الحمد الله والصلاة والسّلام على رسول الله وآله أحباء الله. السّلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته. أهلاً بكم ومرحباً في لقاء آخر من هذا البرنامج، ننقلكم فيه الى رحاب سبل السّلام ضمن فقرات تحمل العناوين التالية:
- من خصال أهل حظيرة القدس
- زاد طلّاب الآخرة
- خزائن عمر الانسان
- حفظ الأمانة وسعادة الأبد
*******
لنبدأ على بركة الله أعزاءنا هذه الجولة بالفقرة الأولى، وقد اخترنا لها العنوان التالي:
من خصال أهل حظيرة القدس
أعزائنا، في هذه الحلقة، نختم بعون الله تبارك وتعالى الحديث عن مفاتيح الدخول في حظيرة القدس التي عرفنا أنها أسمى منازل الوجود وأعلى مراتب الجنان.
وقد عرّفتنا الاحاديث الشرّيفة التي نقلناها في الحلقتين السابقتين بخمسة من هذه المفاتيح المباركة سنذكر ملخّصها في نهاية هذه الفقرة إن شاء الله.
وأما المفتاح السادس فهو الأنس الروحي والقلبي بالله تبارك وتعالى، وهذا ما يدلّ عليه الحديث الشرّيف المرويّ في كتب الفريقين ونحن ننقله هنا من كتاب أمالي الشيخ الصّدوق، وقد جاء فيه:
إنّ الله عزّ وجلّ أوحى الى نبي من أنبياء بني اسرائيل: إن أحببت أن تلقاني غداً في حظيرة القدس، فكن في الدنيا وحيداً غريباً مهموماً محزوناً مستوحشاً من الناس بمنزلة الطير الوحداني الذي يطير في أرض القفار... إستأنس بربّه وإستوحش من الطيور.
ولا يخفى عليكم أعزاءنا أن المراد في هذا الحديث القدسي ليس العزلة الظاهرية عن الناس، فالانسان اجتماعي بطبعه، بل المراد تصوير أنّ توجّهه الأول هو الله تبارك وتعالى وأنّ معاشرة الناس لا ينبغي أنّ توقع الانسان في الغفلة عن الله عزّ وجلّ
أجل واضافة لذلك فإنّ المراد من الحديث الشرّيف هو تصوير شدّة شوق الانسان للقاء الله حبيب قلوب الصادقين.
أمّا المفتاح السابع لدخول حظيرة القدس فهو الأخذ بأمر آل محمد (صلى الله عليه وآله) بمعنى موالاتهم. فقد روي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) في كتاب الخصال أنه قال:
ذكرنا أهل البيت شفاء من العلل والأسقام ووسواس الرّيب، وجهتنا رضا الربّ عزّ وجلّ والآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.
نعم أحباءنا، فموالاة محمد وآله (عليهم السّلام) تطهّر وجود الانسان من كل ما يمنعه من دخول حظيرة القدس من الرجس والدنس، لأنها تعني التخلق بأخلاق الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ايها الأفضل وفي المقابل فإن أهم ما ينبغي لطالب حظيرة القدس أن يتورع عنه هو إيذاء أولياء محمد وآله عليه وعليهم أفضل الصلوات والسّلام، أجل فقد جاء في رسالة الامام الصادق (عليه السّلام) الشهيرة لعبدالله النجاشي عندما ولي على الأهواز، فقد جاء في مقدمتها: فأما سروري بولايتك فقلت عسى أن يغيث الله بك ملهوفاً خائقاً من أولياء آل محمد عليهم السّلام، ويعّز بك ذليلهم ويكسو بك عاريهم يقّوي بك ضعيفهم ويطفي بك نار المخالفين عنهم، والإلتزام بذلك هو الذي يفتح أمام المؤمن أبواب الفوز بمراتب الجنان العليا، وقد بينه الامام (عليه السّلام) للوالي ثم حذّره من أهم ما يحرمه منها، فقال: وأما الذي سائني من ذلك، فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشمّ حظيرة القدس، فاني ملخص لك جميع ما سألت عنه، إن أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله.
وقد ذكرت الاحاديث الشرّيفة عملاً عبادياً مهماً يعدّ من مفاتيح الفوز بكرامة سكنى حظيرة القدس، وهو أيضاً مروي في كتب الفريقين عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) قال: لما أراد الله أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وآيات قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الى قوله بِغَيْرِ حِسَابٍ تعلّقن بالعرش وليس بينهنّ وبين الله حجاب وقلن: يا ربّ تهبطنا الى دار الذنوب والى من يعصيك ونحن معلّفات بالطّهور وبالقدس، فقال جلّ جلاله: وعزّتي وجلالي، ما من عبد (وفي رواية: من شيعة آل محمد) يقرأ كن في دبر كلّ صلاة إلّا أسكنته حظيرة القدس، وإلّا نظرت اليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة.
وخلاصة كلّ ما تقدّم في هذه الحلقة والحلقتين السابقتين من البرنامج ايها الأعزاء أن أهمّ مفاتيح الفوز بسكنى حظيرة القدس هي:
الأنس بالله ومحبته والتوجّه إليه بموالاة أوليائه المقّربين صلوات الله عليهم أجمعين، هذا أولاً وثانياً الورع عن المحارم بمختلف أقسامها.
وثالثاً خدمة الخلق وطيب معاشرتهم.
*******
ومع هذه الخلاصة ننقلكم أحباءنا الى الفقرة التالية وفيها الاجابات عن اسئلتكم الكريمة للبرنامج فمع سماحة السيد محمد الشوكي.
زاد طلّاب الآخرة
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم، اهلاً بكم ومرحباً في هذه الفقرة من فقرات البرنامج معنا مشكوراً على خط الهاتف سماحة السيد محمد الشوكي، سماحة السيد من الاخ حسان علي عمران عبر البريد الالكتروني وصلتنا هذه الرسالة تضمن سؤال فيما يرتبط فيما على المرء ادخاره لآخرته ما هي اعمال الخير هل هي درجات ما هي افضلها التي لها قيمة عينية تشكل زاداً للانسان في مسيرته الى الاخرة؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، الحقيقة سؤال جيد والمفروض بالانسان المؤمن ان يهتم باخرته وان يعد العدة لتلك الدار وان يعمرها بالخيرات لانها هي المقر وهي المستقر، والقرآن الكريم يقول وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا، فاذنوَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وليس فقط ارادة الاخرة لو كان المقصود ارادة الاخرة فكلنا نريد الآخرة ومن لا يريد الآخرة والبقاء والخلود والقصور والحور ولكن المهم وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، الآخرة تحتاج سعي، كما ان الحياة الدنيا ايضاً تحتاج الى سعي، الدنيا اذا جلس الانسان في بيته لا يأكل رزقه عليه ان يسعى ويجد ويجتهد حتى يحصل على لقمة عيش، فاذا كانت الحياة الدنيا على رغم تفاهتها وسخافة عيشها وفنائها وزوالها لا تعطى للانسان مجاناً وانما لابد من كد وتعب وعمل فالآخرة احق بذلك فهل من المعقول ان الدنيا على انها لا تساوي شيئاً لا تعطى للانسان مجاناً والآخرة على عظمتها تعطى للانسان مجاناً ما لكم كيف تحكمون هذا لا يمكن فالآخرة تحتاج الى سعي ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها وللانسان عليه ان ينظر ما قدم لغد كما يأمرنا القرآن الكريم، الاعمال التي تنفع الانسان والذخر الكبير الذي ينفع الانسان في آخرته اولاً الفرائض لان الحديث القدسي يقول فيه تبارك وتعالى ما تقرب الي عبد باحب مما افترضت عليه اداء الفرائض وعلى رأس الفرائض الصلاة لان الله تعالى لا يقبل من الانسان صرفاً ولا عدلاً اذا ترك الصلاة، والفرائض الاخرى، فالانسان عليه ان يفكر في كل شيء ان يهتم ويحافظ على فرائضه على صومه وصلاته وما الى ذلك من فرائض آخرى، ثم بعد ذلك يأتي الى اعمال البر الى اعمال الخير، واعمال الخير كثيرة جداً هناك امور تتعلق بالنفس كالصلاة المستحبة كالذكر والتسبيح ونحن نعرف ان الانسان اذا سبح التسبيح الاكبر فقد غرس له غرس في الجنة، وفي رواية "سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر"، او يبنى له بيت في الجنة، ولبن وطابوق وآجر ذلك البيت هو التسبيح، فصلاة النوافل من اعمال البر ذكر الله تعالى بالتسبيح والاستغفار وما الى ذلك من اعمال البر، كذلك قراءة القرآن الكريم لان القرآن الكريم له موقف عظيم يوم القيامة، قال الحديث الشريف يصف القرآن الكريم شافع مشفع وما حل مصدق من جعله امامه قاده الى الجنة ومن جعله خلفه ساقه الى النار، فاحد الشفعاء الكبار هو القرآن الكريم ودرجات الجنة على قدر آيات القرآن الكريم، هذا يتعلق بالنفس واعمال الخير كثيرة بناء المساجد وبناء المستشفيات او المدارس او تزويج المؤمنين او قضاء حوائجهم او اعانة الفقراء وما الى ذلك من اعمال كثيرة جداً، وعلى رأس تلك الاعمال النافعة حب الله وحب رسوله وحب اهل البيت سلام الله عليهم اجمعين، وينقل لنا المؤرخون ان رجلاً جاء الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله عن موعد الساعة يوم القيامة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وماذا اعددت لها انت الان تسأل عن القيامة وكأنه انت مهيء كل امورك فماذا اعددت للساعة؟
قال: والله ما اعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولكني احب الله ورسوله قال اذن المرء مع من احب، فحب اهل البيت حب النبي حب الله تعالى، لان هذه امور مترابطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: احب الله لما يغدوكم من نعمه واحبوني لحب الله واحبوا اهل بيتي لحبي، فهي امور مترابطة حب الله وحب رسوله وحب اهل البيت من الباقيات الصالحات ومن المنجيات يوم القيامة، وكما قال الشاعر:
اني وان كنت المقل بزاده
لكن ذكري وافر وغزير
ذخر الولاء لاحمد ولآله
فولاءه ينجي الورى ويجير
نسأل من الله عز وجل ان يوفقنا والاخوة المستمعين والسائل الكريم لمرضاته وان يهدينا الى طريق الخير والبر وان يعمر قلوبنا بذكره وينورها بنوره وله الحمد اولاً وآخراً.
المحاور: الحمد لله رب العالمين سماحة السيد محمد الشوكي شكراً لكم، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون ما تبقى من فقرات هذا البرنامج.
*******
نشكر لكم أحباءنا جميل متابعتكم لبرنامج عوالم ومنازل فيما تقدم من فقراته وشكراً على طيب متابعتكم للفقرة التالية التي تحمل العنوان التالي:
خزائن عمر الانسان
تعلمون أن من أسماء يوم القيامة حسب ما ورد في القرآن الكريم هو أنه (يوم التغابن).
وقد ورد في تفسير معنى هذا الاسم في الحديث الشرّيف التالي الذي رواه الامام السجاد (عليه السّلام) عن جّده المصطفى (صلى الله عليه وآله) وجاء فيه أنه: يفتح للعبد يوم القيامة كل يوم من أيام عمره أربع وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار، فيفتح واحدة فيجدها مملوءة نوراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وعندما يسأل عن هذه الخزانة يجاب أنها خزانة الساعه التي أطاع فيها ربه، ثم تفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الجزع والفزع ما لو قسم بين أهل الجنة لتنغص عليهم نعيمها.
وهي - والعياذ بالله - خزانة الساعة التي عصى فيها ربّه، ثم يفتح له حزانة أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسؤوه، وهي والعياذ بالله ايضاً الساعة التي اشتغل فيها بشيء من الأمور الدنيوية غير المحرمة دون نيّة صالحة.
وهنا ينال الانسان الشعور بالغبن والأسف على ما فاته ممّا لا يوصف لأنه لم يملأها بنور الحسنات يوم كان قادراً أن يفعل في الدنيا. ولذلك سمّي يوم القيامة يوم التّغابن.
*******
مطافنا في هذه الجولة بلغ الفقرة الأدبية، فكونوا معنا وأبيات جميلة في بيان مشاهد القيامة وعواقب أهلها إخترنا لها العنوان التالي:
حفظ الأمانة وسعادة الأبد
أعزاءنا في هذه الفقرة، نقرأ لكم أبياتاً بليغة من ملحمة غديرية لأحد أدباء الولاء، قرأنا لكم مقاطع منها في حلقات سابقة، والأبيات المختاره لهذه الحلقة تصف أحوال الطوائف الثلاث من الناس في يوم الحشر الاكبر، فبعد بيان الاحتجاج الالهيّ على أهل الشمال أعاذنا الله وأياكم من عاقبتهم، يقول الشاعر مصوراً الخطاب الالهّي للمنحرف:
هداية أنزلتها
نفيسة لمقتصد
فهل حفظتم قدسها
وصنتموها من بدد
فأبلسوا خزياً وقد
ذلّوا، وكل منخمد
فاليوم يلقى النار من
عن مرتضى التوحيد صد
واليوم لا ينفعهم
عمر هناك أودعد
قد بايعوا الشرّ، وكان
رأيهم رأياً فند
قد خسروا أنفسهم
فبئس خسران الأبد
ثم ينتقل الشاعر الى اشارة لحال أصحاب اليمين فيقول:
واستبشر الذين صدقوا
وابصروا الرشد
فالحمد لله الذي
قد صدق اليوم الوعد
أورثنا جنانه
أذهب غصة الكمد
فيها لنا ما لا رأت
عين ولا قلب قصد
صلّوا على محمد
وآله بلا عدد
وأخيراً يشير هذا الأديب الولائي الى طائفة المقّربين السابقين فيقول:
وثلة قد حازت الرضوان
فضلاً ومدد
يهنيهم ما بلغوا
من نعمة لن تفتقد
جليسهم محمد
وآله مع الحفد
ودارهم حظيرة القدس
فما أحلى السعد
دار بنور الشكر والتحميد
تهنا وتمد
صلوا على محمد
وآله بلا عدد
والى لقاء مقبل بأذن الله نستودعكم الله والسّلام عليكم ورحمة الله.
*******