ولما عوتب على ذلك من قبل بعض أصحابه حيث قال له: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمراً ولا طرداً ولا معنى إلاّ قلت فيه شيئاً، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً.
فقال أبو نواس: والله ما تركت ذلك إلاّ إعظاماً له، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله، ثمّ أنشد بعد ساعة أبياتا رائعة.
وحينما عُوتِبَ أبو نواس على الإمساك عن مدح الإمام الرضا (ع) أنشد هذه الأبيات:
قِيلَ لي أنتَ أفصحُ الناس ِ طُرَّا في فنون ٍ من الكلام النبيهِ
لكَ من جوهر الكلام بديعٌ يُثمِرُ الدرَّ في يَدي مُجْتَبيهِ
فَعَلامَ تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنَ موسى والخِصالَ التي تَجَمَّعْنَ فيهِ
قُلْتُ لا أستطيعُ مَدْحَ إمامٍ كانَ جِبْريلُ خادِمًا لأبيهِ
قَصُرَتْ ألْسُنُ الفصاحةِ عَنْه وَلِهذا القريضُ لا يَحْتَويه
ونَقَلَ الشيخُ الصدوق بإسناده المعتبر عن محمد بن يحيى الفارسي أنه قال:
نَظَرَ أبو نواس إلى أبي الحسن الرّضا (ع) ذات يومٍ وقد خَرَجَ من عند المأمون على بغلة له، فدنا منه أبو نواس وَسَلَّمَ عليه وقال: يابن رسول الله، قد قلتُ فيكم أبياتًا وأوَدُّ أن تَسْمَعَها.
قال:هات.
فَأنْشَأَ:
مُطَهَّرونَ نَقِياتٌ جُيُوبُهم تَجْري الصَّلاةُ عَليهم أينما ذُكِروا
مَن لم يكن عَلَويّا حين تنسبُه فما له في قديم الدهرِ مُفْتَخَرُ
واللهُ لَمّا بَرى خَلْقًا فأتقَنَهُ صَفاكم وَبراكم أيّها البشَرُ
فَأَنتُمُ المَلأُ الأعلى وعِنْدَكُمُ عِلمُ الكتابِ وَما جاءت به السّوَرُ
فقال الرضا (ع): يا حسن بن هاني! قد جئتنا بأبياتٍ ما سبقك أحدٌ إليها، فأحسنَ الله جزائَك.
ثم قال: يا غلام! هل معكَ من نفقتنا من شيئ؟.
فقال: ثلاث مئة دينار.
فقال: أعطها إيّاه.
ثم قال: لعله استقلها.
ياغلام! سُق إليه البغلةَ.
المصدر: بحار الأنوار، ج٤٩، ص ٢٣٦