وأفادت مصادر من موقع الحدث أن القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية أجبرت قوات حفتر على التراجع عن المواقع التي سيطرت عليها الخميس.
هذا التطور أظهر صعوبة مهمة حفتر بالسيطرة على العاصمة، التي تضم مليشيات عديدة بأهداف مختلفة، لكنها تجتمع كلها في معارضتها لقائد "عملية الكرامة"، وهو ما أظهرته الأحداث أمس، مع اتحاد مجموعات مسلحة مختلفة تحت تجمّع "قوة حماية طرابلس" لمواجهة الهجوم.
لكن على الرغم من هذا التراجع، ومن الضغوط الممارسة على حفتر لوقف هجومه، إلا أن المعطيات دلّت على عزمه الاستمرار في المعركة، مع مغادرة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ليبيا أمس بعد لقائه حفتر معلناً قلقه الشديد، في وقت كان فيه قائد "عملية الكرامة" يدفع بقوات إضافية نحو العاصمة.
" وشهد يوم أمس تراجع قوات حفتر عن مواقعها السابقة التي سيطرت عليها الخميس باتجاه العاصمة، وذلك بعدما أعلنت "قوة حماية طرابلس" الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، إطلاق عملية سمّتها "وادي الدوم الثانية" للتصدي لقوات حفتر، من دون تقديم أي تفاصيل أخرى حول العملية.
فيما نشر المكتب الإعلامي للسراج، فيديو أظهر زيارته لبوابة 27 كلم غرب طرابلس، التي استعادتها "قوة حماية طرابلس".
وأكد سليمان أبو دية أحد قادة "قوة حماية طرابلس"، استرجاع قواته للمناطق التي سيطرت عليها قوات حفتر الخميس، بدءاً من بوابة 27 كم إضافة إلى مدينتي صرمان وصبراتة وغريان، وكلها مناطق تقع غرب العاصمة.
وكشف أن "قوة حماية طرابلس" تجري اتفاقات مع قوات "البنيان المرصوص"، وقوى أخرى في مصراتة غرب البلاد، لملاحقة فلول قوات حفتر في المناطق الجنوبية لغريان، وصولاً إلى منطقة الجفرة التي تعتبر مركز قواته، التي انطلقت منها أرتال الحملة الأخيرة باتجاه طرابلس.
في غضون ذلك، نشر المجلس العسكري لتجمّع "كتائب وسرايا ثوار الزاوية" صوراً لأسرى من قوات حفتر، تم القبض عليهم أثناء إعادة السيطرة على بوابة 27 كم وتسليمهم لآمر المنطقة العسكرية الغربية، التابعة لحكومة الوفاق اللواء أسامة الجويلي.
في المقابل، أعلنت قيادة قوات حفتر انتقال اللواء 73 مشاة بكامل عتاده إلى المنطقة الغربية، وهو من أكبر ألوية قوات حفتر، في إشارة إلى سعي قائد "عملية الكرامة" لاستعادة المناطق التي خسرها.
وفيما لا تتوفر معلومات دقيقة عن أعداد المجموعات المسلحة في العاصمة، فإن أغلبها تجتمع في "قوة حماية طرابلس" التي تشكّلت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من أكبر أربع مجموعات مسلحة بالعاصمة.
لكن مطلع الأسبوع الحالي، وإثر تزايد الحديث عن نقل حفتر قواته باتجاه غرب البلاد، أُعلن توحيد القوى المسلحة في المنطقة الغربية، بدءاً من سرت شرقاً وحتى راس جدير الحدودية مع تونس غرباً، من دون إعلان مكوّناتها.
وإثر إطلاق عمليتها الأولى ليل الخميس تحت مسمى "عملية وادي الدوم 2"، ظهر أنها تتألف من قوات مصراتة وتحديداً "القوة الاحتياطية لمكافحة الإرهاب"، وقوات "المجلس العسكري لكتائب وسرايا ثوار الزاوية"، بالإضافة إلى القوى الأربع في طرابلس.
ومن غير المعروف حجم قوة وتسليح هذه القوى، لكنها تعتمد على المقاتلين المدنيين في الأغلب.
وعلى عكس القوات الموالية حالياً لحكومة الوفاق، تظهر قوات حفتر أكثر انضباطاً، فقادتها هم ضباط سابقون في الجيش الليبي.
وعلى الرغم من تأزم الوضع على مقربة من طرابلس، فإن الهدوء ساد مختلف أرجاء العاصمة أمس الجمعة، وهو يوم عطلة رسمية في مختلف أرجاء البلاد، وكانت الحركة خفيفة في الطرقات، باستثناء بعض المناطق التي تعقد فيها أسواق شعبية.
وشاهد مراسل "العربي الجديد" تشديدات أمنية في مختلف الطرقات الرئيسية والفرعية، بالإضافة إلى الأحياء الجنوبية والغربية، في السراج وجنزور وقصر بن غشي، وهي أحياء قريبة من أماكن تمركز "قوات حماية طرابلس" على حدود العاصمة الجنوبية والغربية.
لكن أمام محطات الوقود وقفت عشرات السيارات منذ ساعات الصباح الباكر في طوابير طويلة للتزود بالوقود.
من جهته، أكد الضابط في مديرية أمن طرابلس، النقيب أبو بكر المدهم، عدم تسجيل أي حالة نزوح من سكان العاصمة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "المواجهات المسلحة كانت بعيدة جداً عن العاصمة وتحديداً جنوبها، ومن ثم لا دافع للنزوح عند الأهالي".
ونشر المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق، صوراً لوزير الداخلية فتحي باشاغا وهو يتجوّل في طرقات العاصمة خلال الساعات الأول من صباح أمس الجمعة، لـ"تفقد سير العمل الأمني في العاصمة".
وفي موازاة الحراك الميداني، كان الأمين العام للأمم المتحدة يقوم بتحركات سياسية لمحاولة وقف تدهور الأوضاع. وتوجّه غوتيريس أمس إلى بنغازي وطبرق لـ"تجنّب المواجهة العسكرية"، مشدداً عبر "تويتر" على أنه "لا يوجد حلّ عسكري للأزمة الليبية، وإنما سياسي فقط".
ولكن بدا أن جهود غوتيريس اصطدمت برفض حفتر، فبعد لقاء بينهما أمس، أعلن الأمين العام عصراً أنه يغادر ليبيا وهو "مفطور القلب" ويشعر بقلق شديد. وأضاف في تغريدة: "ما زال يحدوني الأمل في إمكانية تجنّب مواجهة دامية في طرابلس وحولها".
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية، مطلعة على إدارة الملف الليبي، قد كشفت لـ"العربي الجديد" عن اتصالات أجراها غوتيريس، والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، بكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الحليفين القويين لحفتر، للتدخل وإقناعه بوقف تحركه العسكري نحو العاصمة.
وبحسب المصادر، فإن هناك تبايناً وخلافات واسعة بشأن إدارة المشهد الليبي حالياً بين الجانبين المصري والإماراتي.
ترافق ذلك مع تصاعد التحذيرات الدولية والإقليمية من مغبة الأوضاع.
وأعربت تونس عن "قلقها العميق" حيال التطورات في ليبيا.
في موازاة ذلك، طلبت وزارة الدفاع التونسية في بيان من العسكريين "ملازمة اليقظة والحذر وأن تعزز التشكيلات العسكرية من وجودها بالمعبرين الحدوديين بكل من الذهيبة ورأس جدير (جنوب شرق)".
من جهته، قال الكرملين إن روسيا لا تقدم المساعدة لقوات حفتر، مضيفاً أن "أهم شيء هو ألا تؤدي العمليات (العسكرية) هناك إلى حمام دم جديد... يجب حل الوضع سلمياً".
كما عبّر وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني عن قلق بلاده الشديد إزاء تطورات الأحداث.