يأتي ذلك بعدما اقتحمت دبابات الاحتلال الإسرائيلي مرافق معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني، ما أدّى إلى توقف حركة المسافرين ودخول المساعدات بشكل كامل إلى قطاع غزة، وذلك بعد ساعات من إعلان حركة حماس موافقتها على الاتفاق المُقترح من الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار في القطاع.
وفي وقت سابق، أكّد مصدر مُطّلع على الخطط الإسرائيلية لشبكة "سي أن أن" الأميركية، أنّ العملية الإسرائيلية في رفح "محدودة"، وتهدف إلى مواصلة الضغط الإسرائيلي على حماس.
وقال المصدر إنّ "إسرائيل" أبلغت الولايات المتحدة بخطط إخلاء المنطقة شرقي رفح، وتنفيذ العملية قبل الاتصال الهاتفي يوم الاثنين بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
بالتزامن، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول إسرائيلي كبير أنّ "العرض الراهن من حماس لوقف إطلاق النار غير مقبول بالنسبة إلى "إسرائيل".
وأفاد المسؤول الإسرائيلي بأنّ "وفداً متوسط المستوى سيتوجه إلى مصر في الساعات المقبلة لتقييم إمكانية تغيير موقف حماس بشأن شرط وقف النار".
كارثة إنسانية
في هذا السياق، أكّدت إدارة التنسيق في وزارة الصحة في قطاع غزة "توقف العمل في معبر رفح نتيجة سيطرة الاحتلال عليه"، حيث "مُنع سفر الجرحى والمرضى ومرافقيهم لتلقي العلاج خارج غزة".
وقالت إدارة التنسيق إنّ لديها قوائم سفر للجرحى والمرضى بآلاف الحالات، لكن الآن مُنعوا من السفر. وأشارت أيضاً إلى منع القائمة التي من المفترض أن تسافر، اليوم الثلاثاء، والتي تتضمن 140 اسماً وأُرسلت من الجانب المصري.
كما لفتت إلى أنّ وضع المرضى والجرحى في مستشفيات قطاع غزة "صعب جداً منذ بداية الحرب لفقدان أدنى مقومات العلاج والأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية، وانهيار تام للمنظومة الصحية"، فيما مُنع دخول شاحنات الأدوية والمعدات الطبية والوقود اللازم للمستشفيات.
وطالبت الإدارة الدول التي تعهدت وطلبت قوائم المرضى والجرحى بالإيفاء والالتزام بتعهداتها والعمل العاجل لسفرهم.
حكم بالموت
وقال المتحدث باسم هيئة المعابر في قطاع غزة هشام عدوان للميادين إنّ "إقفال معبر رفح هو حكم بالموت على الجرحى في القطاع"، فيما أكّدت وكالة "الأونروا" أنّ "كارثة الجوع ستزداد سوءاً، ولا سيما في الشمال، إذا توقف دخول الإمدادات".
بدوره، قال المكتب الإعلامي الحكومي، في تصريح صحافي، إنّ الاحتلال الإسرائيلي "يتعمّد تأزيم الوضع الإنساني بإيقاف إدخال المساعدات وإغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم واستهداف المستشفيات والمدارس التي تضم مئات آلاف النازحين بعدوانه على شرقي رفح".
وأضاف المكتب أنّ الاحتلال "قرر تأزيم الواقع الإنساني بشكل مضاعف وكارثي، وذلك من خلال قراره قتل المزيد من المدنيين والأطفال والنساء الذين زاد عددهم خلال 12 ساعة إلى أكثر من 35 شهيداً".
كذلك، أكّد أنّ الواقع يشير إلى "كارثة إنسانية حقيقية، ليس في رفح وحدها فحسب، بل تشمل كل محافظات قطاع غزة التي تعيش حالة مأساوية من التجويع الممنهج ونقصاً في الإمدادات والمساعدات منذ 7 شهور متواصلة".
وشدّد على أنّ تفاقم الوضع الإنساني "يستدعي تدخلاً دولياً فورياً وعاجلاً للضغط على الاحتلال لوقف هذا العدوان، ووقف شلال الدم المتدفق، ووقف حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين والأطفال والنساء".
وفي إطار متصل، قالت وكالات تابعة للأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، إنّ المعبرين الرئيسيين إلى قطاع غزة ما زالا مغلقين، ما يحجب المساعدات الخارجية فعلياً عن القطاع الذي لا يوجد فيه سوى عدد قليل للغاية من المتاجر.
وأشار ينس لايركه المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إلى أنّ وكالات الأمم المتحدة "ليس لديها سوى مخزونات قليلة جداً داخل قطاع غزة نظراً إلى استهلاك الإمدادات الإنسانية أولاً بأول"، مؤكّداً أنّ "منع دخول الوقود إلى غزة لفترة طويلة يقضي على عملية الإغاثة الإنسانية في القطاع".
من جانبه، قال المتحدث باسم "اليونيسف" جايمس الدر: "من الصعب رؤية كيف يمكن تجنب المجاعة في قطاع غزة إذا أُغلقت بوابة رفح لفترة طويلة".
وتابع الدر، في تصريح صحافي، إنّ "منطقة المواصي التي طلبت إسرائيل من سكان شرقي رفح الذهاب إليها غير آمنة، فقد قتل طفل أثناء بحثه عن الطعام برصاصة في رأسه في هذه المنطقة".
قصف مكثف على رفح
وبشأن مستجدات عدوان الاحتلال شرقي رفح، أفاد مراسل الميادين باستشهاد 20 فلسطينياً في إثر غارات إسرائيلية استهدفت 7 منازل سويت بالأرض في رفح جنوبي قطاع غزة فجر اليوم.
وأضاف المراسل أنّ مدفعية الاحتلال تواصل استهداف مناطق شرقي رفح، فيما فجّر "جيش" الاحتلال عدداً من المباني عند معبر رفح.
وقال مدير مستشفى الكويت التخصصي في رفح، صهيب الهمص، إنّ محافظة رفح "تمر بكارثة صحية كبيرة في ظل القصف الإسرائيلي المستمر والمكثف على المحافظة".
وأوضح الهمص أنّ مستشفى الكويت التخصصي في رفح هو المستشفى الوحيد الذي يعمل الآن، وبأقل الإمكانات، بعد خروج مستشفى النجار عن الخدمة لتصنيفه ضمن المنطقة الحمراء.
كما أفاد بأنّ المستشفى "يستقبل عشرات الشهداء والإصابات على مدار الساعة، فيما توجد صعوبة في التعامل مع الإصابات لعدم وجود إمكانيات"، معلناً عن توقف جهاز الأشعة الوحيد في المستشفى نتيجة ضغط الحالات.
وناشد الهمص جميع الطواقم الطبية بالوقوف عند واجباتها ومسؤولياتها والتوجه بشكل عاجل إلى مستشفى الكويت، وذلك لوجود نقص في الكوادر الطبية التخصصية.
وناشد وزارة الصحة والمؤسسات الصحية الدولية والعربية بتفعيل المستشفيات الميدانية التابعة لها لاستقبال الإصابات.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي 6 مجازر ضد العائلات في القطاع، وصل منها إلى المستشفيات 54 شهيداً و96 إصابة خلال الساعات الـ24 الماضية.
وأضافت وزارة الصحة أنّ حصيلة عدوان الاحتلال الاسرائيلي ارتفعت إلى 34789 شهيداً و78204 جرحى منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فيما "لا زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرق لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم".
فصائل المقاومة: إفشالٌ متعمد للمفاوضات
وفي هذا الإطار، أصدرت فصائل المقاومة الفلسطينية بياناً أكّدت فيه أنّ شن الاحتلال عدواناً برياً على رفح واحتلال وتدمير معبرها وإغلاق معبر كرم أبو سالم - المنفذ الوحيد لقطاع غزة - هو "كارثة إنسانية تستهدف 2.5 مليون مواطن فلسطيني في القطاع".
وأضافت الفصائل أنّ ذلك "يهدد أيضاً أكثر من 1.5 مليون نازح فلسطيني، منهم 400 ألف مواطن نزحوا من المناطق الآمنة التي هددها الاحتلال بالأمس، في وقتٍ تشهد منطقة رفح أكبر حركة نزوح شهدها التاريخ المعاصر".
وشدّدت على أنّ ذلك "يكشف نيات الاحتلال بارتكاب مجازر وكارثة إنسانية عبر قطع خطوط الإمداد الغذائي والإنساني والطبي وحركة المسافرين للجرحى والمواطنين ومنع دخول الشاحنات الغذائية التي لا تكفي في حال دخولها يومياً من احتياج رفح 5%، إضافة إلى خروج المستشفيات والمراكز الصحية المتبقية عن الخدمة، ما يعني قتلاً محقّقاً للآلاف من الجرحى والمصابين ومرضى السرطان والمرضى من النساء والأطفال وغيرهم من الفئات".
وبيّنت الفصائل أنّ هذا العدوان "واضح، وهو نية مبيتة لإفشال جهود الوسطاء وتحدي الإرادة الدولية والإقليمية، وكذلك الإرادة الشعبية، وخصوصاً بعدما تقدمت قيادة المقاومة، ومعها فصائل وقوى شعبنا، بالموافقة على مقترح الوسطاء".
وأضافت أنّ ذلك "يؤكد عدم رغبة الحكومة الصهيونية في وقف العدوان وتحقيق صفقة لتبادل الأسرى، ما يهدد مسار المفاوضات ويترك للاحتلال استمرار الإبادة الجماعية لشعبنا".
وفي ختام بيانها، دعت الفصائل دول العالم والمؤسسات الدولية والأممية إلى التدخل فوراً لإنقاذ حياة 2.5 مليون مواطن يتهددهم القتل والجوع والمجازر والإبادة الجماعية في أكبر كارثة إنسانية يشهدها العالم الآن.
ودعت إلى حراك أممي دولي وإقليمي شعبي ورسمي عربي وإسلامي لوقف حرب الإبادة الجماعية فوراً ولجم الاحتلال عن إرهابه، وذلك عبر الاعتصامات في الميادين والساحات والمدن والجامعات وقطع الإمداد عن الاحتلال براً وبحراً وجواً ومحاسبته على جرائمه في المحاكم الدولية.
كذلك، دعت الفصائل المقاومة في الساحات والجبهات كافة إلى تصعيد مقاومتها ضد الاحتلال وداعميه حتى يتوقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
الرئاسة الفلسطينية: احتلال معبر رفح جريمة حرب
من جهته، أكّد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، اليوم الثلاثاء، أنّ احتلال معبر رفح البري والتهديد بتهجير المواطنين من مراكز الإيواء ومراكز سكنهم، ومنع موظفي الأمم المتحدة من دخول قطاع غزة هي جرائم حرب، يجب أن يُحاسب عليها الاحتلال.
وطالب الناطق الرسمي باسم الرئاسة، الإدارة الأمريكية بالتدخل الفوري لمنع قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باجتياح رفح وتهجير المواطنين منها، خاصةً أنّ معظمهم من النازحين من شمال ووسط القطاع من جراء حرب الإبادة التي يتعرضون لها منذ أشهر طويلة، وسط صمت دولي غير مقبول.
وأشار إلى أنّ معبر رفح البري وباقي أراضي قطاع غزة هي "أرض فلسطينية محتلة وفق القرارات الشرعية الدولية، ولكن الاحتلال المدعوم أمريكياً بالسلاح والمال والغطاء السياسي، يصرّ على الاستمرار في تحدي الشرعية الدولية، لأنّ الفيتو الأمريكي سيقوم بحمايته".
وحذّر أبو ردينة من مخاطر هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير وارتكاب مجازر في رفح، ما يهدد حياة الملايين من الفلسطينيين ويدفع بالأمور إلى حافة الهاوية.
أتى ذلك بعدما أعلنت حركة حماس، مساء أمس الاثنين، موافقتها على مقترح الوساطة المقدم من جانب مصر وقطر لوقف إطلاق النار، لكن "كابينت" الحرب قرر مواصلة العملية العسكرية في رفح لـ"ممارسة ضغط على حماس"، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.