف عنه لفقراء المؤمنين والمساكين المؤمنين.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند، للاخ قيس الاحمد سؤال آخر لو سمحتم نوكله الى لقاء مقبل باذن الله تبارك وتعالى، وحياكم الله الافاضل وانتم تتابعون باقي فقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
نواصل احباءنا من اذاعة طهران تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، فننقلكم الى اجواء القصص الحق وحكاية تربوية عنوانها هو:
رد السلام وهو يبتسم
نقل حكاية هذا اللقاء آية الله الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب الذي أوصى الامام الخميني بقراة كتبه لعميم نفعها، وقد نقلها في كتابه (القصص العجيبة) الذي ذكر في مقدمته أنه التزم فيه بعدم نقل الا ما اطمئن الى صحته من الحكايات.
وهذه الحكاية منقولة عن العالم الزاهد الشيخ مشكور وهو من معاريف اخيار النجف الاشرف وجاء فيها قوله: في احدى الليالي رأيت في عالم الرؤيا انني ادخل الروضة الحسينية المطهرة وهناك رأيت شاباً بهيئة المزارعين يدخل الروضة ويسلم وهو يبتسم على الامام الحسين فرأيت الامام (عليه السلام) يبتسم ايضاً وهو يرد سلام الشاب!
وعندما استيقظ هذا الشيخ الزاهد من منامه شغلت ذهنه عدة اسئلة عن هوية هذا الشاب وما هو عمله الذي جعله يحظى برضا الامام الحسين (عليه السلام) بحيث يرد سلامه مع تلك الابتسامة المليحة؟
وكانت هذه الرؤيا الصادقة قد رآها الشيخ مشكور (رضوان الله عليه) في ليلة الخميس، وقد تحققت بالفعل في مساء ذلك اليوم اي ليلة الجمعة اللاحقة!
قال الشيخ مشكور: في ليلة الجمعة ذهبت الى الحرم الطاهر، ووقفت في احدى زوايا الروضة واذا بالشاب نفسه الذي رأيته في المنام يدخل الروضة ويقف امام الضريح المقدس ويسلم على الامام وهو يبتسم بالحالة نفسها التي رأيتها في منامي، والفرق انني لم ار سيد الشهداء (عليه السلام) في يقظتي كما رايته في رؤياي!!
ويتابع الشيخ الزاهد مشكور قدس سره نقل ما جرى، فيذكر أنه ظل يراقب هذا الشاب القروي أتم زيارته ولما خرج ابتعد ثم اخبره برؤياه وساله: ما هو العمل الذي قمت به وجعل الامام يرد سلامك مبتسماً؟
أجاب الشاب: نحن نسكن على بعد عدة فراسخ من مدينة كربلاء، ووالدي طاعنان في السن وأنا ازور حرم امامي الحسين عليه السلام كل ليلة جمعة واصطحب مرة والدي وفي الاسبوع التالي والدتي، اذ ليس لدي سوى صحبة دابة واحدة اركب عليها والدي او والدتي وآتي أنا ماشياً.
وتابع هذا الشاب القروي نقل حكايته قائلاً: في احدى ليالي الجمع كان الدور لابي فأركبته الدابة ولما همت بالحركة جاءت امي وهي تبكي وتقول: خذني معكما هذه الليلة، اخشى ان يحل اجلي قبل ليلة الجمعة المقبلة.
تلك الليلة كانت باردة للغاية ولم يستطع الشاب القروي ان يتجاهل رغبة ولدته ولا ان يجعله تمشي معه خوفاً عليها من شدة البرد وكانت الامطار قد هطلت فخاف عليها من الانزلاق.
ولذلك اختار ان يركب والده على الدابة وأن يحمل والدته على ظهره وسار بهما تلك الفراسخ الطويلة متحملاً مشقة كبيرة ولما وصل الحرم كان التعب الشديد قد انهكه.
يقول الشاب: ولكنني عندما دخلت الروضة وأنا على تلك الحالة من الارهاق تمثل لي سيد الشهداء (عليه السلام) وهو يبتسم عندما سلمت عليه ومنذ ذلك الحين يتكرر هذا المشهد كلما زرته (عليه السلام).
*******
ندعوكم الى الفقرة الادبية في البرنامج وعنوانها في هذه الحلقة هو:
عتاب النفس
من جميل شعر المحاسبة الذاتية ومعاتبة النفس على ترك الآخرة من اجل الدنيا ما قاله الشاعر المبدع:
فمالي اترك مالا يزول
وأعمل للعرض الزائل
شهدت اذاً انني مائق
وان لست بالرجل العاقل
يبيع النفيس بما دونه
لا يثار مستلف عاجل
فما عذر من باع اسنى الحظوظ
بالوكس من موكس ماطل
أأترك آخرتي ضلة
وأخدم دنياي بالباطل
وأسخط ربي وأرضي العباد
بغير ثواب ولا نائل
شهدت اذا انني جاهل
بحظي وزدت على الجاهل
أما الشاعر ابو العتاهية فيتناول حقيقة الدنيا مخاطباً لها ولنفسه قائلاً:
ألا الى الله تصير الامور
ما انت يا دنياي الا غرور
ان امرء يصفو له عيشه
لغافل عما تجن القبور
نحن بنو الارض وسكانها
منها خُلقنا واليها نحور
حتى متى انت حريص على
كثير ما يكفيك منه اليسير
اذا ما عرفت الله فاقنع به
فعندك الحظ الجزيل الكثير
تبارك الله وسبحانه
من جهل الله فذاك الفقير
وأخيراً مع هذه الابيات العتابية الشديدة للشاعر المشهور ابي العلاء المعري وهو يقول:
حسبي من الجل علمي أن آخرتي
هي المال واني لا اراعيها
وان دنياي دار لا قرار بها
وما ازال معناً في مساعيها
كذلك النفس ما زالت معللةً
بباطل العيش حتى قام ناعيها
تدعى لخير فلا تصغي له
ما ينادي لغير الشر داعيها
*******