الحمد لله الذي جعل شكره باباً لزيادة نعمه على الشاكرين والصلاة والسّلام على سادات الشاكرين محمد وآله الطاهرين.
نامل ان تاتيكم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل وانتم على افضل ما يحبه لكم الرحمان الرحيم ويرضاه.
كما نأمل ان تقضوا وقتاً طيباً مع فقرات هذا اللقاء والتي تدور حول الموضوعات التالية:
- سبل الفوز بالحياة البرزخية في حظيرة القدس.
- وعن الغذاء المعنوي للروح وآثاره تستمعون لاجابة من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند.
- تليها رواية عن ردع السيدة نفيسة لحاكم مصر عن ظلمه.
- وختام اللقاء ابيات في محبة محمد وآله وبركاتها.
*******
نبدأ الجولة بالفقرة الاولى وهي عقائدية اخترنا لها العنوان التالي:
الحسين وحظيرة القدس البرزخية
عرفنا في الحلقة السابقة ان حظيرة القدس هي اسمى منازل الوجود لان الله جلّ جلاله قد طهرها بالكامل من جميع الادناس والآفات وبجميع مراتبها.
كما فهمنا من النصوص الشريفة التي نقلناها في الحلقة السابقة ان الارواح المطهرة يأذن الله لها بالدخول في هذا المكان العلوي المقدس حتى وهي تعيش في عالم الدنيا.
وشرط الفوز بذلك هو التزكية والتطهر المعنوي فبه يوفق الله عزّ وجلّ من احبهم من التوابين والمتطهرين لكرامة دخول ارواحهم في حظيرة القدس باحدى مراتبها تناسب درجة طهارتهم.
هذا بالنسبة لمن هم في عالم الدنيا فما حال اهل البرزخ؟ وهل لهم نصيب في سكنى حظيرة القدس؟ هذا ما نتحدث عنه في هذا اللقاء احباءنا فكونوا معنا:
المستفاد من كثير من الاحاديث الشريفة ان طائفة خاصة من صالحي المؤمنين ينقلون الى حظيرة القدس فور انتقالهم من دار الدنيا.
ومن هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله فهؤلاء وكما يصرح القرآن الكريم أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فرحين بما آتاهم الله من فضله.
ويستفاد من الاحاديث الشريفة ان عبارة عند ربهم تشير الى خطيرة القدس، تدبروا معنا المقطع التالي من خطبة مولاتنا العقيلة زينب (سلام الله عليها) عندما ادخلت سبية في مجلّس الطاغية يزيد حيث قالت له: والله ما فريت الا جلدك ولا حززت الا لحمك، وسترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برغمك وعترته ولحمته في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث وهو قول الله تبارك وتعالى: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».
ولا يخفى ان الآية الكريمة تتحدث عن الحياة البرزخية لهؤلاء الشهداء السعداء، اي انهم الان عند ربهم يرزقون وقبل قيام القيامة والحشر الاكبر.
ولا حظوا ايضاً هذه الفقرة من الخطبة الشهيرة التي القاها سيد الشهداء الحسين (عليه السّلام) قبل توجهه الى كربلاء حيث قال: رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا.
وفي قوله (عليه السّلام) وينجز بهم وعده اشارة الى ان سكنة حظيرة القدس من اهل البرزخ هم من الذين يحيهم الله تبارك وتعالى عند الرجعة وقيام دولة اهل البيت (عليه السّلام) بعد ظهور المهدي الموعود (عجلّ الله فرجه).
وهو كما دلتنا النصوص الشريفة اوان انجاز الله لوعده للذين آمنوا وعملوا الصالحات والمستضعفين ان يورثهم الارض ويمكنهم فيها فيقيموا دولة العدل الالهية.
وعلى اي حال، فان التحلي بالروح الحسينية وبذل النفس في طريق سيد الشهداء ارواحنا لمنهجه الفداء من اهم السبل للفوز بالعيش في حظيرة القدس بعد الانتقال من هذه الدنيا مباشرة.
لاحظوا معنا الحديث الشريف التالي المروي عن مولانا الامام الصادق في كتاب كامل الزيارات، والحديث طويل اجاب فيه (عليه السّلام) عن ثواب زيارة الحسين (عليه السّلام) ضمن اسئلة متعددة للراوي الذي سأله: فما لمن قتل عنده (عليه السّلام).
اجاب الامام الصادق (عليه السّلام) قائلاً: اول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الانبياء المخلصين ويذهب عنها ما كان خالطها من اجناس طين اهل الكفر، ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ ايماناً، فيلقى الله وهو مخلص من كل ما تخالطه الابدان والقلوب ويكتب له شفاعة في اهل بيته وألف من اخوانه.
ثم قال (عليه السّلام): وتولى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت و يؤتى بكفنه وحنوطه من الجنة ويوسع قبره عليه ويوضع له مصابيح في قبره ويفتح له باب من الجنة وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنة.
ثم قال (عليه السّلام) في بيان طبيعة الحياة البرزخية للمستشهد في حب الحسين (عليه السّلام): ويرفع بعد ثمانية عشر يوماً الى حظيرة القدس فلا يزال فيها مع اولياء الله حتى تصيبه النفخة التي لا تبقي شيئاً.
ثم قال (عليه السّلام): فاذا كانت النفخة وخرج من قبره كان اول من يصافحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) واميرالمؤمنين (عليه السّلام) والاوصياء ويبشرونه ويقولون له: الزمنا ويقيمونه على الحوض فيشرب منه و يسقي من احب.
*******
خبير برنامج عوالم ومنازل سماحة الشيخ محمد السند يجيب في الفقرة التالية عن سؤال لاحد المستمعين الافاضل يحظى باهمية بالغة للجميع.
الغذاء المعنوي للروح وآثاره
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم احبائنا شكراً لكم على طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل معنا مشكوراً خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سلام عليكم سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ من الاخ علي من هولندا سؤال وردنا يسأل عن الغذاء المعنوي لروح الانسان هل يختلف من انسان لأخر هذا هوالشطر الاول من السؤال يعني الغذاء المعنوي لروح الانسان يختلف عن الغذاء المعنوي لروح انسان ثاني ام انه مشترك وكيف تظهر اثار هذا الغذاء على العوالم المختلفة؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
في الحقيقة نعم للروح غذاء كما ان للبدن غذاء بل حتى البدن اجزاءه المختلفة لها تغذي وغذاء مختلف مثلاً المخ كما في الروايات الطيب والعطر الطيب هو غذاء العقل يعني آلة العقل وهو المخ كما ان البدن غذاءه الطعام ووردت لدينا في الروايات ايضاً ان الروح والنفس تكل وتمل فروحوها بالحكمة او بالحكم كما ورد في روايات اهل البيت بالتالي التنفيس والتقوية والمد بالطعام لكل مرتبة من مراتب الانسان روحه ونفسه وعقله تختلف عن مرتبات الاخرى اما اختلاف الغذاء المعنوي بالنسبة للارواح والنفوس ففي الحقيقة كما يفيد توصيات وتعاليم الشريعة الغراء نعم نشاهد ان هناك عناصر مشتركة في الغذاء الروحي المعنوي هناك عناصر مختلفة متلونة ومتنوعة كما في شأن البدن، ابدان بني البشر تحتاج الى اغذية مشتركة كالطعام، الماء، البروتينات وماشابه ذلك، هناك لكل بيئة او قومية اطعمة متناسبة لها مثلاً البيئة الباردة تحتاج الى امور مسخنة ودسمة اما في البيئات الحارة تحتاج الى اطعمة باردة ومبردة، الجافة تحتاج الى مرطبة، الرطبة تحتاج الى مجففة وهلم جرى، ايضاً في الجانب المعنوي نجد هذا الامر مثلاً الامور المعنوية، الرياضات الشرعية الواجبة الالزامية كوجوب الصلاة، وجوب الحج، وجوب الزكاة، وجوب امور متعددة هذه عناصر مشتركة لا يمكن ان يفرض فيها بين انسان وآخر، الفرائض عموماً من نبي ورسول وامام ووصي واهل اليقين واهل التقوى واهل المعنى والى احاد الناس العاديين الكل يحتاج «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» اي الموت فبالتالي الفرائض هذا جانب مشترك لكل البشر واما المستحبات والمندوبات، ابواب المستحبات والمندوبات كما يشبهها اهل المعنى فيما يستنبطونه ويستظهرونه من تعاليم الشريعة انها من قبيل الفواكة المتنوعة والاطعمة المختلفة، الاستغفار له مجال وان كان هذا مشترك طبعاً بعض المستحبات الاكيدة المؤكد عليها للجميع يمكن القول عنها انها اغذية معنوية مشتركة
المحاور: عفواً سماحة الشيخ يمكن ان تكون هذه المستحبات المؤكدة هنالك الاختلاف ليس في اصل المستحب وانما في مقداره او في اوقاته وفي غير ذلك؟
الشيخ محمد السند: نعم هناك اختلاف وتنوع لذلك لدينا توصية اكيدة من الشريعة في روايات المعصومين انه ان اقبلت انفسكم زودوها، اتحفوها بالعبادات او بكثير من الممارسات التي فيها روحانية وعبودية وان ادبرت او ملت فلا تثقلوا عليها، طبعاً الانسان لايترك نفسه هدد في لهو ولعب ولكن بمقدار حكيم وتدبيري يجب ان يوازن ربما النفس ليس لها اقبال على بعض النوافل المستحبة في الصلاة لكن لها اقبال على نوافل الصيام ولربما لها ادبار عن عمل عبادي او نسكي معين لكن لها اقبال على جانب اخر لذلك هذا مهم حتى في التعاليم التربوية والاجتماعية الدينية انه ربما الكثير يصرون على باب معين من ابواب الشعائر لنفترض الحج المستحب او نفترض باب آخر الزيارة او نفترض باب الدعاء والتوسل، هناك ابواب عديدة رسمها الشارع التربوي للمجتمع لا يجب ان اذا كان التركيز على جانب يوجب التعاون على جانب آخر او الاشادة بجانب والاغفال عن جانب آخر فأن هذه ابواب متلونة ومتنوعة في الشريعة، تربوية هي مساهمة لشريحة، لنمط من اسنان، اعمار المجتمع يجب عدم التفريط بها وهذا نوع من التلون ولكل وردة عطر ولكل باقة عبير خاص وهذا يجب ان لانغفل عنه، نعم لدينا توصية في الاعمال المعنوية والغذاء المعنوي في الشريعة ان الله يحب العمل المستدام وان قل وهو افضل من العمل الكثير المنقطع فربما انسان يستحب ويستأنس ويستدرك ورداً معيناً من الامور المؤثرة في الغذاء المعنوي ان يدمن عليه الانسان طيلة عمره او في بعض الروايات ولو سنة يثمر هذا بلحاظ الشق الثاني من السؤال ان اثمار هذه امور وخصائص وهناك توصية لطيفة يقولها اهل المعنى انه من الخطأ الانسان ان يرسم لنفسه برنامج معنوي يحاذي ويماثل فيه افرض استاذه في الاخلاق او استاذه في السير والسلوك المعنوي او احد الاتقياء او احد الابدال ويريد ان يحتذي به حذو القذة بالقذة هذا خطأ لماذا؟ لأن لكل نفس مزاج خاص روحي كما نرى لكل بدن مزاج بدني خاص يجب على الانسان ان يقف ويستقصي ويستمزج ما يناسب روحه الخاصة وحتى قال اهل المعنى ونعم ما قالوا انه لو يجلب الانسان الغذاء المناسب والطعام المناسب المعنوي لربما يكون هو مفتاح عروجه الروحي وسرعة تكامله بشكل مذهل يعني لكل انسان ربما يستظهرون من هذه الآية «وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا» يعني كل نفس لها مفتاح خاص وشاكلة غير الشواكل المشتركة بين النفوس كلها في الفرائض او في المستحبات الاكيدة، هناك شواكل معينة لو يقف الانسان عليها لربما كانت انسب في قفزه وفي تكامله وسرعة تطوره المعنوي من ممارسته لورد او باب آخر وهذه توصية جداً اكيدة ومهمة وخطيرة يجب ان يلتفت اليها الانسان.
*******
بسبب طول فترة الفقرة المتقدمة اخترنا للفقرة التالية رواية قصيرة لكنها تحمل دلالات وعبراً كثيرة، واخترنا لها العنوان التالي:
يا احمد بن طولون قف!
يروى ان حاكم مصر احمد بن طولون تمادى في بداية حكمه في ظلم المصريين، فلم يجد هؤلاء من يلجئون اليه سوى العلوية الحسنية الزاهدة السيدة نفيسة (سلام الله عليها).
فتوجهوا اليها وشكوا اليها مما نزل بهم من ظلم ابن طولون.
فسألتهم: متى يركب؟ اي متى يخرج من قصره، فقالوا في غد.
فكتبت (عليها السّلام) رقعة ووقفت في طريقة فلما اقترب منها نادته دون ان تلقبه بشيء: يا احمد بن طولون. عرف الحاكم هوية من نادته، وقد كان لهذه العلوية العابدة مقام جليلاً ووجاهة، فترجل عن فرسه، فسلمته الرقعة.
اخذ الحاكم رسالة العلوية باحترام وفتحها وقرأها فاذا فيها مكتوب: ملكتم فاسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم فعسفتم ودرت عليكم الارزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم ان سهام الاسحار نافذة لا سيما من قلوب اوجعتموها واجساد اعريتموها... إعملوا فانا متظلمون وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.
قال الراوي، فعدل ابن طولون من تلك الساعة عن ظلمه لأهل مصر.
*******
ايها الاخوات والاخوة نرجو ان تكونوا قد قضيتم وقتاً طيباً مع ما تقدم من فقرات برنامج عوالم ومنازل، كما نأمل ان يطيب لكم الاستماع الى فقرته الختامية وهي ادبية اخترنا لها العنوان التالي:
لانطفأت جهنم
تحدثت كثير من الاحاديث النبوية المروية في المصادر المعتبرة عند مختلف المذاهب الاسلامية عن الآثار المباركة لحب علي (عليه السّلام) في سعادة الانسان الأخروية.
وواضح ان السرّ في ذلك يكمن في انّ محبة علي رمز لمحبة آل محمد (صلى الله عليه وآله) وفي محبّتهم محبّة جدّهم المصطفى والاجر الذي طلبه بامر الله لرسالته وفي ذلك بالتالي تحقّق محبة الله عزّ وجلّ.
وقد صورت قرائح الادباء الاسلاميين هذه المضامين السامية في كثير من قصائدهم، منها الابيات التالية التي اخترناها من قصيدة طويلة لاحد شعراء الولاء، قال هذا الاديب الولائي:
لو اجمع الناس على
حب علي للأبد
لانطفأت جهنم
وما بقي فيها وقد
وابتردت زاهرة
يا طيبها والمبترد
فحبّه الفردوس ما
ثمة لغو او كمد
وبغضه نار السّعير
منه تغذى وتمد
وكلّ شيء سنخه
يجذبه... فيتحد
صلوا على محمد
وآله بلا عدد
ويصور الاديب ظهور اثر الحب المقدس لعلي ولاهل بيت النبوة (عليهم السّلام) عند الحوض من منازل القيامة الرئيسة، فيقول:
والحوض حوض المصطفى
من كوثر الطّهر يمد
سقاؤه الصهر الذي
كان يقوم الأود
يسقيهم من بارد
اعذب من طعم الشهد
صفاؤه مسروق
يظلّ ريا للابد
وحوضه مدخر
لمن تولاه معد
يرويهم بكّفه
يذود عنه من عند
وان بغى معاند
يدنو لحوضه طرد
الف هنيئاً ورضيً
لمن لحوضه ورد
صلوا على محمد
وآله بلا عدد
ختاماً تقبلوا خالص دعواتنا والسّلام عليكم ورحمة الله.
*******